الحكومة التونسية أمام تحدي إيجاد بديل عن الحل الأمني لاحتواء الاحتجاجات

تواجه الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي تحدي احتواء الاحتجاجات المتصاعدة وذلك بعد تفرغها إثر نجاح المشيشي في تمرير التعديل الوزاري الواسع الذي شمل 11 وزارة، ما يجعله مجبرا على كشف النقاب عن برنامجه للوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تعيشه بلاده.
تونس – مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية والسياسية في تونس تتزايد التساؤلات حول الأوراق التي تمتلكها الحكومة للتعامل مع الغضب المتنامي في الشارع، خاصة أن حكومة هشام المشيشي الثانية تمكنت، ليل الثلاثاء، من توسيع حزامها البرلماني بعد تمرير المجلس النيابي للتعديل الوزاري بغالبية مريحة.
وتجد الحكومة التي تواجه انتقادات واسعة نفسها في وضعية صعبة بين الاستمرار في اعتماد المعالجة الأمنية لصدّ الاحتجاجات، وحتمية تقديم مبادرات فعلية لامتصاص غضب الشارع.
وانطلقت منذ نحو أسبوعين حركات احتجاجية في عدد من مناطق البلاد احتجاجا على سياسة الحكومة المرتبكة في مجابهة فايروس كورونا، وفشل الأحزاب الحاكمة في إدارة المرحلة، فضلا عن الاستعمال المفرط للعنف من قبل القوات الأمنية في مواجهة المحتجين وحملة الاعتقالات التى طالت عددا من الشباب والنشطاء.
ولم تمنع الإجراءات التي أقرتها السلطات لاحتواء وباء كورونا خروج المحتجين إلى الشوارع، ورغم التصدي لهذه الاحتجاجات أمنيا، إلا أن ذلك لم يوقف المظاهرات التي لاقت مساندة من قبل مختلف مكونات المجتمع المدني من منظمات وجمعيات حقوقية وأحزاب، التي عبرت عن مساندتها لهذه التحركات ودعت إلى أن تكون الاحتجاجات سلمية.
كما شاركت هذه المكونات في المسيرات الاحتجاجية أمام البرلمان، الثلاثاء، بالتزامن مع جلسة منح الثقة للوزراء الجدد المقترحين من قبل رئيس الحكومة هشام المشيشي.
ويضع ارتفاع نسق الاحتجاجات، بقطع النظر عن الصراع الحزبي والسياسي، مدى قدرة الحكومة على مواجهة الاضطرابات الاجتماعية وامتصاص الغضب الشعبي المتنامي على المحك، خاصة مع تكثف الدعوات للمزيد من التحركات المطالبة بإسقاط النظام والحكومة.
والأربعاء، طالب ائتلاف صمود، أحد مكونات المجتمع المدني، رئيس الحكومة هشام المشيشي بالاستقالة على خلفية وفاة أحد المحتجين بولاية القصرين (غرب).
كما طالب الائتلاف بالانخراط في “انتفاضة يناير الشعبية” حتّى “تغيير المنظومة السّياسية التي جلبت الخراب للبلاد ورحيل هذه الحكومة”.
وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان “أن التظاهرات ليست مرتبطة بمنح الثقة للوزراء، بل بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتردية بالبلاد”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن “الحكومة اليوم مرغمة على إيجاد الحلول، ليست هناك مشكلة أمنية، بل معيشية (اقتصاد ومجتمع)، واختيار المعالجة الأمنية هو خطأ إستراتيجي لأن القوات ستشتبك مع المواطنين وهي جزء منهم، ما سيخلق أزمةََ تونس في غنى عنها”.
وتابع “من يراهن على الحل الأمني عليه أن يتذكر سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وأحداث الحوض المنجمي في 2008، ثم سقوط النظام بين 2010 و2011”.
ورفع محتجون في المسیرات شعارات تطالب بتغییر منظومة الحكم لفشلھا في إدارة البلاد منذ وصول رموزها إلى السلطة في 2011.
