التحري الإلكتروني وسيلة للوصول إلى خزائن أسرار العريس

أسر مصرية ترهن الموافقة على العريس بشخصيته على المنصات الاجتماعية.
الاثنين 2019/12/16
حساب العريس على مواقع التواصل الاجتماعي مفتاح لفهم شخصيته

ترى الكثير من العائلات أنه مهما بلغت مثالية الشاب، وتقديم نفسه لأفراد أسرة الفتاة بطريقة متحضرة وراقية لإقناعهم بالموافقة عليه، فإن هناك جزءا خفيا من حياته يصعب الوصول إليه إلا عن طريق البحث في أفكاره ودائرة علاقاته وانتماءاته السياسية والعائلية، وربما يكون حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي مفتاح فهم شخصيته على حقيقتها.

القاهرة - عندما أبلغ أحد أقارب إيمان رزق -وهي صحافية في إحدى المؤسسات الحكومية- بأن زميلا له في الشركة التي يعمل بها يريد التقدم لخطبتها، لم ترد على الأمر سوى بطلب اسم العريس، للسؤال عنه أولا، وبالفعل حصلت على بياناته، ولم تمر ساعات حتى وصلت إلى حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لتعرف المزيد عنه، خاصة ما يتعلق بسماته الشخصية.

فوجئت إيمان عند تصفح حساب الشاب بأن أكثر المنشورات التي يكتبها على صفحته تنم عن شخصية سطحية إلى درجة بعيدة، وأغلب أفكاره رجعية، مثل اعتبار حجاب المرأة دليلا دامغا على تدينها وحسن سلوكها وتربيتها، وأن الفتيات اللاتي يرتدين الملابس التي تستجيب للموضة الرائجة، متحررات ويصفهن بأبشع العبارات. كانت المفاجأة أنه يرفض مبدأ عمل المرأة المتزوجة.

لم تُصدَم الفتاة بحجم الأفكار المتطرفة التي يحملها الشاب في مخيلته ولا يفصح عنها بسهولة، فقد اعتادت أن تتحرى شؤون كل عريس يتقدم لخطبتها بالطريقة ذاتها، وتكتشف أكثر من ذلك. وفي كل مرة ترفض فكرة جلوسه مع والدها من الأساس، باعتبار أن الصفحات الشخصية على منصات التواصل أصبحت مرآة تعكس الجزء الأكبر من الصفات السيئة للبشر مهما ادعوا المثالية في الواقع.

ما فعلته الصحافية الشابة، بالاعتماد على شبكات التواصل لتحري شؤون العريس، لم يكن فعلا استثنائيا من فتاة واعية لجأت إلى طرف محايد للسؤال عن حقيقة الشخص الذي يفترض أنها سوف تعيش معه باقي حياتها، لكن الأمر تخطى ذلك، وأصبح عرفا لدى أغلب الأسر، بأن يقوم الأب أو الأم أو الأخوات بالبحث عن الشاب وخلفياته في العالم الافتراضي قبل السماح له بالتقدم رسميا لخطبة الفتاة.

ويتذكر محروس محمد -وهو معلم ورب أسرة- أنه حينما تقدم أحد الشباب لخطبة ابنته، طلب أن يتوضأ ويصلي بذريعة أنه لم يعتد تأخير الصلاة عن موعدها، وقال الأب لـ”العرب”، “لا أنكر أنني توسمت فيه خيرا، ورأيت حينها أنه شاب مثالي ومتدين وسوف يحافظ على ابنتي، ولم أخف حينها موافقتي المبدئية على ارتباطه بها بعد الحصول على موافقتها”.

غير أن الصدمة التي تلقاها الأب، عقب انتهاء زيارة العريس، عجلت التواصل معه هاتفيا، ليبلغه بأن “كل شيء قسمة ونصيب”، أيّ أن الأسرة رفضت ارتباطه بابنتها، واعتقد الشاب آنذاك أن الفتاة لم توافق عليه، وأصر على أن يعرف السبب من الأب الذي أبلغه بأنه يحتفظ بالسبب لنفسه.

