الشراكة في المشاريع التجارية بين الأزواج لا تشبه الشراكة في مؤسسة الأسرة
تقوم العلاقة الأسرية على الشراكة بين الزوجين وتمثل الحياة الأسرية في جوهرها شراكة مصيرية، إلا أن الشراكة في المشاريع التجارية بين الأزواج تختلف عن ذلك. ففي حين يكون مضمون الشراكة بين الزوجين في الحياة الأسرية قائما على أساس المودة والرحمة، يكون مضمون الشراكة بين الزوجين في المشاريع التجارية قائما على أساس الحسابات المالية.
تُبنى العلاقة بين الزوجين على أساس الحب والمودة والرحمة حتى تكون علاقة ناجحة، فالعلاقة داخل الأسرة بين الزوجين ليست مجرّد نزوة حبّ وعاطفة، ولا هي علاقة تسلطية من الرجل على المرأة، وإنما يُبنى مفهوم الشراكة الأسرية على أساس قيم الإيثار وعدم التسلط وحب الذات وانتفاء الحسابات، وهو ما لا نجده ضمن الشراكة في المشاريع الربحية.
تقوم المشاريع التجارية على مبدأ الربح، وغالبا ما تبدأ الشراكة التجارية في المشاريع الصغيرة بين الأزواج بحماس كبير وتطلعات عالية لكن مع قليل من التخطيط وغياب تحديد الشروط والقواعد الأساسية، ولا تكاد تمر على الشراكة فترة زمنية، إلاّ وتلوح في الأفق الكثير من المشكلات التي تعجل بفض هذه الشراكة، ما لا يجعل الحياة الزوجية في مأمن.
تقول فائزة العكرمي صاحبة مطعم يبيع الأكلات الجاهزة وسط العاصمة، إنها دخلت في شراكة مع زوجها محمد من أجل تحسين عائدات المطعم وتحقيق المزيد من الأرباح، لكن ذلك لم يتم لأن الشراكة لم تتم وفق قواعد مضبوطة، وأرجعت فشل الشراكة بينهما إلى زوجها الذي لم يكن على دراية كافية بأسلوب تسيير المطعم، ذلك أنه كان شديد الحزم مع العمال ما أدى إلى طرد عدد منهم والدخول في قضايا شغلية كلفت المحل كثيرا من الخسائر المالية. وبما أن الزوجة كانت صاحبة رأس المال فإنها كانت أكثر المتضررين من الشراكة، ما جعلها تلقي باللائمة على زوجها فتعكرت حياتهما جراء ذلك.
كما أن جائحة كورونا قد ضاعفت من متاعبها المالية باعتبار نقص الحرفاء، الذين لم يعودوا يزورون المحل كما في السابق خوفا من انتقال عدوى الفايروس.
وتعتبر الشراكة عقدا يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كلّ منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل، لاقتسام ما قد ينشأ عن المشروع من ربح أو خسارة.
ويتم الدخول في شراكة تجارية من خلال صك الشراكة، الذي هو بمثابة عقد أو اتفاق بين الشركاء، ويتعلق بنشاط إنتاجي أو خدمي أو تجاري على أسس ثابتة وملكية مشتركة، وإذا لم يطبق الزوجان ذلك في مشاريعهما المشتركة فإنهما حتما سيقعان في ورطة.
الشراكة التجارية في المشاريع الصغيرة بين الأزواج تبدأ بحماس كبير، لكن عدم التخطيط الجيد يعجل بفضها
ويؤكد أحمد الأبيض المختص التونسي في علم النفس، أن نجاح المشاريع التجارية بين الأزواج رهين مبدأي الثقة والشفافية، وأن أي خلل يطرأ على ذلك يمكن أن يجعل مدخرات العائلة في خطر.
ويشير الأبيض إلى أن تبخر مدخرات العائلة بسبب سوء التصرف، يمكن أن يكون نوعا من التحيل من أحد الطرفين.