وتزامنت الاحتجاجات مع الإعلان عن التعديل الوزاري، رغم تمسك العديد من الأوساط السياسية وعلى رأسها الرئيس قيس سعيّد بضرورة تغيير بعض الوزراء الجدد ممن تحوم حولھم شبھات فساد.
وخرج العشرات من المحتجين من مناطق في العاصمة نحو قصر باردو (مقر البرلمان)، رافعين شعارات مناوئة للطبقة السياسية الحاكمة ورئيس الحكومة هشام المشيشي وحركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي الذي يرأس أيضا البرلمان.
وردّد المتظاهرون خلال المسيرة التي خرجت من حي التضامن بالعاصمة ووصلت إلى مقر البرلمان، أين اشتبك المحتجون مع قوات الأمن الذين طوقوا البرلمان بإجراءات أمنية غير مسبوقة، العديد من الشعارات بينها “التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق” و”الغنوشي ارحل”.
وأكد النائب عياشي الزمال في تصريح لـ”العرب”، أن “الاحتجاج حق مكفول بالدستور، والاحتجاجات كانت اجتماعية بالأساس، ولا يحق للحكومة أن تواجه الاحتجاجات بالعنف والقوة”.
وأضاف “المشيشي قال إن الحكومة ستنطلق في إجراء إصلاحات، وسننتظر مدى جديتها ونجاعتها، وعليها أولا أن تجلب التلاقيح لمعالجة الوضع الصحي المتردي بالبلاد، وتنطلق في تخصيص إجراءات للمؤسسات الصغرى والمتوسطة للحد من البطالة والاحتقان”.
وترى شخصيات سياسية وحقوقية أن اللجوء إلى الحل الأمني قد يعكر صفو الأجواء في البلاد أكثر من أي وقت مضى، وسط دعوات إلى المشيشي وفريقه الحكومي بالتسريع في إيجاد إصلاحات تخفف وطأة الأزمة الشاملة التي تحط بثقلها على التونسيين.
وقالت النائبة سهير العسكري في تصريح لـ”العرب”، إن “الحكومة وكأنها اعتمدت فقط الحل الأمني من خلال استخدام الغاز المسيل للدموع ونشر المدرعات التي تم استيرادها من تركيا، فضلا عن إيقاف عدد من المحتجين من الشباب والقصّر”.
وأضافت “كان من الأفضل أن يعتمد المشيشي على الحوار لمعالجة الأوضاع والانخراط في مبادرة الحوار الوطني التي دعا إليها اتحاد الشغل لتقليص الاحتقان (..) وعليه الآن أن يتحلى بالرصانة ويتحاور مع جميع الأطراف، وأعتقد أنه سيتوخى الحل السلمي”.
واستطردت العسكري “إذا واصلت الحكومة انتهاج الحل الأمني فالنتائج ستكون كارثية”.
وسبق لحكومة المشيشي أن اعتمدت المقاربة الأمنية في التصدي للاحتجاجات في الكامور بالجنوب التونسي، بعد توقّف إنتاج النفط بحقول الصحراء.
وفي ظل الوضع السياسي والاجتماعي الراهن بكل تناقضاته ورهاناته، تتزايد التساؤلات حول حظوظ نجاح مبادرة الحوار الوطني التي دفع بها الاتحاد العام التونسي للشغل، أعرق المنظمات النقابية في البلاد، في إيجاد مخرج للأزمة والتأسيس لمرحلة جديدة.
وتعد العدالة التنموية والاجتماعية والتوزيع العادل للثروة بين الجهات مسؤولية صعبة للحكومة كما هو الحال للحكومات السابقة، ما يتطلب دفع عجلة الاستثمار والبحث عن فرص عمل جديدة للمعطّلين والمهمشين.
وتعاقبت على تونس 9 حكومات منذ أحداث ثورة 14 يناير 2011 جلها تنتمي إلى أحزاب سياسية باستثناء حكومات مهدي جمعة والحبيب الصيد وهشام المشيشي.