الجمهور المصري يترقب إعلاما مهنيا بعد دفعه فاتورة التطوير

أثارت خطوة الحكومة المصرية بفرض ضرائب جديدة على فاتورة الكهرباء تذهب لصالح تطوير الإعلام الرسمي، جدلا واسعا، خصوصا أن شريحة واسعة من الجمهور لا تتابع وسائل الإعلام الحكومية وتعتبرها ضعيفة مهنيا، فيما عبر البعض الآخر عن تفاؤله بالخطوة التي تتجه بالإعلام الرسمي نحو الاستقلالية وتساهم في تطويره.
القاهرة- لجأت الحكومة المصرية إلى تحميل الجمهور نسبة عالية من فاتورة ديون وخسائر وتطوير اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، عبر إضافة ضرائب جديدة على فواتير الكهرباء تذهب إلى دعم الإعلام الحكومي.
وتحاول الحكومة البحث عن بدائل واقعية لانتشال قطاع الإعلام من أزماته ووضع حد لتراجع دوره وغياب تأثيره بشكل ملحوظ، باعتبار أن دعم المواطنين للإعلام الرسمي ضرورة ملحة.
وأقرت لجنة الشؤون التشريعية في مجلس النواب هذا الأسبوع، ضرائب جديدة على فواتير الكهرباء حسب نسبة الاستهلاك شهريا، مع زيادة المبالغ التي يدفعها كل مالك سيارة (مصر فيها 12 مليون مركبة) لتصبح مئة جنيه سنويا (6.3 دولار)، بحيث تذهب الحصيلة لحساب الإعلام الحكومي، ما أثار حفيظة المصريين، باعتبار أن المنتج الذي تقدمه الإذاعات والقنوات الرسمية لا يزال فاترا وبعيدا عن نبض الشارع.
ويستند أنصار زيادة الضرائب على بعض الخدمات لصالح ماسبيرو، إلى فكرة أن هذا النهج متبع في أغلب دول العالم، حيث يتم إشراك دافعي الضرائب في تمويل الإعلام العام، باعتباره انعكاسا لصوت المواطنين ونبضهم، ولا يمكن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر أن تتحمل موازنة الدولة وحدها سداد ديون وتطوير اتحاد الإذاعة والتلفزيون الذي أصيب بالشيخوخة.
ويشارك دافع الضرائب البريطاني في الحفاظ على قوة وتأثير إعلام الخدمة العامة، وأيضا في ألمانيا وفرنسا، لكن وجهة النظر هذه لم تقنع المعارضين لتحميل جيوب المصريين الإنفاق على منابر إعلامية لا تفعل شيئا سوى الترويج لإنجازات الحكومة والدفاع عن سياساتها.
وشهدت السنوات الأخيرة تراجعا في جماهيرية الإعلام الرسمي بمصر، مع اتباعه سياسة قديمة لا تعترف بالتغيرات في المنظومة الإعلامية على المستوى الدولي. ولا يزال هناك تواضع في نقل الأحداث ومناقشة القضايا الجماهيرية، وعلى مستوى التقنيات، فهي قديمة للغاية وتكاد تشعر بأن لغة أغلب البرامج تخاطب حقبا سابقة.
وتخشى الحكومة الاقتراب من ماسبيرو بالسلب أو الإيجاب، باعتبار أن تطويره يحتاج إلى وقت وجهد وتكاليف مرتفعة، وهذا غير متاح في الوقت الراهن. وتريد أن يتحمل المواطن الجزء الأكبر من التكلفة باعتبار أن الإذاعة والتلفزيون أقرب إلى الملكية العامة، في حين أنها تبدي اهتماما بالغا بقنوات أخرى خاصة أصبحت الأكثر حداثة.
وما يثير امتعاض شريحة كبيرة من الجمهور تجاه ضريبة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، أنهم لا يشاهدون أو يسمعون المنابر التي سيتم تمويلها من جيوبهم. وهناك شعور قوي لديهم بأن الحكومة تريد رفع يديها كليا عن الإنفاق عليها، وتحميل المواطن وحده مسؤولية ذلك دون تقديم إغراءات تدفعه إلى الثقة في تطويرها وتحسين الأداء، وهو على قناعة بلا جدوى تأثيرها أو حتمية استمراريتها.
وقال حمدي الكنيسي، رئيس الإذاعة المصرية الأسبق، إنه لا يمكن تقوية الإعلام القومي دون مشاركة الجمهور في جزء من تكلفة تطويره والمساهمة في خفض فاتورة ديونه، وصار على الشارع أن يدرك مدى خطورة انخفاض العوائد المالية التي تذهب إلى ماسبيرو وانعكاسها على غياب الوجوه المتميزة التي هجرت اتحاد الإذاعة والتلفزيون وذهبت إلى إذاعات وقنوات أكثر حداثة وتطورا.
وأضاف لـ”العرب”، أن مضاعفة الأموال التي كان يتم تحصيلها من دافعي الضرائب يفترض أن تنعكس على أداء الإعلام الرسمي، من حيث الابتكار والتنوع والتوهج الإذاعي والتلفزيوني، وإتاحة الفرصة أمام الكفاءات للعودة والعمل في أجواء هادئة مليئة بالحوافز، والحكومة المصرية لم تخترع العجلة، لأن هذه السياسة موجودة في الكثير من الدول التي لديها إعلام قوي وفعال.
