التربية السلبية خطوة نحو خسارة الأبناء

بحث الآباء عن السلوك الخاطئ وتصحيحه يجنّبهم اللجوء للعقوبة.
الأربعاء 2021/09/01
توافق توقعات الأمهات مع قدرات أطفالهن يجنبهن الانتقادات

يهدف الآباء إلى تقويم سلوك أبنائهم بأساليب تربوية سلبية فيدفعونهم إلى الابتعاد عنهم في خطوة تعتبر الأولى نحو خسارتهم. ويشير خبراء التربية إلى أن التربية السلبية تدمر صحة الطفل العقلية والبدنية وتؤدي إلى نتائج عكس ما يتوقعه الآباء.

يؤكد خبراء علم الاجتماع على أن الهدف من التربية هو إيجاد أبناء يتمتعون بالصحة النفسية والعقلية والجسمية وتربطهم بوالديهم علاقة مودة واحترام، وهو ما تسعى إليه أساليب التربية الإيجابية. وبالمقابل هناك مجموعة من الأساليب السلبية التي يجب على الآباء والأمهات تجنبها، لأنها تعد أولى الخطوات نحو خسارة الأبناء.

ويشير الخبراء إلى أن تأثير التربية السلبية مدمر على صحة الطفل وعلاقته بوالديه، وخصوصا العقاب البدني والصراخ والتسلط والحماية الزائدة والتساهل والانتقاد والتهديد.

ويعد العقاب البدني من أسهل الطرق التي يمكن  استعمالها مع الطفل في حالة ارتكابه خطأ ما، لأنه على المدى القصير يجعل الطفل يتوقف عن السلوك السيء الذي يُعاقب من أجله. لكن هذا الأسلوب يعتبر من أسوأ الأساليب التربوية ومع ذلك يميل الكثير من المربين إلى استعماله.

تأثير التربية السلبية مدمر على صحة الطفل وعلاقته بوالديه، وخصوصا العقاب البدني والصراخ والتسلط والحماية الزائدة

كما يعتبر النقد الاستراتيجية رقم واحد التي يستخدمها الآباء لتحفيز أبنائهم على الطاعة والتغيير نحو الأفضل، لكن ممارسة النقد باستمرار قد تؤدي إلى نتائج عكسية وقد تجعل الأطفال ينفرون من والديهم.

وقال الخبير التربوي عبدالله محمد عبدالمعطي إن هناك سببا آخر يجعل الآباء يمارسون سياسة النقد والإدانة والاتهام مع أطفالهم، إنّه الميراث التربوي، فكلّ جيل من الآباء يتعلم هذه الطريقة من الجيل الذي سبقه، والمنطق الذي يحكم هذا الميراث هو أنّ الأطفال يقعون في الأخطاء وليست لديهم خبرة بالصواب، ولذلك يكون على شخص آخر أن يرشدهم إلى عيوبهم.

وأضاف أنه على اعتبار أنّنا الآباء، فيجب علينا تحمل تلك المسؤولية، وبهذه الطريقة تجد هذا الأب الحاني يركز مع أولاده على كلّ ما هو سلبي وسيء في سلوكياتهم، وعندما يستمر الأب في إخبار ابنه بأنّه كسول وغير مطيع، فالمرجع أنّ الابن سوف يصدق هذه الحقيقة عن نفسه، ويتصرف طبقا لهذا التصور.

وتابع “عندما يسمع الطفل من والديه أنّه غبي، ويسمع الكلمة نفسها من معلمه ومدربه وأصدقائه، فإنّه سيصدق ما اتفق عليه الجميع، عندما ينظر في المرآة لن يرى إلّا شخصا غبيّا”.

ونصح عبدالمعطي الآباء بالبحث عن السلوك الخاطئ الذي يريدون علاجه وانتظار المرة التي يتحسن فيها سلوك طفلهم ويصوّب هذا الخطأ ثم يمدحون سلوكه الطيب بصدق واعتدال ويفعلون ذلك مرات عديدة وستكون النتيجة أن يتغير نحو الأفضل.

ووضع خبراء التربية أربع طرق يخرج بها الآباء أفضل ما في طفلهم.

وقالوا إن هناك عدة طرق يمكن للآباء من خلالها أن يركزوا على جوانب أطفالهم الإيجابية، ويظهرونها ويمدحونهم حتى يؤمنوا بها ويزيدوا من ممارستها لتصبح واقعا عمليا في حياتهم وخلقا يتحلون به طوال عمرهم.

التربية السلمية مفتاح نجاح الأبناء
التربية السلمية مفتاح نجاح الأبناء

ومن هذه الطرق الحوار المباشر بين الأب وابنه، ويستحسن أن يتم ذلك قبيل النوم، لأنّ كلماته ستتردد في ذهنه مرات ومرات قبل أن يستغرق في نومه، وعندما يستيقظ ستظل هذه الكلمات تتردد في ذهنه، مما يجعله يسعى، وبمنتهى الحماس، للتصرف طوال هذا اليوم في ظل هذه الصفات الإيجابية التي أخبره أنّه يتحلى بها.

