الانتخابات التركية: استفتاء نهائي حول جمهورية أردوغان

مع تحديد الرئيس رجب طيب أردوغان ليوم 14 مايو القادم يوما للتصويت، يستعد المشهد السياسي التركي للانتخابات الأكثر أهمية وإثارة في تاريخ البلاد. وبالتزامن مع الذكرى المئوية للجمهورية فإن اختيار ما يقرب من 53 مليون ناخب يبدو خيارا وجوديا: فهم سيقررون ما إذا كانوا سيوافقون أم لا على نهج أردوغان نحو نظام حكم شديد المركزية، أو بعبارة أوضح حكم الرجل الواحد.

ويجب النظر إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على أنها قرار حول كيفية إدارة البلد، وبالنسبة إلى معسكر المعارضة المجزأ يبدو أن التحديات الهائلة التي تواجهها تركيا تعمل لصالح أردوغان وتحالفه الحاكم، ومن المحتمل أنه على الرغم من أن تركيا غارقة في أزمة اقتصادية كبيرة، إلا أن أردوغان قد يفوز مرة أخرى.

والانتخابات هي في الأساس استفتاء حول إنهاء سياسة حكم الحزب الواحد التي استمرت لمدة عقدين أو استمرارها لفترة أخرى. وقد فاز أردوغان وحزبه العدالة والتنمية على التوالي في 13 انتخابات وثلاثة استفتاءات في تلك الفترة، مما عزز شعوره بأنه لا يقهر (حتى قبل وقوع الزلزال الحدث المأساوي الذي سبق كتابة المقال)، وقد مهد هذا الطريق لانتزاع بطيء للسلطة، حيث سيطر أردوغان على المؤسسات الرئيسية للدولة، وأخضع القضاء ووسائل الإعلام للسلطة التنفيذية، ونشر مزيجا من الإسلامية والقومية الهجومية داخل المجتمع، وخلال تلك الإقامة الطويلة على كرسي الحكم ترسخ الفساد والمحسوبية في أعلى هرم السلطة.

وفي السنوات الـ10 الماضية تركزت المزيد من السلطات الحكومية في يد أردوغان نفسه، ونتيجة لذلك ضعف النظام الحكومي وصار  أكثر هشاشة، وقال النقاد بأن الدولة أصبحت مختلة وظيفيا، مما حول البلاد إلى سفينة تائهة في عاصفة تلو العاصفة، فباتت عملية صنع القرار الرئاسي  لا تنجز شيئا سوى التعامل مع الأزمات.

لكن طريقة أردوغان في الحكم أنجبت طبقة أوليغارشية فاسدة، ومن خلال توظيف عدد هائل من الأشخاص في جهاز الدولة، ستضمن تلك الشريحة الموالية له من الناخبين المشاركة في الانتخابات المقبلة للحفاظ على امتيازاتهم.

ومع مرور الزمن أظهر أردوغان مهارته السياسية المحنكة لهزيمة الأعداء وتغيير ألوانه السياسية من خلال تشكيل تحالفات جديدة. ولا يزال الرجل عدوا يهابه الخصوم، ويبدو على استعداد للجوء إلى أيّ وسيلة ضرورية للبقاء على خشبة المسرح السياسي.

 وقد كشفت السنوات الماضية أيضا أن أولئك الذين يتفاوضون معه، سواء كانوا من داخل تركيا أو خارجها، غالبا ما يعجزون عن تقييم قدراته، وعلى الرغم من حالة عدم الرضا عنه على الصعيد العالمي، فقد أظهر قدرته على تحويل محاولات الاسترضاء لصالحه.

