الانسداد السياسي يُقرب تونس من انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة

اتحاد الشغل يضع الفرقاء أمام خيارين: الحوار أو تنظيم انتخابات.
السبت 2021/06/19
أزمة متشعبة

تونس - اقترب سيناريو الانتخابات العامة المبكرة في تونس خلال الساعات القليلة الماضية أكثر من أي وقت مضى في ظل حالة الانسداد السياسي التي لم تنجح الأطراف المشكلة للمشهد في تخطيها رغم اللقاء الأخير الذي جمع رأسي السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، والذي بعث برسائل طمأنة بشأن انفراج الأزمة.

فتحي العيادي: النهضة تدعم انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة لأوانها
فتحي العيادي: النهضة تدعم انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة لأوانها

وفي ظل بوادر فشل الحوار الوطني على وقع عودة التصعيد بين مختلف الأطراف، وخاصة تمسك الرئيس قيس سعيد بحوار يفضي إلى تغيير النظام السياسي، تصاعدت الدعوات للذهاب إلى انتخابات عامة مبكرة.

ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية ذات الوزن الكبير، إلى العمل على الخروج من الأزمة أو إعادة الكلمة إلى الشعب عبر انتخابات سابقة لأوانها.

وجدّدت الهيئة الإدارية للاتحاد في بيان نُشر مساء الخميس رفضها استمرار الأزمة السياسية وعمل مختلف الأطراف الحاكمة على تعميقها بمواصلة المناورات والتجاذبات والتراشق بالتهم وتعطيل أي حلّ ينقذ البلاد ويمنع عنها السقوط في الهاوية.

وحثت على الإسراع في تخطّي الأزمة السياسية والدستورية في أقرب الآجال أو المرور إلى انتخابات مبكّرة.

وقال عضو المكتب التنفيذي للاتحاد محمد علي البوغديري إن “الاتحاد لديه خيار أخير وهو الانتخابات العامة المبكرة لحلحلة الأزمة الحالية، والشعب هو من سيفرضها، الشعب سيدك حصون من أوصلوا البلاد إلى هذه الأزمة بالشارع”.

وأضاف البوغديري في تصريح لـ”العرب” أن “الاتحاد لا يزال متمسكا بمبادرة الحوار، ولا نرى حلولا إلا بالحوار. لكن إذا اقتضى الأمر فإن الانتخابات المبكرة العامة الرئاسية والبرلمانية تبقى الخيار الأخير الذي يمكن المضي فيه”.

محمد علي البوغديري: اتحاد الشغل لديه خيار أخير يتمثل في الانتخابات المبكرة
محمد علي البوغديري: اتحاد الشغل لديه خيار أخير يتمثل في الانتخابات المبكرة

ولاقت دعوة الاتحاد، التي بدت لافتة في توقيتها حيث تُشكل تطورا حقيقيا في موقف المنظمة النقابية التي ظلت لأكثر من ستة أشهر تنتظر تفعيل مبادرتها للذهاب إلى حوار وطني لمناقشة الأسباب الكامنة وراء الأزمة التي تعرفها تونس، ترحيبا من قبل العديد من الأوساط السياسية.

وأعرب الناطق باسم حركة النهضة الإسلامية فتحي العيادي عن تأييد حزبه لدعوة الاتحاد للذهاب إلى انتخابات مبكرة إذا فشل الحوار الوطني.

وقال العيادي في تصريحات إذاعية الجمعة “في ما يتعلق بالأزمة السياسية والحلول والمخرجات لا شك أنها ستكون موضوع حوار، وإذا تعطل الحوار فإن الحركة تطرح أيضًا مسألة المرور إلى انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها كأحد الحلول، لكن هذا الحل يحتاج أيضا إلى تهيئة وشروط، منها تعديل القانون الانتخابي وإرساء المحكمة الدستورية”.

ويأتي هذا الموقف، الذي يعكس تخوّف حركة النهضة من استمرار حالة الجمود السياسي في ظل رفض الرئيس سعيد حوارا وطنيا يستثني مراجعة نظام الحكم والدستور، ليؤكد أن الأزمة الحادة صارت تُقرّب تونس أكثر من أي وقت مضى إلى الانتخابات السابقة لأوانها.

