الحكومة تسرّع الخطى لاحتواء إضراب شامل في المدارس الجزائرية

استنفر الإضراب الشامل الذي لوحت به النقابات في المدارس الجزائرية جهود الحكومة التي عقدت الاثنين لقاء مع ممثلي النقابات الناشطة في قطاع التربية الوطنية، أفضى إلى تشكيل لجنة مشتركة من أجل دراسة المطالب المرفوعة، ما يعكس خشية لدى السلطة الجزائرية من امتداد عدوى الاحتجاجات والإضرابات إلى قطاعات أخرى.
الجزائر - كثفت وزارة التربية الجزائرية سلسلة اتصالاتها بالشركاء الاجتماعيين، من أجل ثني النقابات عن إضراب شامل أعلنته قريبا في المدارس الجزائرية، احتجاجا على الأوضاع المهنية والاجتماعية التي يعيشها القطاع منذ سنوات، فضلا عن التدهور الملحوظ للقدرة الشرائية في الأشهر الأخيرة، وهو ما يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي على اعتبار أن قطاع التربية من أكبر القطاعات المؤثرة في الوظيفة العمومية، واندلاع الاحتجاجات فيه سينقل حتما العدوى إلى القطاعات الأخرى.
وأفضى اللقاء الذي جمع الاثنين مسؤولي وزارة التربية الجزائرية مع ممثلي النقابات الناشطة في قطاع التربية الوطنية، إلى تشكيل لجنة مختلطة بين الطرفين، من أجل دراسة المقترحات والحلول الممكنة للمطالب المرفوعة، وتحييد القطاع عن إضراب شامل هددت به نقابات مستقلة.
وكانت نقابات الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، والمجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية، قد هددا خلال الأيام الأخيرة بشن إضراب شامل في القطاع، احتجاجا على ما أسموه بـ”تنصل الحكومة من التعهدات والوعود التي أطلقتها في وقت سابق للتكفل بالانشغالات المرفوعة لها”.
ويبدو أن الحكومة تسابق الزمن من أجل الحفاظ على استقرار القطاع والحيلولة دون اللجوء إلى الإضراب، خشية تحوله إلى فتيل يشعل موجة احتجاجات اجتماعية غير مرغوب فيها في الوقت الراهن، قياسا بالأوضاع التي تمر بها البلاد، وبثقل القطاع داخل الوظيفة العمومية، فهو إلى جانب أنه يستقطب نحو 10 ملايين تلميذ، يشغل حوالي 750 ألف موظف.
لقاء جمع مسؤولي وزارة التربية مع ممثلي النقابات أفضى إلى تشكيل لجنة لدراسة المقترحات والحلول للمطالب المرفوعة
وتبقى نقابات قطاع التربية هي القاطرة التي تقود الشريك الاجتماعي في الجزائر، وتعتبر الفاعل الأول الذي يزعج الحكومات، ولذلك عادة ما تتحول المكاسب التي تحققها من حين إلى آخر إلى عدوى تمتد إلى القطاعات الأخرى داخل الوظيفة العمومية، وجراء ذلك تتحاشى الحكومة الصدام معها.
وتصر الحكومة على الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي بشتى الوسائل، لاسيما وأن التهديدات بالإضراب تزامنت مع استحقاق سياسي مهم، يتمثل في الانتخابات المحلية المقررة نهاية الشهر القادم، ولا تريد الذهاب إلى صناديق الاقتراع في أجواء تخيم عليها الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية، خاصة وأن الاستحقاق يجري وسط مناخ سياسي يسوده القلق والارتباك.
ولفت وزير التربية الجزائري عبدالحكيم بلعابد إلى أن مبادرة اللقاء بين الوزارة الوصية والشركاء الاجتماعيين، جاءت امتثالا لتوصيات الرئيس عبدالمجيد تبون، وأن اللجنة الفنية ستضطلع بدراسة المقترحات والمطالب من أجل الخروج بخارطة طريق شاملة للقطاع.
وأكد أن “جلسات ثنائية مع النقابات الوطنية ستدوم قرابة شهر، ستعمل الوزارة خلالها على حل انشغالات النقابات في حدود المعقول، وسيتم خلالها طرح مشروع القانون الخاص على النقابات للاطلاع عليه”.
وكانت نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية (كناباست)، قد قررت الدخول في إضراب متجدد أسبوعيا يبدأ مطلع شهر نوفمبر الداخل، وبررت ذلك بالأسباب الاجتماعية والمهنية، على غرار “تراجع القدرة الشرائية، والإفرازات المعقدة للدخول المدرسي”، ووضعت تحسين القدرة الشرائية في صدارة المطالب الأساسية للعودة عن القرار المذكور.
وعلى النقيض من ذلك، حذرت المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ النقابة المذكورة مما أسمته بـ”رهن مصير التلاميذ من أجل افتكاك مطالب مطروحة على الوزارة الوصية”، في إشارة إلى تأثير الإضراب على التحصيل العلمي والبيداغوجي للتلاميذ، خاصة في ظل التدابير الاستثنائية المطبقة في القطاع لمواجهة وباء كورونا، التي قلصت من مستوى ودرجة التحصيل المذكور.

ووصف رئيس المنظمة علي بن زينة بأن “قرار الدخول في إضراب متجدد أسبوعيا لمدة يومين ابتداء من الثاني من نوفمبر المقبل، بـ’غير المنطقي’، وأن المنظمة تحتفظ بحقها في اللجوء إلى القضاء، نظرا للأضرار التي يمكن أن تخلفها الخطوة على مسار السنة الدراسية، وإذا فتحت النقابة بابا ليس في صالحها، فنحن لنا حقوق لتعليم أبنائنا ويمكن أن يحوّل الملف إلى العدالة”.
واستنكر المتحدث “تزامن الإضراب مع فترة فروض الفصل الدراسي الأول، وأن منتسبي القطاع يتوجب عليهم المطالبة بحقوقهم دون المساس بحقوق التلاميذ واستغلالهم كورقة ضغط للحصول على مطالبهم”.
وأعلن الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين السبت الماضي عن الدخول في إضراب وطني شامل، وبرر ذلك، بـ”استمرار تواصل الانهيار الفظيع للقدرة الشرائية التي أثقلت كاهل موظفي التربية”.
ولفت بيان التنظيم المذكور إلى أن “أجواء الدخول الاجتماعي تميزت بالتوتر، جراء المعاناة التي تعيشها الأسرة التربوية، نظير انهيار القدرة الشرائية أمام الارتفاع الجنوني للأسعار، والتدني المستمر للعملة الوطنية وزيادة نسبة التضخم”.
وانتقد تعمد الحكومة الاستمرار في انتهاج سياسة التجاهل لمكانة المربي الحقيقية، وتأخر وزارة التربية في معالجة الملفات المرفوعة، مما دفع إلى تأزم الأوضاع التي زادت حدتها ظروف كورونا.
ورفعت النقابة 22 مطلبا مهنيا واجتماعيا، يتصدرها دعم القدرة الشرائية، والتقاعد النسبي، والتقاعد دون شرط السن، وإشراك الخبراء والمختصين في إصلاح المنظومة التربوية.
وذكرت تقارير محلية بأن وزارة التربية فشلت في ضمان دخول مدرسي يوفر الشروط الأساسية لتحقيق أداء مقبول، بسبب النقص المسجل في عدة خدمات كوفرة المرافق والوسائل، والكادر التربوي والنقل والتغذية المدرسية والتكفل بالتلاميذ المعوزين، رغم ما توفره الدولة من إمكانيات مالية ضخمة.