الجزائر تواجه انهيار الدينار بإصدار ورقة نقدية

واجهت الحكومة الجزائرية أزمة انهيار العملة بإصدار ورقة نقدية جديدة في ظل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، في وقت تتعالى فيه أصوات الأوساط الاقتصادية المطالبة بتغيير العملة لقطع الطريق أمام انتعاشتها في السوق السوداء.
الجزائر - أقر بنك الجزائر المركزي عملة جديدة من فئة 2000 دينار في محاولة لكبح تهاوي الدينار وتدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، وسط دعاو لفرض حلول جذرية لمعالجة الأزمة عبر تغيير العملة ولكبح انتعاشة سوق الصرف الموازية بالتزامن مع أزمة سيولة حادة في قطاعي البريد والبنوك.
وأطلق بنك الجزائر ورقة نقدية جديدة من فئة 2000 دينار من المنتظر الشروع في تداولها قريبا إلى جانب ورقة مماثلة من نفس القيمة، حيث لم يوضح مدير البنك محمد شريف كوتشوكالي استمرار التداول بالورقتين معا من عدمه.
وركز مدير البنك في استعراض الورقة النقدية الجديدة على المغزى والدلالة التاريخيين للشكل والمضمون، بينما تجنب الخوض في الأبعاد الاقتصادية والمالية للورقة في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد في الآونة الأخيرة.
وتشهد قيمة العملة المحلية انهيارا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، فضلا عن أزمة السيولة المسجلة في مراكز البريد والبنوك خلال الأشهر الأخيرة.
ودعا في هذا الشأن الخبير المالي أبوبكر سلامي إلى ضرورة تغيير العملة المحلية من أجل وقف التدهور المستمر وإنقاذ القدرة الشرائية من الانهيار، مما يسمح للبنك باستعادة الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية، والتي قدرها خبراء في تنظيم منتدى رجال المال والأعمال بنحو 60 مليار دولار.
وشدد المتحدث في اتصال مع “العرب” على أن “انعكاس انهيار قيمة العملة ظهر جليا في الآونة الأخيرة على القدرة الشرائية وفي ارتفاع مؤشرات التضخم إلى مستويات كبيرة، وهو ما بات يحتم على البنك اتخاذ خطوات جريئة لتغيير العملة من أجل استقطاب كتلة السوق الموازية”.
وتضمن قانون الموازنة للعام الجاري خفضا مطردا لقيمة العملة المحلية على مدار السنوات الثلاث المقبلة، كما شرع بنك الجزائر منذ العام المنقضي في خفض غير معلن لقيمة العملة المحلية من أجل التخفيف من عجز الموازنة العامة المقدر خلال هذا العام بنحو 23 مليار دولار.
ووضع القانون فرضية شروع الدينار الجزائري في استعادة عافيته أمام العملات الأجنبية بحلول العام المقبل، لكن خبراء يتوقعون أن تشكل انعكاسات التهاوي صدمة غير متوقعة للسلطات المالية، خاصة في ظل حاجة الحكومة إلى استقرار اجتماعي في البلاد.
وكان الخبير الاقتصادي ووزير الاستشراف السابق بشير مصيطفى قد أكد لـ”العرب” على “ضرورة مراجعة قيمة العملة المحلية بحذف صفرين من القيمة الحالية، كونها لم تعد تتجاوب مع متطلبات السوق، فالعملة المعتمدة غير متداولة أصلا في السوق بسبب افتقادها لقيمتها وعدم وجود ما يقابلها من بضاعة، حيث صارت كلفة إنتاج القطعة أغلى من قيمتها المالية”.
وشدد المتحدث على أن “مراجعة قيمة العملة ستكون قاطرة لإصلاح المنظومة المالية في البلاد، وهي الآلية الوحيدة لاستقطاب الكتلة الناشطة خارج المنظومة المصرفية” في إشارة إلى ما أسماه “البحث عن القيمة وليس عن الورقة أو القطعة”.
وسوّق بنك الجزائر ورقته النقدية الجديدة في إطار تاريخي صرف، واستخدم صورة لكبار قادة ثورة التحرير الجزائرية لأول مرة في العملة المحلية، كما تم الاحتفاء فيها بعيد النصر الموافق لـ19 مارس، وبعيد الاستقلال الوطني في 5 يوليو، في حين كان يتم الاكتفاء بخلفية لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبدالقادر.

وكشف مسؤول في البنك أنه في “إطار عصرنة وسيلة إنتاج الأوراق المالية سيشرع البنك قريبا في إنجاز مركب صناعي وتكنولوجي بمعايير دولية سيحتضن مطبعة ذات تكنولوجيا عالية ومقر الصندوق العام لبنك الجزائر، ومركزا لفرز الأوراق المالية ومركزا للتكوين في مجال صناعة النقود المتداولة”.
وتعتمد الجزائر في تموين حاجيات سوقها المحلية على الاستيراد من الخارج على غرار الصين وأوروبا وبدرجة أقل تركيا، حيث قدرت وارداتها خلال العام الماضي بحوالي 40 مليار دولار الأمر الذي ساهم مباشرة في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، كما تشهد السوق المحلية ندرة جزئية في بعض المواد كالزيت والحليب، بينما تعتمد بمعدل 98 في المئة من مداخيلها على صادرات النفط والغاز.
وقدرت إحصائيات دولية أن السعر الذي يحقق للجزائر توازنا في حساباتها هو 116 دولارا للبرميل الواحد من النفط، وهو سقف غير متاح في الأفق بسبب تراجع الإنتاج الداخلي وتجاذبات سوق النفط الدولية المتأثرة منذ 2014.
وبغية طمأنة الرأي العام أكد وزير المالية أيمن بن عبدالرحمن أن العملة الوطنية “ستستعيد عافيتها وقوتها” الاقتصادية في حدود نهاية السنة الجارية.
ولفت المتحدث إلى أن “العملة هي مرآة للاقتصاد وأن العملة الجزائرية ليست في مرحلة انهيار كما يصورها البعض، بل هي في مرحلة استعادة عافيتها وأن التضخم متحكم فيه بالمقارنة مع ما يحدث في باقي دول العالم”.