الجمود الانتخابي يصبّ في مصلحة أردوغان

أعضاء من حزب المعارضة الرئيسي يتشبثون بفكرة أن الأزمة الحالية ستجبر أردوغان على ترك السلطة عاجلاً أم آجلاً، كما أن أنصار هذه الفكرة أنفسهم مشغولون هذه الأيام بترديد مقولة إن أردوغان يعد لإجراء انتخابات مبكرة.
الأحد 2020/05/17
أردوغان المهزوم يستجمع قوته لمواجهة المعارضة

لا تزال المعارضة السياسية في تركيا في حالة جمود سياسي عميق، تفرضها سياسات الهوية المتأصلة للأحزاب السياسية. ومن الواضح أن هناك الكثير من الشر ينتظر هؤلاء الساخطين على حكم الرئيس رجب طيب أردوغان.

إنه المأزق الذي أمل الكثيرون الخروج منه، عندما انضمت ثلاثة أحزاب سياسية في المعارضة؛ حزب الشعب الجمهوري الكمالي العلماني، والحزب الصالح القومي، وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، إلى الانتخابات المحلية العام الماضي في مارس.

لكن خلال التصويت التكتيكي من قبل ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، فقد حزب العدالة والتنمية الحاكم وشريكه في الائتلاف حزب الحركة القومية اليميني المتطرف ست بلديات رئيسية لصالح حزب الشعب الجمهوري.

وأدت هزيمة الكتلة الإسلامية القومية إلى إقامة الاحتفالات، وبالغ المراقبون في إطلاق العديد من التعليقات المتفائلة جدا حول اقتراب موعد الإطاحة بحكم حزب العدالة والتنمية. ورفع عمدة إسطنبول الجديد إكرام إمام أوغلو شعار “كل شيء سيكون جميلًا جدًا”، لكن حدث عكس ما كان متوقعاً.

وكالعادة، قام أردوغان باستجماع قوته، وتعزير الأجهزة الأمنية القمعية تحت قيادته، واعتماد الخط التالي لمواجهة المعارضة: وهو هدم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد وهياكله المحلية على الأرض من خلال اعتقال رؤساء البلديات واستبدالهم بمعينين حكوميين، وإبقاء حزب الشعب الجمهوري تحت السّيطرة من خلال سياسة التخويف وفرض الضوابط الإدارية على البلديات التي فاز بها.

وتبخّر الفرح الذي جلبته الانتخابات المحلية تماما. وبدلاً من ذلك، بدأت الكوابيس تتزايد في تركيا بفعل تراجع الاقتصاد وتفشي جائحة كورونا.

يبدو أن أعضاء من حزب المعارضة الرئيسي متشبثون بفكرة أن الأزمة الحالية ستجبر أردوغان على ترك السلطة عاجلاً أم آجلاً. كما أن أنصار هذه الفكرة أنفسهم مشغولون هذه الأيام بترديد مقولة إن أردوغان يعد لإجراء انتخابات مبكرة.

لكن في حقيقة الأمر، لا يوجد دليل مقنع على هذه الادعاءات المستندة في الغالب على فكرة أنّ حزب العدالة والتنمية بدأ يخسر مكانه في البرلمان. وقد راجت إحدى الحجج بأن الرئيس “يريد إبقاء عدد نواب حزب العدالة والتنمية في البرلمان فوق 200، حتى لو خسر بعض النواب الحاليين الذين يبلغ عددهم حوالي 290”. وهذا يعتبر هراء. ويجب أن تؤخذ هذه الادعاءات على أنها مجرد محاولات لانتقاص مهارات أردوغان باعتباره سياسيا داهية.

كان ينبغي أن تكون آخر استطلاعات الرأي بمثابة الرد على المعارضة الرئيسية لحزب الشعب الجمهوري وبقية الكتلة كذلك. وفي الواقع، يجب أن تطمئن الأرقام الناشئة، التي تتداخل إلى حد ما في النتائج، أردوغان بأن بإمكانه الحفاظ على الوضع الراهن حتى الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها في عام 2023. وبغض النظر عن محاولة المعارضة عقد انتخابات مبكرة فإن المرحلة السياسية في تركيا لم تتغير.

