الجزائر تراهن على الصيرفة الإسلامية لاحتواء اقتصاد الظل

استعادة ثقة الزبائن تمر عبر إصلاح المنظومة المصرفية.
السبت 2020/08/15
رهان مصرفي جديد

شرعت الجزائر رسميا في تنفيذ إستراتيجيتها المصرفية في الاعتماد على الصيرفة الإسلامية، بإطلاق منتجات غير ربوية لأول مرة من طرف بنوك مملوكة للدولة، في إطار خطط حكومية لاستقطاب النقد المتداول في السوق الموازية.

الجزائر - شرعت المصارف العامة في الجزائر، حيث يمتنع كثيرون عن التعامل مع البنوك التقليدية، في العمل بالتمويل الإسلامي على أمل جذب الجزائريين الذين لا يملكون حسابات مصرفية، وإعادة جزء من الاقتصاد غير الرسمي إلى النظام المالي.

ودخلت مطلع الشهر الجاري منتجات الصيرفة الإسلامية حيز التنفيذ في الجزائر، ببدء المعاملات المذكورة في بنكين حكوميين، على أمل تعميمها على باقي البنوك الحكومية والخاصة.

وتهدف الخطوة إلى استقطاب الكتلة المالية الضخمة الناشطة في السوق الموازية، في ظل امتناع قطاع كبير من الجزائريين عن التعامل مع البنوك التقليدية.

وشرع البنك الوطني الجزائري وبنك الفلاحة والتنمية الريفية (تجاريان) في تسويق منتجات الصيرفة الإسلامية، بعد وضع النصوص التشريعية والمالية الخاصة من طرف الحكومة، الساعية لافتكاك الكتلة النقدية الناشطة خارج القنوات البنكية، بغية تغطية العجز المتفاقم خاصة في ظل أزمة سوق المحروقات وتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد المحلي.

ويحصي خبراء الاقتصاد والمالية في الجزائر ما يعادل أكثر من 60 مليار دولار، يتم تداولها في الأسواق الموازية، بعيدا عن الأطر البنكية، مما جعل غالبية الاقتصاد المحلي موازيا لا تستفيد منه الخزينة العامة ولا المصالح الجبائية الممول الأساسي لها.

وتعتبر الجزائر من الدول المتأخرة في اعتماد نمط الصيرفة الإسلامية مقارنة بباقي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث خيم الكثير من التردد على قرار الحكومات المتعاقبة، رغم أن الحديث عنها بدأ منذ العام 2014، تاريخ اهتزاز التوازنات المالية الكبرى للبلاد، بسبب تهاوي أسعار النفط وتقلص مداخيل البلاد من العملة الصعبة.

ورغم جدارة النمط المالي المذكور في حلحلة بعض الأزمات المالية العالمية، إلا أن لغطا أيديولوجيا ظل يحيط بدخول الصيرفة الإسلامية حيز التنفيذ، خاصة في ظل امتناع قطاع عريض من الجزائريين عن التعامل مع ما يعرف بـ”البنوك الربوية” (الكلاسيكية التي تتعامل وفق نظام الفائدة مع زبائنها).

إسماعيل لالماس: الثقة المهتزة بين الزبائن والدولة أثرت على العلاقة مع البنوك
إسماعيل لالماس: الثقة المهتزة بين الزبائن والدولة أثرت على العلاقة مع البنوك

ومع ذلك تبقى التجربة محفوفة بالمخاطر ولا يمكن التعويل عليها في استقطاب السيولة المالية المتداولة في الأسواق المالية، كون أن بنوكا خاصة عاملة في الجزائر تتبنى نمط الصيرفة الإسلامية، على غرار “البركة” و”السلام”، إلا أنها لم تستطع إقناع هؤلاء بالتعامل معها واستدراج أموالهم إذا كانت حجتهم نمط التعامل بالفائدة.

ويرى خبراء في المالية أن بقاء نسبة هامة من الكتلة المالية تنشط خارج القنوات المصرفية الرسمية، يعود الى عدة أسباب وليس نمط الفائدة فقط، وأن اللجوء إلى الصيرفة الإسلامية بعد تردد طويل لا يمكن لوحده أن يحقق آمال استقطاب تلك الأموال.

ويرى الخبير والمستشار الاقتصادي إسماعيل لالماس أن “مسألة الثقة المهتزة بين الزبائن وبين مؤسسات الدولة ألقت بظلالها على العلاقة مع البنوك، خاصة في ظل بدائية المنظومة المصرفية في البلاد التي تحتاج إلى إصلاحات عميقة، حيث تعتبر الجزائر من بين الدول الأكثر تخلفا في هذا المجال”.