وحسب ما ورد في تقرير الكاتبة كلاريسا سيكوليتس، الذي نشرته صحيفة “إكسبانسيون” الإسبانية، فإن هناك عاملا لا يهتم به باعثو المشروع بما فيه الكفاية لكنه قد يكون حاسما بالنسبة لمستقبل المشروع ومصالح مؤسسي الشركة، والذي يكمن بالأساس في التوقيع على اتفاقية شراكة. وتعد هذه الاتفاقية وثيقة خاصة هدفها تنظيم العلاقات الداخلية في صلب الشركة وضمان حل النزاعات.
كما يعتبر العثور على فكرة عمل تناسب السوق وتجميع فريق عمل جيد فضلا عن الحصول على التمويل الضروري، من بين المهام التي يجب القيام بها لإطلاق العمل الذي سيعتمد عليه نجاح الشركة.
ويعتبر الخبراء أن غياب اتفاق شراكة بين الزوجين يعد من الأخطاء الأكثر شيوعا. ذلك أن العديد من رواد الأعمال يعتقدون أن الاتفاق بين الزوجين ليس ضروريا إلى أن يدخل مستثمر محترف في المجموعة ويطالب بذلك، وهو خطأ كبير.
ويوصي كارلوس سيرانو مدير الاستثمار في شركة أنجلس كابيتال، بأن يكون لأي شركة لديها أكثر من مساهم واحد اتفاق شراكة يحدد قواعد ما يلتزم به كل شريك وما يستطيع ولا يستطيع القيام به. وبالتالي فإن ترك الأمور واضحة كتابيا يمكّن من تجنب العديد من الصراعات المستقبلية.
وحيال هذا الشأن، يقول ألبرتو فرنانديز وهو أستاذ مختص في ريادة الأعمال، إنه من المهم تحديد بعض القواعد، لأن مصالح أحدهم يمكن أن تتعارض مع مصالح الآخرين، ويجب أن التفكير في الطرف الآخر الذي يمكن أن يكون العدو المحتمل.
ولفتت سيكوليتس إلى أن هناك خطأ شائعا جدا بين رواد الأعمال يتمثل في توقيع اتفاق شراكة عام، ويكون أحيانا في شكل نماذج لا تلبي احتياجات كل شريك. في هذه الحالة، سيكون من الأفضل طلب المشورة من محام مختص، ليكون قادرا على حماية مصالح الشريك على أكمل وجه، وسيشرح له بوضوح ما يجب أن يلتزم به.
وتحذر روزا سيرا المستشارة القانونية في شركة مارينا دي إمبريساس من أن هناك أزواجا لا يفهمون أبدا ما هم بصدد التوقيع عليه، وفي بعض الحالات، يمكن أن يجدوا أنفسهم في مواقف ضارة.
وقد يساعد الشريك التجاري في بدء تشغيل ناجح. وقد يسمح بتقاسم عبء العمل والجمع بين المهارات المختلفة. أيضا يمكن للشريك إثراء العمل من خلال وجود شخص يعتمد عليه ويتقاسم معه المجهود والمسؤولية. وهو ما يجعل الشراكة بين الزوجين قد تكون ناجحة في بعض الأحيان خصوصا إذا تم التخطيط لها جيدا.
ويعتبر خبراء العلاقات الزوجية أن المال واحد من أهم أسباب النزاع والخلاف في الحياة الزوجية، والتي يمكن أن يكون أصعبها حلا. فالأزواج عندما يتجادلون حول كيفية التصرف في المال فهم لا يناقشون مسألة في متناول اليد، إنهم بذلك يعبرون عن مشاعر القلق اللاواعي المجهول بالنسبة لهم، وقد تكون هذه المشاعر لها علاقة بفقر عاشه أحد الشريكين خلال مرحلة ما، يسهم في جعله يكره إنفاق المال مثلا.
