الشباب يتألقون في معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية

مغامرات في النحت والرسم والغرافيك والتصوير الفوتوغرافي وحضور لافت لرواد الفن التشكيلي.
الثلاثاء 2020/01/28
التأسيس لتجربة تعبيرية (من أعمال الفنانة مياسة السويدي)

يقام معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية منذ العام 1972، ويعدّ أكبر وأهم تجمع فني سنوي يقام بمملكة البحرين. وقد استقطب عبر السنوات أبرز وجوه الحركة التشكيلية في المملكة من الرواد، إضافة إلى المواهب الفنية الشابة، ليعكس بجدارة شمولية التجربة الفنية التشكيلية البحرينية، والتي تشكّل جزءا هامّا من الحراك الثقافي.

يشارك في معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية في نسخته 46 هذا العام والذي انطلق في 15 يناير الجاري، ويستمر حتى 15 فبراير القادم، 127 من الفنانين البحرينيين والمقيمين في المملكة، حيث يقدّمون أعمالا تنتمي إلى كافة المدارس والاتجاهات الفنية.

تتعدد الأعمال الفنية المشاركة في المعرض وتتنوع ما بين نحت وتصوير فوتوغرافي وفنون جرافيك ورسم، باستخدام مختلف الخامات والمواد والأشكال، إضافة إلى أعمال الفيديو والتركيب. كما يشارك في المعرض عدد من روّاد الحركة الفنية البحرينية وكل من مساحة الرواق الفنية البحرينية ومنصّة الفن المعاصر من الكويت.

يأتي هذا المعرض انطلاقا من إيمان هيئة البحرين للثقافة والآثار بأن ديمومة الفنون وازدهارها في كل مجتمع بشري هي مقياس لحضارة وتقدّم الشعوب، كما أن لتجديد الفكر الفني والتطلع نحو الارتقاء بعمل الإنسان وقدرته على الخلق والإبداع، الأثر الأكبر في تشكيل أدوات التفاهم العالمي وتوطيد قيم الانفتاح.

يقول المنظمون “ونحن نستقبل عاما اختارت فيه الثقافة ‘دلمون حيث الكثافة‘ عنوانها، نأمل أن تساهم كثافة الحراك الثقافي والفني طوال العام، كما كثافة الأعمال الفنية للمعرض، في تحقيق الارتقاء بالمشهد الثقافي البحريني، مراهنين بذلك على قدرة الفنان البحريني على المنافسة والتطوير”.

جائزة الدانة

تلخصت شروط المشاركة للفنانين هذا العام في جائزة الدانة ألا يقل عمر المتقدم عن 18 عاما، وأن تكون الأعمال أصلية، ومن أحدث ما أنتجه الفنّان المشارك، بحيث لا يتجاوز عمرها السّنة. كذلك فإن على كل فنان مشارك أن يتقدم بثلاثة أعمال كمجموعة متكاملة ضمن اشتراطات تفصيلية تخص الحجم، ما عدا الأعمال التركيبية والفيديو، والتي يتقدم فيها الفنان بعمل واحد، ويتحدد قبول الأعمال بناءً على قرار لجنتي الفرز والاختيار.

ومع انطلاقة المعرض في 15 يناير، أعلنت الهيئة عن الفائزين في هذه النسخة وهم الفنانون جعفر العريبي وراشد العريفي ومحمد آل مبارك، وأشاد الفائزون الثلاثة بتنظيم المعرض وآلية توزيع اللوحات ما بين متحف البحرين الوطنيّ ومسرح البحرين الوطنيّ، ومركز الفنون، والتي تشكل حالة ثقافية متصلة في الحي الثقافي بالهيئة. كما أثنوا على اختيارهم للفوز بالمراكز الثلاثة، مثمنين دور أعضاء لجنة التحكيم وجهودهم المبذولة في هذا الشأن.

المعرض يأتي إيمانا بأن ديمومة الفنون وازدهارها في كل مجتمع هما مقياس لحضارة الشعوب وتقدمها

يقول الفنان جعفر العريبي الفائز بالجائزة الأولى (جائزة الدانة) إن عمله الفنيّ عبارة عن ثلاث لوحات بعنوان “توازن بيئي” تطرق فيه إلى نوعية العلاقة الموجودة بين الإنسان والبيئة المحيطة فيه، ولجأ في تكوين هذه الأعمال إلى المخطوطات والخرائط القديمة وعمل بمداخلتها للعمل الفني التشكيلي، كما تعمّد استخدام الخطوط الهندسية، وهي إشارة إلى وجود الإنسان وتصرفه في الطبيعة. لافتا إلى أن عملية البحث ودراسة العمل الفني استغرقت منه أكثر من عامين، فيما استغرق تنفيذها نحو ثلاثة أشهر.

من جانبه يوضح الفنان راشد العريفي الفائز بالمركز الثاني أن فكرة عمله الفني ترتكز على محور أهمية البحرين كمركز رئيسي للؤلؤ الطبيعي، إذ تعد الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر تجارة اللؤلؤ المستزرع. وذكر أن عمله يهدف إلى التعبير عن الحالة الراهنة لسرد تجارة اللؤلؤ في البحرين، حيث تعرض القطعة فريقين متنافسين، الفريق الأول يتكون من غواصي اللؤلؤ الطبيعيون، والثاني من علماء استزراع اللؤلؤ، كما تتضمن على تعليق مرئي يروي القصة للمشاهد من خلال التلاعب على الدلالات والإدراك والشكل والوظيفة.

