الدخول الروائي

توابل وصفة نجاح الدخول الأدبي فهي مركبة، فثمة قراء أوفياء يضبطون ساعة قراءاتهم على الموعد السنوي المعروف، ومستعدون للاصطفاف أمام مكتبة للحصول على نسختهم.
السبت 2018/09/22
الدخول الأدبي تقليد فرنسي بامتياز

في الوقت الذي لم نبرح بعد، قراء وكتابا وناشرين، كسل الصيف، وفي الوقت الذي تُنهي المطابع علاقتها مع الكتاب الثقافي، متفرغة للكتاب المدرسي، المصدر الأفضل للربح المضمون، تكون فرنسا ودول أخرى قد أعلنت دخولها الأدبي.

 ومع منتصف شهر غشت، حيث يكون الناشرون العرب ومعهم كُتابهم وقراؤهم في لحظة استجمام، تنقل تفاصيلها بفرح صورهم على الفايسبوك، تستضيف مكتبات فرنسا ضيوفها الجدد من الأعمال الروائية. وخلال نفس اليوم، تلتقي مئات الروايات على رفوف المكتبات، حيث تتآلف الروايات السوداء والبيضاء، وحيث تتعايش الأسماء المكرسة والأسماء الجديدة، متماهية مع قانون عالم المكتبات الهندي رانغتان الذي ينص على أن لكل كتاب قارئه وأن لكل  قارئ كتابه.

وبذلك يبدو مذهلا أنه في اللحظة التي يتنبأ فيها الكثيرون بنهاية زمن الأدب وبزوال عرش الكتاب الورقي، تُقارب مبيعات بلد مثل فرنسا الثلاثة ملايين ونصف مليون نسخة خلال فترة قد تقل عن الشهر الواحد فقط. ولا ذلك مرتبطا فقط بلحظة الدخول الأدبي، إذ أن أرقام معاملات صناعة الكتاب تظل الأولى على مستوى الصناعات الثقافية بالبلد، بينما تحقق هذه الصناعات أرقام معاملات توازي أرقام صناعة السيارات.  يحدث ذلك رغم أن الفرنسيين ليسوا الأفضل على مستوى القراءة، بعد أن تنازلوا عن الصدارة لصالح عدد من البلدان الأخرى، وعلى رأسها الهند والصين، بينما صار القراء من بين تلاميذ البلد يحتلون ذيل الترتيب على مستوى أوروبا.

أما توابل وصفة نجاح الدخول الأدبي فهي مركبة. فثمة قراء أوفياء يضبطون ساعة قراءاتهم على الموعد السنوي المعروف، ومستعدون للاصطفاف أمام مكتبة للحصول على نسختهم، كما يفعل المهووسون باقتناء آخر الهواتف المحمولة. وثمة رزمة من الجوائز الأدبية التي تمنح للأعمال حياة جديدة. وثمة ناشرون يتقنون اصطياد الأسماء الإبداعية الجديدة، حيث يستطيع الكتاب الأول ضمان مكان مريح له فوق بوديوم الكتابة، دون الحاجة إلى الانتظام في صف الانتظار. وثمة آلة إعلامية تملك جرأة وضع الكتاب والكاتب في الواجهة، متقدما بذلك رجل السياسة وخطابه الخشبي.

إنها نفس التوابل التي تجعل من الدخول الأدبي تقليدا فرنسيا بامتياز، على الأقل كما تقر بذلك عالمة الاجتماع الأدبي الفرنسية جسيل سابرو، مرجعة ذلك أيضا إلى أهمية فضاء ثقافي كباريس، التي تجمع الكل حولها، وإلى العلاقة المتشابكة بين دور النشر والصحافة المكتوبة.

وبشكل مفارق لكل ذلك، يبدو أن إيقاع النشر في العالم العربي قد أصبح مضبوطا على توقيت معارض الكتاب، والتي أضحت تشكل لحظة الدخول الثقافي والأدبي داخل كل بلد. ولنا أن نتساءل عن أي دخول يمكن الحديث عنه بالنسبة لأغلب المعارض التي تقترب مواعيد تنظيمها من الصيف. وهي اللحظة التي يستعد فيها الجميع للخروج وللالتحاق بكسل الصيف.

 

15