ومن نواح مختلفة، فإن محاولة المعارضة التركية إلحاق الهزيمة به هي مهمة شاقة، فالقضية الأولى هي نزاهة الانتخابات، حيث يسيطر أردوغان على إدارتين رئيسيتين من خلال وزرائه المخلصين، وسيوفر الأمن وزير داخليته المثير للجدل سليمان صويلو الذي يدير مئات الآلاف من عناصر الشرطة الذين لهم انتماءات سياسية، وسيكون وزير العدل بكير بوزداغ على أهبة الاستعداد لمساعدة أدروغان والتدخل في الإجراءات القانونية عند الضرورة، كما يتمتع حكام الأقاليم بسلطات هائلة لتقييد تجمعات المعارضة.

وهناك مؤسستان رئيسيتان أخريان تقفان في طريق المعارضة، الأولى هي المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون الذي من المفترض أن يكون بمثابة مراقب لوسائل الإعلام لكنه سيحكم قبضته على وسائل الإعلام المعارضة، (حوالي 90 في المئة من وسائل الإعلام التركية تخضع بالفعل لسيطرة أردوغان). ثم هناك المجلس الأعلى للانتخابات الذي فقد خلال حكم أردوغان استقلاليته من خلال تعيين قضاة موالين له. ولقد أصبح المجلس جزءا من الدولة التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية، ومع ذلك ستكون له الكلمة الأخيرة بشأن ما إذا كان ترشيح أردوغان لمنصب الرئيس لولاية ثالثة دستوريا أم لا. وتزعم المعارضة أنه لا يستطيع أن يخدم سوى فترتين رئاسيتين، وللمجلس أيضا سلطة تأييد قوائم ترشيح السياسيين أو رفضها، ويمكنه شطب الأسماء بشكل تعسفي، خاصة من قوائم المرشحين المؤيدين للأكراد من حزب الشعوب الديمقراطي، مستشهدا بوثائق سرية للدولة، كما لا يمكن الطعن في أحكامه.

لا شك أن الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى تضخم حقيقي بلغ نحو 150 في المئة، فقد نشرت حالة “الضجر من أردوغان” إلى ما وراء أحزاب المعارضة التقليدية، ومن الإنصاف أن نفترض – استنادا إلى عدد قليل من استطلاعات الرأي الموثوقة – أن الموجة المناهضة لأردوغان لديها ما نسبته 55 – 60 في المئة من الأصوات. لكن الخصم الرئيسي للمعارضة هو المعارضة نفسها، حيث تجنب مزيج من أحزاب الوسط والأحزاب المحافظة ما يسمى بـ“طاولة الستة” (تحالف ستة أحزاب)، التعامل مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذي تمتلك قاعدته الانتخابية القوية أكثر من 12 في المائة من الأصوات.

ومن المستحيل على المعارضة هزيمة أردوغان دون حزب الشعوب الديمقراطي. وبسبب ذلك أيضا، لم تتمكن من تقديم مرشح رئاسي توافقي، ويظهر عدم اليقين مرة أخرى أن القضية الكردية التي لم تحل ستظل تطارد تركيا في الذكرى المئوية لتأسيسها، وإدراكا منه للمشاعر المعادية للأكراد يلعب أردوغان بورقة القومية لتقويض المعارضة المجزأة.

والعنصر الهام  في هذه الانتخابات هو أن من سينتخب رئيسا هو أكثر أهمية بكثير من هيئة البرلمان، وبالنظر إلى السلطات الواسعة التي تتركز الآن داخل الرئاسة، إذا لم يحصل أيّ من المرشحين الرئاسيين على أكثر من 50 في المائة من الأصوات في 14 مايو فستكون هناك جولة أخرى بعد أسبوعين بين المتسابقين للمنصب.

ويراهن أردوغان على فرضية أنه إذا فاز حزبه في الانتخابات البرلمانية بفارق كبير، فإن الناخبين سيمنحونه أيضا ولاية ثالثة، وقد يكون الاختلاف الوحيد هذه المرة هو أن أردوغان سيأخذ النتيجة على أنها تفويض مطلق له لرئاسة الدولة مدى الحياة، فلديه كل ما يحتاجه من أدوات.