السعودية تؤسس لموقف مشترك مع السودان لإدارة العلاقات مع إسرائيل

الخرطوم – أثارت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان للخرطوم، الثلاثاء، تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياض في ملف تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، بعد أن قامت مع دولة الإمارات، بدور مهم في إقناع إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب بضرورة شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
والتقى الأمير فيصل مع القائم بمهام وزير الخارجية في السودان عمر قمرالدين، ثم أجرى مباحثات مع كل من رئيس المجلس الانتقالي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، خلال زيارته التي استمرت ليوم واحد.
وجاءت الزيارة في وقت هدد فيه السودان بالتراجع عن موقفه من التطبيع ما لم يصوت الكونغرس الأميركي على إزالة اسمه من القائمة السوداء، وتمرير تشريع “السلام القانوني” الذي يمنح السودان حصانة ضد الملاحقات المتعلقة بأعمال إرهابية.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب”، إن الرياض تدعم إستراتيجية الخرطوم نحو التعامل مع ملف التطبيع وشطب اسم السودان من لائحة الإرهاب في صفقة واحدة، ولديها رغبة في تخليصه من العقوبات المفروضة عليه والتفرغ لمرحلة البناء الجديد، والسعي نحو تشكيل محور عربي يكون السودان أحد أضلاعه في مواجهة التحديات الإقليمية.
وإذا لم ينجح السودان في إتمام الصفقة في الأيام الأخيرة مع الإدارة الحالية في وشنطن، فعلى الأقل يكون رسم خارطة طريق أمام الإدارة الجديدة، حال تبنيها مقاربة قريبة من تلك التي طرحها ترامب.
ويرى مراقبون أن التعامل مع ملف التطبيع بشكل جماعي مسألة تريد الرياض تفعيلها، لأنه أمر جيد لها حاليا أو بعد رحيل الرئيس دونالد ترامب عن البيت الأبيض.
ويلفت المراقبون إلى أنه من غير المتوقع أن يسير الملف بالسلاسة المفترضة حال لم يوقع السودان أو السعودية على اتفاق مماثل قبيل رحيل الإدارة الحالية، ما يمنح زيارة الأمير فيصل للخرطوم أهمية خاصة في هذا الاتجاه مستقبلا.
وأكد المحلل السياسي خالد الفكي، أن السعودية ترى ضرورة التوصل إلى سلام شامل لتضييق الخناق على أذرع إيران في المنطقة، والذي تقوم ركائزه على تطبيع العلاقات بموجب المصالح المشتركة العريضة بين الجانبين.
وأضاف لـ”العرب”، أن السعودية أكثر انخراطاً في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وهي ضلع مهم في الضغوط التي تمارسها أطراف عديدة على أعضاء الكونغرس لتمرير تشريع “السلام القانوني”، وأن زيارة الأمير فيصل تستهدف تنسيق المواقف السياسية لمنع فقدان الزخم الراهن.
وأشارت وسائل إعلام غربية إلى أن إسرائيل بدأت حملة ضغوط في الكونغرس للمصادقة على مشروع قانون يمنح الخرطوم حصانة من الدعاوى القضائية المستقبلية في الولايات المتحدة من قبل ضحايا الهجمات الإرهابية.
وهناك إدراك بأن عدم غلق ملف قائمة الإرهاب بشكل نهائي سيسمح باستقطاب الخرطوم من قبل قوى مناوئة تسعى إلى توسيع قاعدة نفوذها في المنطقة. ومن مصلحة السعودية أن يكون السودان بمعزل عن الضغوط التي نجحت من قبل في السيطرة على كثير من تصورات الرئيس المعزول عمر البشير.
وعلمت “العرب” من مصادر سودانية، أن زيارة الأمير فيصل سعت إلى تنسيق الجهود العسكرية والاستخباراتية لتأمين سواحل البحر الأحمر، وسد الثغرات أمام التنظيمات الإرهابية والميليشيات الحوثية، ومنع تهديد حركة الملاحة التي شهدت اضطراباً مؤخراً على خلفية مفخخات حوثية دمرتها قوات التحالف العربي.
من غير المتوقع أن يسير الملف بالسلاسة المفترضة حال لم يوقع السودان أو السعودية على اتفاق مماثل قبيل رحيل الإدارة الحالية
ولدى الرياض قناعة بأن استقرار السودان يقلص مساحات المخاطر في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، لأن التنظيمات الإرهابية تستغل الأوضاع الرخوة في شرق السودان، لتهديد حركة الملاحة، وعملت على تحقيق أهداف قوى مهددة للأمن القومي العربي، وبالتالي فإن مشاركة السودان في معادلة التأمين الجديدة في المنطقة، والتي قد تكون إسرائيل جزءا فيها، تتطلب مساعدته على تخطي أزماته.
وفي أعقاب الإطاحة بنظام البشير، أعلنت السعودية والإمارات عن تقديم دعم مالي للسودان قيمته ثلاثة مليارات دولار، واستقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في أكتوبر من العام الماضي رئيسي مجلسي السيادة والوزراء.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية بمركز العلاقات الدولية بالخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم، أن زيارة الأمير فيصل جاءت في ظل وجود انقسامات مهددة لاستقرار الفترة الانتقالية، بعد تشكيل مجلس الشركاء وما أثاره من لغط، وترى الرياض خطورة تفسخ السلطة، الذي تنجم عنه مشكلات متفاقمة تضر بترتيبات السعودية في المنطقة.
واستضافت السعودية مؤتمر أصدقاء السودان في شهر أغسطس الماضي، ولعبت دورا في تقريب المسافات بين الجبهة الثورية التي تضم حركات سياسية ومسلحة، والحكومة الانتقالية، وربط المؤتمر بين تقديم المساعدات مالية وبين إنجاز اتفاق السلام، الذي جرى التوقيع عليه في أكتوبر الماضي.
وقال الرشيد لـ”العرب”، إن الرياض منزعجة أيضاً من إطالة أمد الصراع في إقليم تيغراي الإثيوبي، وتتعامل مع احتمالات تمدد الصراع إلى دول الجوار، بما يهدد مصالحها في السودان ومحيطه الجغرافي، ولذلك حضرت الملفات الأمنية والعسكرية بقوة خلال الزيارة، والتي ضمت مسؤولين أمنيين سعوديين.