الصحافة مقبلة على "عقد حاسم" يحدد وجودها قبل حريتها

مراسلون بلا حدود: الحكومات تتعمد استغلال أزمة وباء كورونا للتضييق على الحريات.
الأربعاء 2020/04/22
تأثير كورونا مضاعف على الصحافة والإعلام

تعيش الصحافة في أنحاء العالم أزمة تهدد حريتها واستمراريتها في نفس الوقت، مع حالة القلق المتصاعد من الأزمة الصحية الحالية وتداعياتها لاقتصادية والسياسية، التي تسببت بتوقف عدد كبير من الصحف والمؤسسات الإخبارية، ومنحت الحكومات الفرصة لتنتقم من الصحافيين المزعجين.

باريس - أعربت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن مخاوف عميقة بشأن حرية الصحافة في العقد القادم، وتعمد الحكومات استغلال أزمة وباء كورونا للتضييق على الحريات، في حين أن مخاوف الصحافيين أنفسهم تتعلق بتهديد استمرارية المهنة، وبقاء المؤسسات الإعلامية على قيد الحياة، مع التداعيات الاقتصادية المرتبطة بالوباء.

ونبهت المنظمة إلى أن السنوات العشر المقبلة ستكون “عقداً حاسماً” على صعيد حرية الصحافة، فيما ترفع الأزمة الصحية الحالية من حدة الصعوبات الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى تفاقم حالة انعدام الثقة التي يعاني منها القطاع مع اضطرار عدد كبير من الصحف والمؤسسات الإخبارية حول العالم لإقفال أبوابها وتسريح الموظفين، وتخشى وسائل إعلام كثيرة غيرها من مصير مشابه.

وقال كريستوف دولوار، الأمين العام للمنظمة، التي أصدرت الثلاثاء التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2020، “إن الوباء هو فرصة للدول الأسوأ تقييما في التصنيف لتطبيق ما يسمى عقيدة الصدمة، التي وضعتها نعومي كلاين”، وأوضح “أنها تستغل ذهول الجمهور وضعف التعبئة لفرض تدابير يستحيل اعتمادها في الأوقات العادية”.

وهذا ما يحدث في الصين وإيران “اللتين وضعا أنظمة رقابة ضخمة” أو المجر، حيث دفع رئيس الوزراء نحو إقرار قانون ينص على فرض أحكام بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات على أي شخص ينشر “الأخبار الكاذبة” حول الفايروس.

كريستوف دولوار: تناقل الأنباء المضللة عن الوباء يشكل ذريعة لسن قوانين قمعية
كريستوف دولوار: تناقل الأنباء المضللة عن الوباء يشكل ذريعة لسن قوانين قمعية

وأضاف دولوار أن تناقل الأنباء المضللة عن الفايروس يشكل ذريعة لسن قوانين قمعية، مشيرا إلى أن المزج بين الدعاية والإعلان والإشاعات والإعلام “يخل بتوازن الضمانات الديمقراطية لحرية الرأي والتعبير”.

وترى المنظمة “أن جيوش المتصيّدين في الدول، مثل روسيا والصين والهند والفلبين وفيتنام تستخدم سلاح التضليل على شبكات التواصل الاجتماعي”.

وأشار كاس مود، الكاتب في صحيفة الغارديان وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجيا، إلى التحذير من التضحية بحرية الرأي حتى في وقت المعركة الشرسة مع وباء كورونا. لأن هذه الحرية “هي أول الضحايا في أوقات الأزمات”.

ولا يقتصر ضرر الوباء على فئة دون غيرها في العالم، والصحافة تدرك أنها صوت هذا العالم، وتعيش الضرر نفسه، لكنها لا تقبل وفق جوهرها أن تكون متواطئة ومنصاعة لرغبة الحكومات بإخفاء حقائق ما يجري، في وقت عليها أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية بدعم السلطات بأقصى قدر من أجل إنقاذ الناس.