Thumbnail

لكن جهات سياسية تونسية ترى أن موقف النهضة الجديد من الانتخابات يدخل في سياق المزايدة على الرئيس سعيد الذي لم يتردد مؤخرا في الإفصاح عن عدم رضاه عن الدستور الحالي ونظام الحكم، داعيا إلى تعديلهما كأولوية في الحوار الوطني.

وقال الناطق باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي إن “موقف النهضة من الانتخابات جاء في إطار المزايدة على رئيس الجمهورية، أرادوا أن يقولوا له: إذا أردتم انتخابات مبكرة فلترحل كل رؤوس المنظومة الحالية، في محاولة لإرباك الوضع برمته”.

محسن النابتي: النهضة تزايد على الرئيس سعيد بالانتخابات المبكرة
محسن النابتي: النهضة تزايد على الرئيس سعيد بالانتخابات المبكرة

وأضاف النابتي، في تصريح لـ”العرب”، “الحل يبدأ بترك هؤلاء السلطة، لأنهم غير مؤهلين للاستمرار في حكم الدولة لفترة أخرى؛ البلاد تعيش انهيارا شاملا على المستويات الاقتصادية والصحية والسياسية والاجتماعية. ثم إن الانتخابات التي وصل بها هؤلاء في 2019 هي بمثابة فضيحة القرن”.

وأوضح أن “التيار الشعبي يؤيد الرأي الداعي إلى تنظيم انتخابات مبكرة لكن بتعديل القانون الانتخابي وليس بالتعديل الذي تتحدث عنه حركة النهضة في علاقة بالعتبة الانتخابية، نريد تعديلا حقيقيا يمنع التحكم في آراء الناخبين، ونريد أيضا تعديل النظام السياسي عبر استفتاء شعبي، نحن نساند النظام الرئاسي”.

في المقابل ترى أوساط سياسية أن الانتقال الديمقراطي يشهد شللا يكاد يكون تاما في ظل تعطل المؤسسات الرسمية للدولة، وهو ما يحتم إعادة تلك المؤسسات إلى الخدمة عبر الانتخابات السابقة لأوانها.

وقال النائب عن حزب التيار الديمقراطي زياد الغناي إن “الانتقال الديمقراطي توقف منذ أربع سنوات حتى أن تنقيح القوانين وإرساء المؤسسات الدستورية توقفا والأزمات اجتاحت جل المؤسسات”.

زياد الغناي: أي انتخابات مبكرة يجب أن تتوافق مع الدستور
زياد الغناي: أي انتخابات مبكرة يجب أن تتوافق مع الدستور

وأضاف الغناي في اتصال هاتفي مع “العرب” أن “إعادة الانتخابات فكرة مهمة لكن بعد تنزيلها في سياقها الدستوري، يجب بناء الهيئات الدستورية وتعديل القانون الانتخابي وحوكمة العملية الانتخابية وغيرها من الإجراءات لإنجاح الاستحقاق السابق لأوانه الذي قد يُعيد الانتقال الديمقراطي. تونس تعيش على أعقاب قديم لم يمت وجديد لم يولد بعد”.

وكان اجتماع عقده الثلاثاء الرئيس سعيد مع رئيس الحكومة هشام المشيشي ورؤساء حكومات سابقين قد أشاع أجواء من التفاؤل بشأن بدء الحوار الوطني لإنهاء الأزمة الراهنة، غير أن السجالات السياسية سرعان ما عادت بقوة إلى الواجهة إثر تصريحات للرئيس سعيد بخصوص الحوار الوطني السابق الذي رعاه اتحاد الشغل ومنظمات وطنية أخرى، علاوة على وجود اختلافات بين أطراف الأزمة بشأن أولويات الحوار.

ورغم تلويح الاتحاد بالانتخابات المبكرة كحل لوضع حد للأزمة المتصاعدة إلا أنه يبقى من السابق لأوانه الحديث عن الاستحقاق والمسار الدستوري الذي ينبغي اتباعه لتنظيمه، خاصة في ظل توجس الأحزاب الحاكمة -وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية- من أي استحقاق مقبل لاسيما في ظل صعود الحزب الدستوري المعارض بقيادة عبير موسي.

ويشترط الدستور التونسي الذي أُقر في عام 2014 حل البرلمان لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وهي عملية تبقى مرتبطة بعدم منح الثقة للحكومة وفقا لما ينص عليه الفصل 89 وذلك رغم محاولات أوساط سياسية دفع الرئيس سعيد إلى إعلان حالة الاستثناء وبالتالي حل البرلمان.

1