الباحثون عن النور

السبت 2017/08/19

قد لا ينتبه الكثيرون من زوار المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء إلى رواق صغير استثنائي يطبع المعرض منذ خمس سنوات.

أما زوار الرواق من الأطفال فيأتون كل صباح، في صفوف متراصة، أياديهم متشابكة، يخطون ببعض الحذر، منتظرين إشارات سرية من مؤطرهم، إما لتغيير الاتجاه وإما لتجنب ممر مختنق. وأما الرواق الذي يُشرف عليه رشيد الرفاعي وزوجته الفرنسية فهو موجه إلى قراء اعتادوا تلقي النصوص عبر لمسات أياديهم الصغيرة.

قبل كل دورة من المعرض، يحرص رشيد الرفاعي على حيازة رواقه بشكل مبكر. في كل زياراته لي، لم يسبق له أن أشعرني بحاجته إلى المساعدة. حسُّه الداخلي يقوده إلى مكان الجلوس بخفة، ثم يدخل إلى الموضوع بشكل مباشر وعَملي يسبقه كثيرٌ من الحماس، مستفيدا من مساره الأكاديمي، حيث كان قد حصل على الدكتوراه في الماركوتينغ بإحدى جامعات باريس، بالإضافة إلى اشتغاله كإطار بنكي، رغم فقدانه للبصر منذ العاشرة من عمره.

حماسةُ الرفاعي كانت وراء انخراط عدد من دور النشر المغربية المختصة في كتاب الطفل في مشروعه من خلال منحه حقَّ إعادة طبع عدد من أعمالها، حيث تَجمعُ إصداراتهُ ما بين كتابة برايل والرسومات المجسمة التي يمكن تلمسها. لم يكتف الرفاعي بذلك، بل إنه كان سباقا إلى إصدار آخر دستور مغربي عن طريق كتابة برايل، إيمانا منه بحق ذوي الاحتياجات البصرية في الوصول إلى المعلومة كشكل من أشكال ممارسة المواطَنة الكاملة.

وإذا كان كل ذلك يحمل إشارات دالة، فإن الواقع يظل أكثر ظلمة، حيث لا يجب أن ننسى أنه قبل سبع سنوات فقط، لم يكن عدد المدارس الموجَّهة لذوي الاحتياجات البصرية، في المغرب، يتجاوز العشر مدارس، في الوقت الذي جاوز عددُ الأطفال غير المبصرين والذين كانوا في سن التمدرس، الخمسين ألف طفلا. ولنا أن نتصور عددَ الأطفال الذين يُفَوتون حقَّهم في التعلم، وذلك بمعزل عن الحديث عن حقهم في القراءة من باب المتعة.

ولا تبدو بقيةُ الدول العربية بعيدة عن هذا الوضع، إذ لم يفتح التاريخُ المبكر لدخول كتابة برايل ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر، الباب أمام تراكم على مستوى إنتاج الوسائط الموجَّهة لذوي الاحتياجات البصرية.

ولعل من عوامل هذا الوضع ارتباطَ دخول كتابة برايل بمبادرات فردية أو جمعوية، كما هو الأمر بالنسبة لمجلة “صوت الضمير” الصادرة في ثلاثينات القرن الماضي برام الله، والتي تُعتبر الأولى من نوعها في العالم العربي.

ولذلك، في اللحظة التي تعيشُ المجلةُ الوحيدة التي تصدر حاليا بالعالم العربي، “الأخبار برايل”، بصعوبة، أطلقت النقابة الوطنية للنشر بفرنسا، منذ سنوات، مشروعا لجعل الدخول الثقافي موجَّها للجميع، حيث سيكون القراء من ذوي الاحتياجات البصرية على موعد، خلال شهر أكتوبر القادم، مع مئات الروايات الجديدة. وتلك الطريقة الأفضل لتقاسم نور القراءة.

كاتب مغربي

17