التطبيع الاقتصادي لا يكفي طالبان للخروج من عزلتها الدولية

من المتوقع أن تصل الاثنين رحلة تجارية قادمة من باكستان إلى مطار كابول في خطوة تسعى حركة طالبان المتشددة لاستثمارها من أجل التوجه نحو تطبيع اقتصادي لن يفك عنها العزلة الدولية، خاصة بعد تجديد فرنسا ليل السبت تأكيدها على أنها لن تعترف بحكومة طالبان ولن تقيم معها أي علاقات.
كابول - بدأت أفغانستان تخطو خطوات نحو تطبيع اقتصادي من غير المتوقع أن يُخرج حركة طالبان المتشددة من عزلتها الدولية التي فاقمتها على ما يبدو بإعلان تشكيلتها الحكومية.
وفي وقت متأخر من ليل السبت اتهمت فرنسا طالبان بالكذب مشيرة إلى أنها لن تقيم أي علاقات مع الحركة.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “قالوا إنهم سيسمحون لبعض الأجانب والأفغان بالرحيل بحرية وتحدثوا عن حكومة شاملة وممثلة لكافة الأطياف لكنهم يكذبون”.
وتابع في تصريحات لتلفزيون “فرانس 5” أن “فرنسا ترفض الاعتراف بهذه الحكومة أو إقامة أي شكل من العلاقات معها. نريد أفعالا من طالبان وسيحتاجون إلى متنفس اقتصادي وعلاقات دولية. الأمر متروك لهم”.
ويرى مراقبون أن هذه المواقف تعزز التكهنات القائلة بأن عزلة طالبان الدولية ستتعمق خاصة بعد الإعلان عن تشكليتها الحكومية التي لاقت رفضا واسعا.
ويأتي ذلك رغم محاولة القيادة الجديدة لأفغانستان التوجه نحو تطبيع اقتصادي للبلاد مع توقّع استئناف الرحلات التجاريّة إلى مطار كابول، وذلك بعد عشرين عامًا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي أدّت إلى إطاحة نظام الإسلاميّين.
وغيّرت هذه الهجمات التي نفّذها تنظيم القاعدة تاريخ أفغانستان. وقرّرت واشنطن بعدها غزو البلاد لإطاحة طالبان من السلطة، بعدما اتّهمتها بإيواء قادة من تنظيم القاعدة.
واستمرّت هذه الحقبة طوال عقدين وانتهت في الخامس عشر من أغسطس مع عودة طالبان إلى السلطة بعد الانسحاب العسكري الأميركي الفوضوي.
وانتشرت شائعات في الأيّام الأخيرة عن احتمال تولّي حكومة طالبان الجديدة مهامها رسميًا السبت، لكن لم يصدر أيّ إعلان في هذا الصدد.
وقال محمد الزواد الموظّف في مصرف “إنّه يوم للولايات المتحدة وليس لأفغانستان”. وبالنسبة إليه، فإن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر “لا علاقة لها بأفغانستان، لكنّها جعلتنا نُعاني”.
واتُخذت خطوة نحو التطبيع الاقتصادي بإعلان الخطوط الجوّية الباكستانيّة استئناف رحلاتها التجاريّة الاثنين، من إسلام آباد إلى كابول إثر توقّفها بعد الخامس عشر من أغسطس.
وقال متحدّث باسم الشركة الباكستانيّة “في هذه المرحلة تلقّينا 73 طلبًا من ركّاب مهتمّين. وهذا أمر مشجّع للغاية”.
جان إيف لودريان: فرنسا ترفض الاعتراف بحكومة طالبان أو إقامة أي علاقات معها
وأضاف أنه تلقّى طلبات كثيرة من منظّمات إنسانيّة غير حكوميّة وصحافيّين راغبين في التوجّه إلى كابول.
وكانت رحلة دوليّة أولى غير تجاريّة لإجلاء الركّاب من كابول إلى قطر أقلعت الخميس، تلتها الجمعة أخرى على متنها 158 راكبًا بينهم أميركيون وألمان وكنديون وفرنسيون وهولنديون وبلجيكيون ومن جزر موريشيوس.
وفي نهاية أغسطس كان مطار كابول مسرحًا لمشاهد فوضى، مع وجود الآلاف من الأفغان الخائفين من عودة طالبان أو الباحثين عن حياة أفضل في الخارج، محاولين بأيّ ثمن الصعود إلى إحدى رحلات الجسر الجوّي الذي نظّمته الولايات المتحدة ودول أخرى.
وأجلي أكثر من 123 ألف شخص، معظمهم أفغان، في إطار هذه العمليّة التي تخلّلها في السادس والعشرين من أغسطس اعتداء أسفر عن أكثر من 100 قتيل تبنّاه الفرع المحلّي لتنظيم الدولة الإسلامية.
