الجزائر تعالج أزمات شركات المتّهمين بالفساد

تحاول الحكومة الجزائرية جاهدة معالجة الأزمات الكبيرة التي نتجت عن شلل نشاط الشركات المملوكة لرجال الأعمال المتهمين بالفساد بسبب علاقاتهم بالحكومات السابقة، في محاولة لتحسين مناخ الأعمال وإعطاء الاقتصاد نقطة انطلاق جديدة.
الجزائر - كثفت الحكومة الجزائرية إجراءاتها لمعالجة ملفات الفساد العالقة في محاولة منها لتجاوز تداعيات التجاوزات التي كبدت الدولة خسائر فادحة، في وقت ترتفع فيه أصوات التشكيك في جديتها بفعل تصاعد الجدل والاتهامات بوجود مؤامرات تستهدف بعض رجال الأعمال المقربين والمناهضين للنظام السابق.
وتزايدت المؤشرات على أن أزمة مجموعة سيفيتال الخاصة تسير نحو الانفراج بفعل توجه الحكومة لرفع إجراءات الحجزالمفروضة على شحناتها في موانئ وسط البلاد، فضلا عن تداول إمكانية صدور قرار قضائي يقضي بإطلاق سراح مالك الشركة.
وأكدت إدارة مجموعة سيفيتال المملوكة لرجل الأعمال المسجون يسعد ربراب، في بيان أن الظروف والملابسات التي أحاطت بالتجهيزات المحجوزة في ميناء بجاية وجيجل والعاصمة، والتي كانت موجهة لتشييد مصنع الأغشية المختص في إنتاج نوعية حديثة من المياه الموجهة لصناعة الأدوية والمواد الغذائية والصناعات البتروكيميائية.
ويعد رجل الأعمال المسجون، أحد أبرز رجال الأعمال في البلاد، وصاحب استثمارات في عدد من الدول مثل السودان والبرازيل وفرنسا وإيطاليا.
كما تعتبر مجموعة سيفيتال، المصدر الأول في البلاد بعد النفط والغاز، والثاني الذي يدر على الخزينة العامة إيرادات ضريبية بعد شركة سوناطراك النفطية المملوكة للدولة.
ونفت المجموعة قيامها أو قيام أحد شركائها السبعة والعشرين بتضخيم فواتير الاستيراد أو تزوير أية محررات رسمية.
وشددت على أن التهم الموجهة إليها تتنافى مع قيم ومبادئ المجمع، وقد تم ذلك بفضل إعادة استثمار الأرباح المحققة.
وكان المجمع قد أطلق مشروع “ايفكون إندستري” المختص في إنتاج مياه عالية النقاوة بتكنولوجيات متطورة حيث تمّت إقامة مركزين في محافظة البليدة التي تبعد نحو 50 كلم جنوبي العاصمة، لصناعة أغشية من الجيل الثالث.
وتمكّن المجمع من ذلك بعد حصوله على نحو 190 براءة اختراع باستخدام تكنولوجيات لإنتاج مياه فائقة النقاوة تدخل في الصناعات الغذائية والصيدلانية والبتروكيميائية، غير أن عراقيل إدارية حالت دون تنفيذ المشروع في آجاله المخطّطة.
وأقرت إدارة الجمارك منذ عامين إجراءات في جميع الموانئ، تقضي برفض إدخال تجهيزات للمجمع مما حال دون حصوله على المعدات لتنفيذ المشروع.
ولم يتمكن المجمع من تنفيذ مشروع ثان يختص في إنتاج الزيوت، قبل أن يتم سجن مالكه على خلفية شبهات وتهم بالفساد.
وطالت التهم العديد من رجال الأعمال والمسؤولين في الدولة خلال الأشهر الماضية.
وأكد عمر ربراب، المسؤول الإداري في سيفيتال مؤخرا، أنه “تلقى تطمينات من الحكومة لرفع الضغوطات التي تعرّض لها المجمع خلال السنوات الأخيرة”.
وصرح الرئيس الجديد المنتخب للجزائرعبدالمجيد تبون، خلال حملته الانتخابية بأنه “سيطلق سراح المظلومين”، وهو ما فتح باب التأويلات بشأن مصير رجل الأعمال يسعد ربراب.
ويختلف ملف ربراب عن باقي رجال الأعمال المسجونين، حيث يسود انطباع بأنه دفع فاتورة مواقفه المعارضة لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وسبق أن وجهت اتهامات إلى مسؤولين مقرّبين من الرئيس بوتفليقة بتدبير مؤامرة للإيقاع بمالك المجمع على خلفية مواقفه المناهضة للنظام السابق.
واعتبر المجمع أن النظام استعمل بعض الموظفين في الدولة لعرقلة خطط الاستثمار التي يسعى المجمع لتنفيذها وتشويه سمعة مالكه، رغم ما يحققه من عائدات للخزينة العامة وتوفيره لفرص عمل للشباب.
وأشار إلى أن المجمع يفند جميع التهم المرفوعة ضده، وهو مستعد لتقديم الأدلة والبراهين التي تدحض تهم التضخيم والتزوير، وتبرّئ مالكه، الذي سجن بفعل تصفية حسابات تتعدى المجال الاقتصادي.
ولم تظهر بوادر فساد لافتة خلال محاكمة يسعد ربراب، قياسا بما أثير أثناء محاكمة رموز قطاع تركيب السيارات، مما يرجح فرضية إطلاق سراحه.
وباستثناء قضية الفواتير المضخمة والتزوير التي وجهت له بحسب فريق الدفاع، لم توجه له أية تهم بتبديد الأموال العامة مثلما هو الحال في قضية بعض مصانع تركيب السيارات المتهمة بإهدار نحو 10 مليارات دولار.
وكانت دوائر مالية متخصصة على غرار مجلة فوربس، قد قدرت ثروة ربراب بنحو 4 مليارات دولار، ووضعته في صدارة قائمة رجال الأعمال في قارة أفريقيا، قبل أن يدخل في سلسلة متاعب مع حكومات الرئيس السابق بوتفليقة، منذ عام 2013.
وتنتظر الحكومة الجزائرية بقيادة رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، نتيجة الاختلالات الكبيرة التي تهز الاقتصاد المحلي.
وتواجه الجزائر أزمة تفاقم عجز الحسابات، وتآكل رصيد النقد الأجنبي، وتخيم أجواء من الغموض والشكوك على مناخ الأعمال بسبب الفساد وعدم استقرار المنظومة التشريعية للاقتصاد.
ودفعت الحرب على الفساد المعلنة أوساط الأعمال إلى التساؤل عن مستقبل مناخ الأعمال في البلاد في ظل دخول عدد كبير من الشركات في مسار المتاعب القضائية.
وقد شملت الإيقافات والقضايا العديد من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق، مما أدى إلى غلق شركاتهم وإيقاف أعمالهم مما أثر على مناخ الأعمال.