وتؤكد نظرة سريعة على نتائج الاستطلاعات ذلك. حيث يشير الاستطلاع الأخير الذي أجرته الأسبوع الماضي إحدى مؤسسات استطلاعات الرأي “ماك دانيشمانليك”، إلى دعم الناخبين للأحزاب المختلفة – مع توزيع ما يقرب من 13 في المئة من الذين لم يقرّروا بعد – على النحو التالي:

  • حزب العدالة والتنمية: 37.4 في المئة
  • حزب الشعب الجمهوري: 25.3 في المئة
  • الحزب الصالح: 10.9 في المئة
  • حزب الحركة القومية اليميني: 10.7 في المئة
  • حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد: 9.4 في المئة

قائمة الساخطين على حكم أردوغان تتّسع
قائمة الساخطين على حكم أردوغان تتّسع

وحصل حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم “ديفا”، اللذان تمّ إنشاؤهما في الأشهر الستة الماضية من قبل المنشقين السابقين عن حزب العدالة والتنمية، على 2.4 في المئة و1.7 في المئة من الأصوات على التوالي، بينما حصل حزب السعادة المعارض الإسلامي على 1.1 في المئة.

أضف إلى هذا تصنيفات دعم أردوغان، حيث وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن استطلاع كونسولانس، فإن الرئيس يحظى بدعم 49.8 في المئة. وفي استطلاعين متتاليين بواسطة متروبول، حصل على دعم 55.8 في المئة في مارس و52.1 في المئة في أبريل.

هناك استنتاجان أساسيان يعتمدان على هذه البيانات:

أولاً، يفتقر الداعون لإقامة انتخابات مبكرة لنقطة أساسية، فبالنسبة إلى أردوغان، الجزء الرئاسي من الانتخابات هو الجزء المهم، وليس التصويت البرلماني. وتظهر تقييمات الدعم أنه لم يفقد أرضية كبيرة في شعبيته ودعمه. وباختصار لا يزال أردوغان في اللعبة، مع التركيز على تمديد فترة رئاسته حتى عام 2023، وعندها سيحاول تمديدها لمدة خمس سنوات أخرى.

ثانيا تظهر هذه الاستطلاعات ضعف دعم ناخبي حزب العدالة والتنمية. لكن كتلة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية لا تزال سليمة بشكل تراكمي. وأيضا، لم يظهر حزب الشعب الجمهوري أيّ تقدم كبير، فهو غير قادر على تجاوز ما نسبته 20 – 25 في المئة من الأصوات التي حصل عليها في كل انتخابات حديثة.

ولا يزال حزب الشعوب الديمقراطي أساسياً، إذا استمرت كتلة المعارضة في تحدي الكتلة الحاكمة القومية الإسلامية. لكن السؤال هو ما إذا كانت كتلة المعارضة، أو ما يسمى بـ”تحالف الأمة”، ستظل في المعادلة أم لا.

وفي الآونة الأخيرة، بدأ الحزب الصالح، وهو توأم قومي لحزب الحركة القومية الذي كان أحد الركائز الأساسية لهذا التحالف، بذل جهد لتشويه سمعة حزب الشعوب الديمقراطي، واصفا إياه بـ”ذراع حزب العمال الكردستاني الإرهابي”، في إشارة إلى الجماعة المسلحة المحظورة التي تقاتل من أجل الاستقلال بالحكم الكردي في تركيا منذ عقود. وردّ حزب العدالة والتنمية من خلال اتهام الحزب الصالح بالارتباط بالدولة العميقة.

يجب أن يُفسر تحرك الحزب الصالح ضد حزب الشعوب الديمقراطي على أنه بمثابة عقد هدنة سلام مع أردوغان أملاً في الحصول على فرصة للانضمام إلى الكتلة الحاكمة حيث ينتمي من الناحية الأيديولوجية.

وهذا يقودنا إلى حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي، الذي يعيش حالة من الفوضى، ولا يزال يحافظ على بعده عن حزب الشعوب الديمقراطي، بسبب خوفه من أن تتم مهاجمته. كل هذا يفسر الجمود في السياسة التركية الذي يغذيه الجمود الانتخابي للمعارضة، وهذا هو النوع من الأخبار الذي يرحب به أردوغان لضمان مستقبله.

6