وقال والد الفتاة لـ”العرب” إنه “عندما وصلت إلى الصفحة الشخصية للشاب على موقع التواصل الاجتماعي، اكتشفت أن إصراره على الصلاة في منزلي كان خدعة لإقناعي بأنه شاب ملتزم دينيا، والحقيقة أنه دائما ينشر صور راقصات، ويكتب منشورات تحتوي على ألفاظ وشتائم مشينة وبشعة، وشعرت بأنه مدمن من كثرة تمجيده للكحوليات، وكيف تتسبب في تحسين المزاج”.

نبذة عن شخصية الانسان
نبذة عن شخصية الانسان

والمفاجأة، أن الأب عندما سأل بعض جيران الشاب عن سلوكه، قبل يوم واحد من تقدمه لخطبة ابنته، لم يذكره أحدهم بسوء، واكتشف أن أغلبهم تحدثوا عنه بطريقة إيجابية خشية أن يتحملوا مسؤولية إفشال الخطبة قبل أن تبدأ، أو يصل إلى العريس ما يفيد بأنهم تحدثوا عنه بشكل سلبي مما يؤثر على علاقتهم بأسرته.

ولم يعد لجوء الأسر إلى الأقارب والمعارف للتحري عن شخصية العريس، وسيلة آمنة للحصول على معلومات تساعد عائلة الفتاة على اتخاذ قرار مناسب قبل قبول الشاب أو رفضه.

ويرتبط تراجع الاعتماد على دائرة معارف العريس لمعرفة أدق تفاصيل حياته، بأن الناس أصبحوا يحكمون على المظاهر فقط، فقد يكون صاحب خُلق رفيع وينتمي إلى عائلة محترمة، لكن يصعب الوصول إلى خفايا أفكاره وثقافته وانتمائه السياسي، ومدى ارتباطه بجماعات وتيارات مناهضة للسلطة.

وتخشى الكثير من الأسر زواج فتياتها من شباب لديهم توجهات سياسية معارضة، لأن ذلك قد يتسبب في منغصات ومشكلات للفتاة وأولادها مستقبلا. وحتى إن أخفى الشاب ميوله عن أفراد عائلته أو جيرانه، يمكن بسهولة معرفتها من خلال تتبع حسابه الشخصي، وطبيعة كتاباته وتعليقاته على الأحداث، وأفكاره التي يعرضها بين حين وآخر على أصدقائه ومتابعيه.

وتعكس هذه الحالة فكرة أن الأسرة لم تعد مهتمة بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للشخص المتقدم لخطبة الفتاة، بقدر ما تبحث عن شاب متصالح مع ذاته وصاحب عقلية متزنة، حتى يكون أمينا على الفتاة، ولا تعيش معه حياة مليئة بالمشكلات. ولم يعد شرط رُقي الوظيفة والوفرة المالية والانتماء إلى عائلة كبيرة وحده الذي يمكن الاعتماد عليه لتأسيس أسرة مستقرة وآمنة.

وتؤشّر ثقافة التحري الإلكتروني عن العريس للوصول إلى خزائن أسراره -حتى وإن وصفه الأقارب والمعارف بأنه مثالي إلى أقصى درجة- على تراجع ظاهرة تزويج الفتاة سريعا خوفا من أن تحمل لقب عانس، وأصبحت عائلات كثيرة على درجة كبيرة من الوعي، بالتمهل في الموافقة على زواج الابنة من أي شاب يتقدم لخطبتها قبل التحري عن خفايا حياته الشخصية.

وقال عادل بركات -وهو باحث ومحاضر في العلاقات الأسرية- إن تراجع اعتماد الكثير من الأسر على العنصر البشري، يرتبط بأن أغلب الناس يعتبرون أن الإدلاء بمعلومات سلبية عن العريس أو أسرته قد يعرضهم لمشكلات اجتماعية، أو الإحساس بالذنب والشعور بأنهم سبب فشل إتمام الارتباط.

وأضاف لـ”العرب” أن استخدام الصفحات الشخصية في التحري عن العريس، لا يعطي أسرة الفتاة نتائج حقيقية، لأن الواقع الافتراضي على شبكة الإنترنت لا يعكس وحده طبيعة فكر وثقافة الإنسان، فهناك من يدعون المثالية وهم مخادعون بالأساس، والعكس صحيح، وهناك من يمتلكون أكثر من حساب إلكتروني وتصعب قراءة شخصياتهم المتنكرة والحكم عليها بأنها حقيقية.

21