التجاهل بين الأزواج: إثارة للعواطف أم وسيلة لتدمير العلاقة

يؤكد علماء النفس أن أسلوب التجاهل بين الزوجين قد يكون مفيدا في استمرار العلاقة الزوجية إذا كان تجاهلا صحيا، خصوصا وأن الاهتمام المفرط من أحدهما تجاه الآخر يولد نتيجة عكسية.وقد يكون التجاهل مدمرا للعلاقة بين الشريكين في حال اتخذ كعقاب وقت الخلافات، ويصف المختصون التجاهل في هذه الحالة كأصعب أنواع العقاب لأنه ينشط نفس المنطقة التي ينشطها الألم الجسدي في الدماغ.
يشير الخبراء والمدربون المعتمدون في التنمية البشرية إلى أن اهتمام المرأة بزوجها واعتنائها بأدق تفاصيل حياته غالباً ما يأتي بنتيجة عكسية تفقد معها المرأة اهتمامه بها ومراعاته لمشاعرها.
وينصحون في هذا الجانب بالتجاهل كأسلوب لكسب اهتمام الرجل، لكن بطريقة صحية تعزز العلاقة بدلا من أن تهدمها.
وقالت نورا المرزوقي مدربة محترفة معتمدة في التنمية البشرية إن الزوج قد يفسر اهتمام زوجته وحرصها على راحته كنوع من السيطرة أو التحكم أو عدم الثقة أو فرض قيود على حياته، فيبدأ بالانسحاب والتجاهل في سبيل إيجاد راحته النفسية.
وأضافت أن إفراط المرأة في التعبير عن حبها ومشاعرها تجاه زوجها غالباً ما يقتل في داخله الفضول تجاهها، فلا يفتقدها أو حتى يبادر بالسؤال عنها، مشيرة إلى أن الرجل ملول بطبعه، ويحب أن يشعر بالاستقلالية حتى بعد الزواج كما يتمسك بحريته وقراراته.
وأوضحت المرزوقي أن تجاهل المرأة للرجل هو أحد الحلول المجدية، مقابل أن لا تتخلى عن مسؤولياتها تجاه بيتها وأبنائها وزوجها، مشيرة إلى أنه على المرأة ممارسة تجاهل صحي يحافظ على العلاقة الزوجية، كأن تقوم بتقليل اتصالاتها المتكررة بزوجها، وألا تذكره بما يجب أن يفعله لها، أو تملي عليه الكلام الذي تحب سماعه، كما أن عليها تجنب الثرثرة الزائدة وأن تدبر شؤون المنزل والأطفال قدر الإمكان دون الرجوع إليه كل دقيقة.
وقالت خبيرة التنمية البشرية إن هذا السلوك سيجعل الزوج يقبل على المبادرة والسؤال وسيثير اهتمامه وفضوله.
وأكد طارق الشميري خبير إتيكيت أن متابعة المرأة الدقيقة لتفاصيل حياة زوجها في العمل ومع أصدقائه، ومطاردتها له تعزز نفوره منها، لافتا إلى أن تجاهل الرجل من هذه الناحية يأتي بنتائج إيجابية، حيث أن عاطفة المرأة تجاه زوجها تدفعها أحياناً للعب دور رجل تحريات دون قصد، وعندما تهمل المرأة هذا الدور يشعر الرجل بارتياح أكبر أثناء التعامل معها، ويصبح أكثر فضولاً للسؤال عنها.
وقال الشميري إن المرأة التي تفهم نمط حياة زوجها تستطيع التعامل معه بسلاسة وسهولة، كما أوضح أن الحب العقلاني هو الذي يستمر ويزهو مع الأيام.
وأشار إلى أن العلاقات تبدأ غالباً بحب كبير من كلا الطرفين، وبعد مرور مدة معينة تدخل في مرحلة البرود ويشعر أحد الطرفين بالضيق والانزعاج نتيجة تغير طباع وسلوكيات الطرف الآخر، وهذا طبيعي، وبما أن المرأة أكثر تأثراً بهذه التغيرات، فإنها تسعى دائماً للإبقاء على الأشياء كما كانت في البداية، وهذا ليس صواباً ولا ينم عن حكمة وحنكة في التعامل، وكل ما عليها فعله هو التأقلم مع طرائق زوجها الجديدة بالتعبير عن الحب والاهتمام.
ونصح الشميري الزوجات بأهمية الالتفات لأنفسهن، مشيرا إلى أنه عليهن التخفيف من هذا الاهتمام الذي قد يتحول إلى مصدر إزعاج للزوج حفاظاً على صحتهن النفسية.
وقالت المرزوقي إن ملاحقة الزوج بالتودد الزائد والأسئلة وإظهار الاهتمام بشكل مبالغ فيه، يضع الزوج تحت ضغط نفسي، ويجعله أقل اكتراثاً بالسعي نحو رضا زوجته. وينصح خبراء علم النفس والاجتماع بالتجاهل الصحي داعين إلى تجنب التجاهل الذي قد يكون سببا في هدم العلاقة الزوجية.
