الجريء يهزم شعب تونس

علامات استفهام محيرة تدور في أذهان الشعب التونسي، الذي لم يستفق بعد من وقع الفضيحة المدوية بعد إذلال “نسور قرطاج” في مونديال روسيا، حول جدارة رئيس اتحاد كرة القدم وديع الجريء في إدارة دواليب المنتخب والذي من المفترض أن يدافع عن سمعة تونس في المحافل الرياضية الدولية.
بعيدا عن نتائج المواجهات التونسية طيلة مشاركتها السابقة في أعرق حدث عالمي لكرة القدم على سطح الكوكب، لا أدري من أين جاء الجريء والمدرب نبيل معلول بالثقة المفرطة قبل خوض غمار المونديال عندما وعدا الشعب بالذهاب أبعد ما يمكن، وتناسيا أن منتخب تونس سيواجه منتخبات شرسة مرشحة لنيل لقب النسخة 21 من البطولة العريقة، ليهزما في نهاية المطاف الشعب بقراراتهما الارتجالية غير المدروسة.
حانت الآن لحظة الحقيقة، إذ لا بد من الدخول في “معسكر مغلق” والاستنجاد بمن يفهم نواميس اللعبة وليست لهم حسابات ضيقة للسيطرة على نشاط كرة القدم، وهم كثر، لاعتماد خطة جديرة بإعادة الثقة إلى الشعب الذي تسلل لداخله الإحباط وسيطر عليه باعتبار أن كرة القدم آخر متنفس له في ظل التجاذبات السياسية الخانقة والتي عطلت عجلة النمو الاقتصادي في المحصلة.
ثمة أسباب كثيرة تجعل من الخسارتين أمام إنكلترا وبلجيكا أمرا عاديا إذا ما تمت العودة إلى الوراء وتشخيص معاناة البطولة المحلية التي لم ترتق بعد إلى مستوى الاحتراف ويغلب عليها طابع دوري الهواة في كل شيء بدءا من التنظيم مرورا بالمحسوبية وصولا إلى العنف، إلى جانب التحضيرات الباهتة استعدادا للمونديال وعدم جدية اللاعبين.
لقد عرّى التفاؤل الذي لطالما تباهى به الجريء ومعلول في تصريحاتهما الإعلامية قبل المونديال وخلاله، تلك الهزيمة المذلة والتاريخية من “شياطين” منتخب بلجيكا بخماسية في شباك الحارس فاروق بن مصطفى، الذي انضم لقائمة اللاعبين المصابين، وأثبتت الحادثة أن الاستعدادات لم تكن على ما يرام.
هنا يكمن الداء، فرغم توفر كل أسباب الراحة ماديا ولوجستيا للمنتخب بهدف إثبات أحقية تونس بالحصول على المركز 14 في تصنيف الفيفا للمرة الأولى في تاريخها، فإنه لا يمكن تحقيق النتائج دون لاعبين أصحاب خبرة وفنيات عالية، ويحترمون قواعد الاحتراف بحذافيرها.
من بين النقاط المهمة، التي كشفت حال المنتخب عدم الجاهزية الذهنية، فكيف يمكن أن يقارع معلول منتخبات عالمية دون الإحاطة النفسية للاعبين والذي لا يمكنه أن يتحقق بالكلام فقط، بل من خلال زرعها في سلوك اللاعبين لتحقيق الانسجام التام وبالتالي تحضيرهم لتحمل الضغوط المسلطة عليهم داخل الملعب وخارجه.
والأدهى من كل ذلك، كيف يتجرأ الاتحاد على ضم أكثر من 34 عضوا من بينهم 9 أطباء لبعثة المنتخب، أليس من المفترض أن يعي المشرفون على اللعبة أن الدولة غارقة في أزمة اقتصادية حادة ولا بد من التقشف في المصاريف.
صار لزاما على الجميع طي هذه الصفحة نهائيا وإلى الأبد بإحالة هذا الجيل من اللاعبين القادمين من الشتات على التقاعد ومحاسبة الإدارة الفنية للمنتخب وكل من تسبب في تلك المهازل الكروية وأولهم رئيس الاتحاد في ظل التخبط في اختيار اللاعبين والارتباك في الاستعدادات لكأس العالم.
سيكون تدخل الحكومة ضروريا اليوم لإنقاذ الوضع المتردي ولا يجب الأخذ بعين الاعتبار فزاعة الفيفا أمام الأضرار الكبيرة التي لحقت باللعبة منذ تولي الجريء ومكتبه التنفيذي والمحسوبين عليه مقاليد التسيير العشوائي لكرة القدم وتتالي الخيبات طيلة أكثر من سبع سنوات.
لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات جريئة وجذرية لحل المشكلات المتراكمة في كواليس المنتخب وفي رياضة كرة القدم عموما. فوزارة الرياضة التي تديرها ماجدولين الشارني، التي لا تفقه في علم الرياضة شيئا، تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية لقصر رؤيتها، التي لا تخدم اللعبة على الإطلاق. وكفانا نفاقا وضحكا على ذقون التونسيين فلقد شبعنا من وعودكم التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
سيكتب التاريخ أنه مع الإدارة الحالية كان لتونس السبق بين منتخبات أفريقيا في تلقي أقسى نتيجة في كأس العالم ولا يمكن حاليا التدارك والإصلاح فالخيبة قد حلت وانتهى الأمر ووقع الصدمة لا يزال يسيطر على الشعب ووجب تغيير كل شيء بمن فيهم الجريء، الذي أثبت بما لا يدع مجالا للشك قيادته الفاشلة، وبات عليه تقديم استقالته فورا وباقي فريقه لأنهم لم ينهضوا باللعبة.
ثم أين الاستفادة من الخبرات التونسية في هذا المجال مثل المدير الفني للمنتخبات يوسف الزواوي في تقديم النصح والاستشارة لرئيس الاتحاد ومتى أصلا تعاطى الجريء باحترافية في قراراته فهو لم يخرج من دائرة وظيفة العلاقات العامة ولم يتفرغ إلى التخطيط وتحقيق الإنجازات الحقيقية وهناك شواهد كثيرة على ذلك من أبرزها الدوري التونسي.
قد تكون مباراة الجولة الأخيرة أمام بنما مجرد خطوة لحفظ ماء الوجه ولو أنها لن تشفع لا لرئيس الاتحاد، الذي تدور حوله شبهات فساد، ولا للاعبين المنكسرين ولا حتى لمعلول نفسه، تلك الأخطاء القاتلة والتقاعس الصارخ في الدفاع عن راية البلاد والظهور الباهت في المباراتين أمام إنكلترا وبلجيكا، والتي أعطتنا درسا كرويا لن يمحى من الذاكرة وسيبقى عالقا في أذهاننا لسنوات طويلة.