وتابع “عندما وجدت البديل المناسب لإعلامها الرسمي تباطأت في تطويره وتحديثه ليكون مواكبا لتطورات العصر، لكن ذلك لن يكون مقبولا للشارع، فهناك شريحة لا تريد لماسبيرو أن يموت أو يستمر على وهنه، وترغب في نفس الوقت في الشعور بأن ما تدفعه من ضرائب يجب أن ينعكس على الرسالة الإعلامية ويكون المنتج مقبولا”.
ويرى خبراء إعلام أن هناك فهما خاطئا من جانب الجهات المسؤولة عن المنظومة الإعلامية في مصر لطبيعة الإعلام الرسمي، فليس مطلوبا منه أن يكون ناطقا بلسان الحكومة فقط ولا محاطا بالخطوط الحمراء، أو لديه سياسة تحريرية ممنوع فيها الخروج عن النص، واستمرار هذه القناعات يعزز هجرة الجمهور للإذاعات والقنوات الرسمية ودفع الضرائب على مضض.
ويبرّر هؤلاء وجهة نظرهم بأن دولة مثل بريطانيا لديها إعلام خدمة عامة لكن الفارق بين الاثنين، هو عدم تدخل الحكومة هناك في السياسات التحريرية، وقد يصل الأمر حد انتقاد رئيس الوزراء شخصيا، وهذه من الأمور العادية طالما أنه أصدر قرارا خاطئا يرفضه الشارع أو أن سياسة الحكومة لا تحظى بقبول أغلبية الجمهور.
وأيد محمد شومان، عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية هذه الرؤية، مؤكدا أن ألمانيا تمتلك إعلاما رسميا جيدا، ومعدلات المشاهدة للمنابر المصنفة كخدمة عامة أكبر من نظيرتها الخاصة، لأنها تتحدث بلسان الشارع وتنقل نبضه وتوفر له كل احتياجاته على مستوى جدية الموضوعات والترفيه والتسلية، والجمهور ليس بحاجة إلى متابعة أخرى باعتباره يجد كل شيء في إعلامه الذي يدفع له ضرائب.
وأشار في تصريح لـ”العرب”، إلى أن مشاركة الناس في تقوية إعلام الخدمة العامة بأي دولة هي ضمانة حقيقية لحيادية التمويل وعدم ارتباطه بالتوظيف السياسي، وما فعلته الحكومة المصرية خطوة محمودة تفرض على صانع القرار الإعلامي أن يجعل ماسبيرو يعبر عن كل الأصوات ولا تكون منابره أداة دعائية لطرف على حساب آخر، أو يتم تجاهل نبض الشارع.
ويخشى مراقبون من أن تكون نظرة الحكومة لفكرة الضرائب قائمة على اقتصار أزمة اتحاد الإذاعة والتلفزيون على الشق الاقتصادي، لأنه يعني غياب تحسين وتطوير الأداء مهنيا، واستمرار سياسة تفريغ المنابر الرسمية من البرامج الفاعلة التي تجذب المشاهدين والمستمعين وتغييب الكوادر التي لديها القدرة على التطوير.
ويعتقد البعض من الخبراء أنه لا يمكن التعويل على الضرائب وحدها لانتشال الإعلام الرسمي في مصر من أزماته، وصار حتميا التفكير خارج الصندوق بالبحث عن بدائل أخرى. وهذا يتطلب السير في اتجاهين: الأول ترشيد الإنفاق بغلق الإذاعات التقليدية والقنوات الإقليمية والمتخصصة العديدة والتي تخاطب شرائح مجتمعية بعينها، مثل قنوات الدلتا وصعيد مصر ومدن قناة السويس.
يستند أنصار زيادة الضرائب على بعض الخدمات لصالح ماسبيرو، إلى فكرة أن هذا النهج متبع في أغلب دول العالم، حيث يتم إشراك دافعي الضرائب في تمويل الإعلام العام
أما الشق الثاني، فيتعلق بسن تشريعات تقضي بفرض ضرائب على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها مستفيدة من إعادة نشر المحتوى الذي تبثه وسائل الإعلام، وهو الأسلوب الذي تطبقه دولة مثل أستراليا، بحيث يكون العائد موجها إلى المؤسسات الإعلامية التي تقدم خدمة عامة، ولا يتحمل المواطن وحده النسبة الأكبر من الإنفاق عليها.
وبغض النظر عن إمكانية حدوث ذلك من عدمه، فتحميل الجمهور كلفة تطوير الإعلام الرسمي يجب أن يقابله ارتفاع في مستوى المهنية والموضوعية.
وبحسب محمد شومان، فهذه مهمة سهلة للغاية ولا تحتاج سوى لزيادة استقلالية المنابر وتعاملها بمسافة واحدة مع كل الأطراف، والكف عن التعبوية والمصداقية والاختلاف في تناول ومناقشة القضايا الجماهيرية، مع حتمية تعددية الأصوات بشكل يجذب الشارع ويزيد ثقته في إعلامه ولا يتعامل مع الضريبة باعتبارها تكديرا.