كما يمكن للآباء تمرير معلومات إيجابية إلى طفلهم؛ كأن يتحدثوا مع شخص آخر في غير وجوده، مع الحرص على أن تصل كلماتهم إلى مسامعه، فيمكن للأب مثلا أن يجلس مع زوجته ليتحدثا معا عن ابنهما، وكيف أنّه قام اليوم بمساعدتها، وكيف أطاعها واشترى لها ما تريد، وكلّ هذا وهو في حجرته والصوت يصله وكأن هذا غير مقصود منهما.

وسيساعد هذا الأسلوب الأبناء على بناء ثقة تامة في أنفسهم،على عكس أسلوب التهديد الذي سيزعزع ثقتهم بأنفسهم.

ويتمثل أسلوب التهديد في قول الآباء للطفل إن لم تذهب للنوم حالا سأضربك أو أفعل بك شيئا، هذا الأسلوب وما يتضمنه من صراخ وعبارات غير منطقية وغير عادلة، يثير مخاوف الطفل ويجعله لا يشعر بالأمان والقبول.

ويعتبر التسلط أسلوبا غير عادل لأنه لا يراعي احتياجات الطفل النفسية والعاطفية، فالآباء في هذه الحالة يفرضون على الطفل قواعد بشكل صارم لا مرونة فيها وتتنكر لمشاعره. ويعتبره الخبراء أسلوبا يحمل في طياته معاني القسوة والخوف والخنوع، ولا يساعد على تطوير قدرة الطفل على تعلم كيفية تحمل مسؤولية ما يقوم به من نشاط وواجبات يومية، نظرا لأن هناك من يفكر في ذلك نيابة عنه.

أما مقارنة الطفل بالأقران، سواء أكانوا إخوة أو أطفال آخرين، فتعتبر من الأخطاء الشائعة التي يقوم بها الآباء بنية حسنة لتشجيع أبنائهم، لكنها لا تحفز الطفل على التغيير، بل تزعزع ثقته بنفسه وتشعره بالدونية أمام الآخرين.

ولتشجيع الأطفال على الاستماع والتعاون، تقدم الكاتبة الحاصلة على ماجستير في علم النفس أريادن بريل، في مقال لها بموقع “بوستف بارنتنغ” استراتيجيات استباقية من أهمها أن تقوم الأم بشرح الحدود والقواعد بالمنزل، يعني التخلص من الكثير من المشكلات جيدا قبل أن تنمو وتؤدي بها إلى مطاردة أطفالها والصراخ عليهم. كما أن الحفاظ على الحدود يساعد الأطفال على تعلم الثقة في إرشاداتها والالتزام بها.

ويعد ضبط التوقعات استراتيجية استباقية تغني الأم عن التربية السلبية، فغالبا ما لا يهتم الأطفال في سن المدرسة بأداء الواجب المنزلي. وعندما تعرف ذلك فستتوقع ما سيقومون به.

العقاب البدني يعد من أسهل الطرق التي يمكن استعمالها مع الطفل في حالة ارتكابه خطأ ما، لأنه على المدى القصير يجعل الطفل يتوقف عن السلوك السيء الذي يُعاقب من أجله

وعندما تتوافق توقعات الأم مع قدرات أطفالها، فسيتم التعامل مع طلباتها بشكل أفضل ولن يكون الصراخ أو الإلحاح أمرا ضروريا.

ويمكن أن تحفز الأسئلة الأطفال على القيام بمهامهم الخاصة دون الحاجة إلى التكرار، كأن تسأل الأم ابنها ما الذي لا يزال يتعين عليه القيام به الآن، أو هل نسي شيئا كان عليه القيام به قبل الذهاب إلى السرير، فهذا النوع من الأسئلة يعد واحدا من الأشياء المفضلة لتحفيز الأطفال، ويدعو إلى التعاون مع السماح للأطفال بالشعور بالقدرة والكفاءة.

وغالبا ما يقوم الأطفال بالمطلوب منهم عندما يتم ذلك وجها لوجه عند الحديث معهم في نفس مستوى أعينهم أو أقل منه، علاوة على التحدث بلطف وخفض صوتك بالتأكيد، لأنه كلما علا صوت الآباء، قلّ سماع الأبناء، رغم أن الآباء يعتقدون أن الصوت الأعلى يخترق الأذنين ويزيد السمع. لكن المشكلة هي أنه عندما يرفعون أصواتهم، يضعون الأطفال تلقائيا في موقع الدفاع.

وقال الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة إن “التنشئة غير السليمة للأبناء تكون إما نتيجة إفراط في العنف الأسري وإما تفريط في شروط التربية المتوازنة”.

وأضاف لـ“العرب” أن التربية السلبية لها عواقب وخيمة على شخصية الطفل وسلوكه… فقد ينشأ سلبيا في الحياة بانغلاقه عن المجتمع أو أن يعاديه ويكون عضوا منحرفا فيه… لذا فالمطلوب هو تأمين تربية متوارثة سلفا عن خلف في المجتمع العربي، وهي التربية على المحافظة وعلى قيم الحياء والخير والتضامن والوسطية أو عن طريق المعارف البيداغوجية الحديثة، التي تبني شخصية متوازنه وسليمة وإيجابية مؤهلة للنجاح المستقبلي أسريا ودراسيا ومهنيا واجتماعيا.

21