وقال محمد الحمزة الأخصائي الاجتماعي السعودي لـ”العرب” إن بعض الأزواج وبالذات الرجال يتعمدون استخدام أساليب مختلفة من العقاب أثناء وقت الخلافات، إذ يلجأون أحياناً إلى العقاب بـالصمت أو التجاهل.لافتا إلى أن الأبحاث أظهرت أن التجاهل يُنشط نفس المنطقة من الدماغ التي ينشطها الألم الجسدي، وهو ما يجعل العقاب بالصمت أو التجاهل، من أصعب أنواع العقاب التي يلجأ إليها الأزواج تجاه بعضهم البعض.
ويقلل التجاهل من رضا العلاقة لكلا الشريكين، ويقلل من مشاعر الحميمية بينهما، ويقلل من القدرة على التواصل بطريقة صحية.
إفراط المرأة في التعبير عن حبها ومشاعرها تجاه زوجها غالبا ما يقتل في داخله الفضول تجاهها وقد يؤدي إلى إهمالها
ولفت الحمزة إلى أن إلقاء كلا الزوجين اللوم على الآخر يجعل الزوج يقرر تجاهل زوجته لإجبارها على الشعور بالذنب وبأنها السبب في وقوع هذا الخلاف بينهما. وكذلك شعور الزوج بأن زوجته شخصية متطلبة وكثيرة النقد بشكل دائم، يجعله يقرر تجاهلها وعقابها في محاولة منه لتغيير شخصيتها.
وأكد الحمزة أن وجود فجوة كبيرة بين الزوجين وعدم قدرتهما على التفاهم أو التوصل إلى حل لمشاكلهما يجعل الزوج يقرر تجاهل زوجته نتيجة فشله في إيجاد حل لخلافاتهما المستمرة، كما أن وجود أطفال في صغار السن بالمنزل يجعل الزوج يُفضل عدم التشاجر أو إظهار الخلاف مع زوجته أمامهم، وهو ما يجعله يقرر عقابها بالصمت أو التجاهل في محاولة منه لإظهار مدى ضيقه أو غضبه منها.
ونصح الحمزة الزوجة بالتعامل بلطف وهدوء مع زوجها إذا تجاهلها في حالة الغضب، والحرص على تلبية جميع طلباته اليومية، مثل الطعام والملابس وغيرها، دون إظهار الضيق أو الغضب من صمته. وقال الحمزة إذا رفض أحد الزوجين الحديث وتركه الآخر ليهدأ ثم يعاود المحاولة في اليوم التالي فإن ذلك سيكون مجديا. كما نصح بتجنب الشجار تماماً خلال هذه الفترة لأن ذلك سيزيد من المشاكل.
كما أكدت شريهان الطيب طالبة سودانية أنها عموما ضد أسلوب التجاهل في كافة العلاقات داعية إلى أن يكون الحوارهو اللغة الأساسية لحل المشكلات، لأن التجاهل يزيد من حالة الغضب عند الطرف الآخر ويزيد من حبل العناد بين الطرفين.
وقالت الطيب لـ”العرب” إن “التجاهل يكون الغرض منه عادة إثارة المشاعر، لكن قد تكون النتيجة عكسية وهي تدمير العلاقة، لأن المشاعر التي تتم إثارتها هنا هي الحنق والغضب والبرود العاطفي تجاه الطرف الآخر”.
بدوره أكد الباحث التونسي الصحبي بن منصور أن أساس العلاقات الزوجية هي المساكنة والتوادد والاحترام وأن سياجها القيم التي تحفظ سلامتها ودوامها.
وأشار بن منصور إلى أن هنالك آدابا معلومة في العلاقة بين الزوجين ليس فيها التجاهل، لكن هنالك الإعراض الذي هو نوع من التأديب. وإذا تجاهل أحد الشريكين الآخر فإن كان ذلك من قبيل الإهمال فإن ذلك مرفوض بإطلاق. وإن كان من قبيل الدلال أو التأديب فإن مقبوليته تكون في حدود اعتداله حتى لا تؤدي إلى تقويض العائلة.
وقال لـ"العرب"، "مع ذلك فالتجاهل حسب الصياغة اللغوية هو بمعنى التظاهر... أي أنه ليس قرارا مؤبدا وإنما هو ممارسة مؤقتة الهدف منها تعديل الخطاب أو السلوكيات أو العادات بين طرفي الأسرة".
ويبقى الحوار هو البديل الأمثل لإصلاح كل تنافر صغر أم كبر بين الأزواج، لأن التجاهل هو أسلوب متخذ من طرف واحد وعلى مزاجه. وقد يفهم على وجه الخطأ أو يقدّر على أنه ابتزاز معنوي أو مقايضة بين الزوجين.