في المقابل فإن التجربة الطويلة علمت الصحافة أن الحكومة ليست ضامنا محبا وعطوفا كبيرا يعمل للصالح العام، وتقوم بالأمر الصحيح دائما، بل تعمل من أجل أن تتمكن من فرض سيطرتها ومنع الصحافة من الحصول على المعلومات التي ينتظرها الناس.

وأشار دولوار إلى أن الوباء سرّع من الأزمة الاقتصادية للصحافة “ففي ليبيريا، توقفت الصحف الورقية عن الصدور، بينما فقد، في الولايات المتحدة، أكثر من 30 ألف شخص يعملون في وسائل الإعلام وظائفهم منذ بداية الأزمة”.

وإذا كانت المنظمة قد اتخذت ليبيريا مثالا، إلا أن الكثير من الدول شهدت توقف صحف من بريطانيا إلى أستراليا حتى العالم العربي، حيث أوقفت العديد من الدول العربية الصحف المطبوعة إلى أجل غير مسمى.

وتشتكي دول أخرى من هجمة شرسة على الصحافة مستترة بمحاربة الأخبار الكاذبة والوباء مثل تركيا وإيران والجزائر التي كرست قانونا لملاحقة المواقع الإخبارية.

وتساءل دولوار “ما هي الحرية والتعددية ومصداقية المعلومات حتى حلول عام 2030، إن الجواب على هذا السؤال يتم الآن”.

ويخشى البعض أن يصبح التهديد الوجودي للصحافة وسيلة للسياسيين والحكومات لإخضاعها لسلطتهم، لاسيما على الصعيد العربي الذي تعاني فيه الصحافة أصلا من هيمنة السياسيين والأحزاب الطائفية التي تحتل المشهد كما في لبنان والعراق، وتتحول الصحافة المستقلة إلى مجرد تسمية لا وجود لها في الواقع.

ويُظهر التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2020، الذي يقيم 180 دولة، تحسنًا طفيفًا في المؤشر العام على مدار السنة، لكنه لا يأخذ الوباء المستجد في الاعتبار.

وزادت نسبة البلدان المصنفة في “وضع حرج” مقارنة مع عام 2019.

كوريا الشمالية في أسفل التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2020
كوريا الشمالية في أسفل التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2020

وفي أسفل التصنيف حلت كوريا الشمالية في المركز الأخير 180 بدلا من تركمانستان، بينما بقيت إريتريا 178 أسوأ ممثل للقارة الأفريقية.

وتتصدر القائمة النرويج، للمرة الرابعة على التوالي، تليها فنلندا والدنمارك لكن التهديد يواجه هذه الدول الثلاث مع ارتفاع العنف عبر الإنترنت.

وأشارت “مراسلون بلا حدود” إلى الولايات المتحدة والبرازيل اللتين يستمر رئيساهما، دونالد ترامب وجايير بولسونارو اللذان انتخبا ديمقراطيا، في الاستخفاف بالصحافة والتشجيع على كراهية الصحافيين.

وتراجعت فرنسا بسبب المضايقات الإلكترونية واستهداف الصحافيين بشكل واضح من قبل أفراد الشرطة أثناء تغطيتهم التظاهرات، في حين تم مرارا استدعاء آخرين يعدون تقارير حول وقائع تتعلق بالأمن الوطني، بحسب دولوار الذي استنكر “الترهيب القضائي”.

وثمة معطيات إيجابية من أفريقيا، التي شهدت سقوط العديد من الدكتاتوريين والأنظمة الاستبدادية في السنوات الأخيرة، كما هي الحال في إثيوبيا أو غامبيا أو السودان، ما سمح بتخفيف القبضة على الصحافيين “وإن كانت التغييرات الكبيرة والوحيدة القادرة على تعزيز تطوير صحافة جيدة وحرة ومستقلة، لا تزال بعيدة المنال”.

وسجل ترتيب كل من ماليزيا وجزر المالديف، أفضل تحسن في تصنيف 2020، بعدما شهدتاه من تحول سياسي.

18