أما الفنان محمد آل مبارك الفائز بالمركز الثالث فيوضح بأن مشروعه المشارك هو عبارة عن مشروع تخرّجه من الجامعة، حيث اشتغل على إنجازه لمدة عام كامل، وقد تخرّج من تخصص الفنون من هولندا. وأضاف إن فكرة الفيلم مستوحاة من أحلام كانت تتكرر عنده في طفولته عن يوم القيامة والحرب. فقام بإنتاجها على هيئة عمل فني.

مشاركة متنوعة

تجارب مختلفة
تجارب مختلفة

من جانبها تتحدث الفنانة مياسة السويدي عن تجربتها في المعرض قائلة “بدأت مشاركتي في المعرض منذ عام 2012، إذ عُرض لي عمل واحد في أول مشاركة، ومع تعدد المشاركات كنت أحاول تقديم تجربة جديدة ومختلفة عن السنة التي سبقتها، فقد شاركت بتجارب مختلفة في البداية بلوحات بالأكريليك ثم مجموعة لوحات الشاي، كما قدمت تجربة متكاملة عن الهوية تحت مسمى ‘الساعة الخامسة والعشرون‘ وهي عبارة عن مجموعة لوحات على ورق وكتاب فني، وتجربتي الأخيرة التي قدّمتها هذا العام كانت بعنوان ملامح، بعد دراستي للذكاء العاطفي وأنواع المشاعر التي يتعرّض لها الإنسان، ومحاولته لفك شيفرة تلك المشاعر، قمت بتركيب ملامح الوجوه التي تعبّر عن تلك المشاعر المصحوبة ببعض الصراعات التي تؤثر في ملامحها”.

وتضيف السويدي “استخدمت في هذه التجربة تقنية الرسم والكولاج، وأحيانا كنت أرسم نفس الوجه مرة تلو أخرى لاستخدم ذات الرسمة كطبقات في الكولاج على أوراق مختلفة وشفافة في بعض الأحيان، مستفيدة من بعض الصحف والمجلات، كنت أخفي العيون في بعضها، تلك العيون التي تحمل التساؤلات، وكنت أبتعد عن الواقعية تماما في رسم تلك الوجوه، بل أردتها تعبيرية، تعبر عن حالات نفسية مختلفة”.

وفي لقائه مع “العرب” يقول الفنان علي حسين ميرزا “هذه مشاركتي الثامنة في معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية، حيث بدأت في المشاركة مباشرة بعد تخرّجي، وتنوعت مشاركاتي بين الأعمال التركيبية واللوحات. وما يميز المعرض أنه مفتوح لجميع المشاركين من جميع الفئات والمستويات الفنية في البحرين، ومؤخرا صارت نقلة مهمة في المعرض، ربما لاقت بعض الممانعة وعدم التقبّل، وهو دخول جيل الشباب بقوة، لهذا سيلاحظ المشاهد والمتذوّق وجود التجارب الشبابية الجديدة التي لم تكن لها علاقة باللوحة التقليدية، وأغلبها من شباب ليسوا بتشكيليين، ينحدرون من مدارس مختلفة، ولكن صار لهم حضور في المعرض السنوي”.

ويضيف ميرزا “هذا الأمر أعطى تنوعاً في المعرض، حيث كان في السابق مقتصراً على الفنانين التشكيليين والمصورين والنحاتين، بينما الآن أصبح الحضور أقوى لفئة الشباب، وهي تثبت نفسها، حيث أن العالم يتوجه نحو هذا الاتجاه الحديث في دخول الفن التركيبي أو الفيديو آرت أو الفن المفاهيمي بشكل عام، فقد صار جزءاً من الحضور المهم في الفن العالمي بصورة عامة، والبحرين جزء من هذه المنظومة الفنية، والجيل الحالي متابع ومواكب إلى ما يحدث في العالم بغض النظر عن المستوى”.

ويتابع متحدثا عن تجربته “خلال السنتين الماضيتين خرجت من اللوحة التقليدية بشكل عام، وخلال العام 2019 بدأت أكثر في اكتشاف الورق، فصار أغلب عملي يرتكز بشكل كبير على خامة الورق. الأمر نفسه مع شخصياتي، حيث صرت أحوّرها بشكل مختلف، وأجردها بصورة أكبر، وهذا أعطاني مساحة كبيرة في اللعب، وفي الخامات وفي طريقة العرض، وفي البرواز. كل هذا وضعني في منحى آخر عن شغلي المعتاد الذي كنت أعمل عليه سابقا”.

ويتابع “في هذه التجربة ‘إيماءات جامدة’ هنالك 12 قطعة قدّمتها، هي امتداد إلى عمل عرضته في معرضي الشخصي الذي أقمته مؤخراً تحت عنوان ‘واحد عدة’. حاولت أن أخرج من الكانفس لأكتشف مواد أخرى، ولكن بالمحافظة على العناصر والأفكار، حيث لم يفارق الجسد جميع الأعمال، معتمدا بشكل كبير على إيماء الجسد وتعبيراته التي نتخيلها مثل أجساد على المسرح في حالات مختلفة”.

15