ودافع الرئيس الأميركي جو بايدن السبت على هامش المراسم التي أقيمت في الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر مجدّدًا عن قراره سحب قوّات بلاده من أفغانستان، قائلا إنّ الولايات المتحدة لا يمكنها “غزو” كل بلد توجد فيه “القاعدة”.
وقال لصحافيّين في شانكسفيل في بنسلفانيا، حيث تحطّمت إحدى الطائرات الأربع التي خطفها جهاديّو القاعدة قبل 20 عامًا “هل يمكن أن تعود القاعدة؟ نعم، لكنّني سأقول ذلك لكُم لقد عادوا بالفعل في أماكن أخرى”.
وأضاف بايدن “ما هي الاستراتيجيّة؟ يجب أن نغزو كلّ الأماكن التي توجد فيها القاعدة ونترك قوّاتنا هناك؟ فلنكُن جادّين”.
وكرّر الرئيس الأميركي الذي تعرّض لانتقادات شديدة بسبب الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في الحادي والثلاثين من أغسطس أنّ محاولة توحيد الأفغان كانت خطأ.
ويعتبر بايدن أنّ الأميركيين أنجزوا مهمّتهم عبر قتل أسامة بن لادن مؤسّس القاعدة وتحييد الشبكة الجهاديّة في قاعدتها الأفغانيّة.
وانتقد الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب من جهته خليفته الديمقراطي بشدّة، خارقًا بذلك جوّ الوحدة الوطنيّة الذي ساد فعاليّات الذكرى العشرين للهجمات.
واستنكر ترامب “عدم كفاءة” بايدن، مندّدًا بالانسحاب “الرهيب” من أفغانستان.
وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع على عودتها إلى السلطة، بدأت طالبان بكشف النقاب عن خططها، لاسيّما تقديم الحكومة الجديدة بقيادة عدد من كوادر الحركة المتشدّدين الذين كانوا في السلطة في عهدها الأوّل (1996 – 2001).
وتتكوّن الحكومة حصرًا من أعضاء الحركة الإسلاميّة في غياب العنصر النسائي.
ومقارنة بتسعينات القرن الماضي اتّخذ الإسلاميّون خطوات إلى الأمام، مثل السماح للنساء بالدراسة في الجامعة، لكنّهم وضعوا قواعد صارمة لذلك، وبالتالي سيُفرض عليهنّ “ارتداء الحجاب والنقاب وكذلك حضور دروس في فصول غير مختلطة”.

كما أشار النظام الجديد إلى أنّه لن يُسمح للنساء بممارسة الكريكت والرياضة عمومًا.
وأثارت هذه الإجراءات قلق جزء من المجتمع الدولي والسكّان الذين يتذكّرون وحشيّة نظام طالبان في التسعينات.
ونُظّمت تظاهرات نسائية عدّة للمطالبة خصوصًا بالحقّ في العمل بالخارج، وكذلك لمعارضي النظام في الأيّام الأخيرة في كابول وفي مدن رئيسيّة أخرى في البلاد. وفرّقت طالبان المحتجّين بوحشيّة في بعض الأحيان.
وفي المقابل تجمّعت بضع مئات من الأفغانيّات المنقّبات في مدرج بجامعة كابول تعبيرًا عن دعمهنّ لنظام طالبان الجديد.
ولوّحت النساء اللواتي بلغ عددهن 300 امرأة، معظمهنّ بالنقاب الأسود، بأعلام طالبان وهن يستمعن إلى متحدّثات قدِمن للدفاع عن إجراءات النظام الجديد.
وانتقدت النساء كلّ اللواتي نزلن إلى الشارع في الأيام الماضية للمطالبة باحترام حقوقهنّ.
وقالت طالبة تدعى شبانة عمري لفرانس برس إنّها تؤيّد سياسة طالبان بأن ترتدي جميع النساء الحجاب.
واعتبرت أنّ “اللواتي لا يضعن الحجاب يُسئن إلينا جميعًا”.
ورأت سمية من جهتها أنّ الوضع تحسّن منذ عودة طالبان.
وقالت “لن نرى بعد الآن السافرات”، مضيفة “ستكون النساء بأمان. نحن ندعم حكومتنا بكل قوتنا”.
ومن جهتها أكدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) الجمعة أنّ أفغانستان تواجه خطر حدوث انتكاسة لمسار عقدين من المكاسب التعليمية للأطفال خصوصًا الفتيات.
وأفادت الوكالة الأممية في بيان “يُتوقّع ارتفاع عدد النازحين في الداخل، ما يزيد خطر حدوث خسائر في التعليم في أوساط الأطفال، ما يعني كارثة أجيال ستؤثّر سلبًا على التنمية المستدامة للبلاد لسنوات”.