وساهمت تجارب سابقة لبنوك خاصة، انتهت إلى الإفلاس والتلاعب بأموال الزبائن وتوظيفها في تهريب العملة الصعبة على غرار بنك الخليفة والبنك التجاري، في زعزعة الثقة بين الزبائن والمنظومة المصرفية بشكل عام.

وكان وزير المالية الجزائري أيمن بن عبدالرحمن قد أعلن عن بداية “تسويق منتجات للصيرفة الإسلامية لأول مرة في بنوك حكومية، اعتبارا من مطلع شهر أوت، بعد حصولها على فتوى شرعية، وتكوين كوادر بنكية مختصة”.

وكشف عن إنهاء بنكين حكوميين اثنين لإجراءات الحصول على الفتوى الشرعية، لمطابقة المنتجات مع الشريعة الإسلامية، ويتعلق الأمر بالبنك الوطني الجزائري وبنك الفلاحة والتنمية الريفية، وهو ما تمت معاينته خلال الأيام الماضية، بشروع الوكالات في استقبال زبائن يرغبون في التعامل بالنمط المذكور.

يونس صوالحي: القانون يعزز بيئة ملائمة لتطوير الصيرفة الإسلامية
يونس صوالحي: القانون يعزز بيئة ملائمة لتطوير الصيرفة الإسلامية

وكان البنك المركزي الجزائري قد رخص بقيام البنوك العاملة في السوق المحلية بالتسويق لثمانية منتجات مصرفية إسلامية جديدة، ويتعلق الأمر بتسويق ثمانية منتجات مصرفية إسلامية وهي “المرابحة، والمضاربة، والمشاركة، والإجارة، والسلم، وحسابات الودائع، وودائع الاستثمار”.

وتهدف صيغ التمويل الإسلامية (دون فوائد ربوية) إلى المساهمة في تعبئة الادخار وخصوصا ضخ النقد المتداول خارج البنوك (السوق الموازية) ليصبح داخل السوق الرسمية.

ويتشكل سوق المصارف في الجزائر من 30 بنكا، سبعة منها مملوكة للدولة والبقية هي بنوك أجنبية، أغلبها من الخليج العربي وبعض الدول الأوروبية كفرنسا وإسبانيا وبريطانيا.

وفي ندوة نظمها منتدى رؤساء المؤسسات حول “دور الصيرفة الإسلامية في تعبئة الموارد”، أكد عدد من الخبراء أن “الإجراءات القانونية التي اتخذتها مؤخرا وزارة المالية وبنك الجزائر تشكل خيارا صائبا، من شأنه المساهمة في تطوير هذا النوع من التمويل واستقطاب أموال السوق الموازية”.

وأكد الباحث في المعهد الدولي للبحث الأكاديمي حول الشريعة بدولة ماليزيا يونس صوالحي أن “النص القانوني المعزز لشروط ممارسة العمليات البنكية الخاصة بالصيرفة الإسلامية يشجع على خلق بيئة ملائمة لتطوير الصيرفة الإسلامية في الجزائر”.

وأضاف “فتح شبابيك البنوك الإسلامية في الجزائر سيسهم في استقطاب أموال المدخرين، وذلك قرار صائب نرحب به بقوة، لاسيما وقد تم تعزيزه بقاعدة قانونية كفيلة بالمساعدة على تطويره وتوسيعه، صحيح نحن متأخرون عن دول أخرى في المنطقة، إلا أن الأوان لم يفت بعد لتدارك ذلك”.

وشدد على أن “خصائص ومزايا التمويل الإسلامي، خاصة منع المعاملات الربوية (الفوائد) وتمويل النشاطات غير المشروعة والمضاربة، إلى جانب الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي من أجل مراقبة ومتابعة المؤسسات المالية، من شأنها أن تخلق الثقة وتشجع على الادخار”.

وأحد أهداف السلطات هو أن تعيد للمصارف الكتلة الكبيرة من الأموال المتداولة خارج القطاع المصرفي في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة.

وأكد الخبير المالي ووزير المالية الأسبق عبدالرحمان بن خالفة أن الأمر لا يتعلق بـ”مجرد حاجة لجلب الموارد، إنها حاجة إلى إعادة الاقتصاد الجزائري إلى البنوك”.

ويرى خبراء أن الصيرفة الإسلامية ستحسن من المعروض من المنتجات، وتوفر حلولا مالية للمواطنين الذين لديهم حواجز عقائدية، لكن ذلك لن يحل بصفة كافية مشكلة ضعف الودائع.

11