الاستقالات تعصف باللجنة الملكية للتحديث السياسي في الأردن

قبل شهرين من المدة المحددة لرفع توصياتها، فشلت اللجنة الملكية للتحديث السياسي في الأردن حتى الآن في تحقيق أي تقدم في عملها بل على العكس من ذلك تشهد هياكلها تصدعات واستقالات متتالية، ما يعزز الشكوك بشأن أهداف تشكيلها غير المعلنة.
عمان - تعصف الاستقالات باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن بعد شهرين من تكليفها بتقديم توصيات لمشاريع قوانين تمهد لانتخابات برلمانية وحياة سياسية ديمقراطية في المملكة، ما يدعم توجس الكثير من الأردنيين من الأهداف الحقيقية لتشكيل هذه اللجنة والتي يرجحون أن هدفها امتصاص الغضب الشعبي لا وجود إرادة حقيقية في الإصلاح خاصة بعد فشل تجارب سابقة.
وانتقد رئيس لجنة الإصلاح السياسي في الأردن سمير الرفاعي الثلاثاء استقالة العضو حسن البراري اعتراضا على صياغات مقترحة لقانوني الانتخاب والأحزاب تعمل عليها اللجنة التي تشكلت بقرار ملكي.
وهذه ثالث استقالة من اللجنة المكونة من 92 عضوا بالإضافة إلى الرفاعي، ومهمتها “تحديث المنظومة السياسية” في البلد الذي لا تتمتع فيه البرلمانات ولا الأحزاب بتأثير كبير وتتألف الحكومات بقرار من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
وقال الرفاعي في رسالة وجهها إلى أعضاء اللجنة بعد استقالة البراري “اطلعت على الخبر أولا عبر بعض صفحات الفيسبوك قبل أن تصلني الاستقالة، التي نسبت فورا بقبولها”.
وأضاف رئيس الوزراء الأسبق أن اختيار البراري عضوا في اللجنة كان بتنسيب منه “رغبة في زيادة التنوع في لجنتنا”، غير أنه بدا نادما على اختياره، قائلا “رغم التحذيرات الكثيرة بالعدمية ومن حتمية النتيجة التي حدثت اليوم، لكن كنت أعتقد أن حسن الظن من جهة، وتغليب مصلحة الوطن من جهة أخرى سيكون هو الغالب لدى الجميع”.
ولم يفوّت الرفاعي الإشارة إلى أن البراري لم يشارك سوى في ثلاث جلسات من أصل 29 جلسة عقدت حتى الآن مما يختص بمهمته، قائلا إن “رأيه لا يقل عن آراء الآلاف من الأردنيين الذين أكرمونا بمساهماتهم”.
وكان البراري كتب الاثنين في رسالة الاستقالة التي وجهها للرفاعي أن “التوافق بشأن قانون الانتخاب يبدو أنه ذاهب باتجاه مقترحات لا تتوافق مع قناعاتي السياسية. وهي مقترحات ستبعدنا عن الإصلاح السياسي المنشود الذي يستند إلى قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية وستكرس الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية”.
وبرّر البراري استقالته بالقول إن “مقترحات لجنة الانتخاب ستعيد إنتاج الوضع القائم الذي لا يصلح للأردن في مطلع المئوية الثانية”.
ولفت إلى أن الأوراق النقاشية للملك عبدالله الثاني تحتوي كلّ ما نحتاجه من مضامين عصرية لتمكين الأردنيين سياسيا وبشكل نتجاوز فيه الهويات الفرعية والولاءات الضيقة والمحصصات.
ورغم الكم الهائل من المشاورات واللقاءات، لم تحقق اللجنة الملكية للتحديث السياسي أي تقدم على مستوى مشاريع القوانين المنوطة بعهدتها قبل شهرين من موعد رفع توصياتها النهائية. وفشلت اللجنة إلى حد الآن في تحقيق أي تقدم في عملها، بل على العكس من ذلك أثارت تصريحات بعض أعضائها ومقترحات قوانينها جدلا واسعا في الشارع الأردني، ما يضعها محل تشكيك خاصة أن مدة عملها تنتهي الخريف المقبل.
وفي وقت يراهن فيه شق من الأردنيين على مخرجات اللجنة لتجاوز حالة الغليان المجتمعي، يرى آخرون أن اللجنة مجرد مناورة لامتصاص الغضب لا أكثر.
وينتظر أن يقدم رئيس اللجنة في أكتوبر المقبل نتائج مشاوراته مع القوى السياسية المختلفة في البلاد للخروج بتوصيات لإحداث الإصلاح السياسي المنشود في المؤسسة البرلمانية والقانونية في المملكة.
ومازالت التساؤلات تطرح حول إمكانية تحقيق تقدم في مخرجات اللجنة التي بدأت اجتماعاتها مؤخرا ضمن لجان فرعية تبحث قوانين الأحزاب والانتخاب وحرية التعبير.
وأعلنت اللجنة المؤلفة من 92 عضوا أنها لم تنجز شيئا في مجال التوافق على قانون انتخاب عصري.
ويمثل القانون المنتظر أحد أركان الإصلاح السياسي الذي يفترض أن ينتهي إلى تشكيل حكومات منتخبة تحد من سلطات الملك وتقوم على التمثيل الحزبي في البرلمان.
ويهدف عمل هذه اللجنة، حسب ما هو معلن، إلى وضع إطار تشريعي يؤسس لحياة سياسية نشطة تهيئ المجال لبرلمان قائم على البرامج وليس برلمانا “صوريّا” هدفه تزكية خطوات السلطة التنفيذية.
وتقول أوساط سياسية أردنية إن الوتيرة التي تسير بها أعمال اللجنة تجعل من الصعب عليها الالتزام بالمهلة المحددة لعملها، أي الخريف المقبل، محذرة من أن مسار الأمور يشي بأن عمل اللجنة قد يستغرق عدة أشهر، وهذا من شأنه أن يعزز مخاوف البعض من أن يكون الأمر متعمدا رغبة في امتصاص غضب الشارع من خلال الادعاء بوجود تمش إصلاحي هو ليس موجودا في الواقع.
ويثير بطء اللجنة الملكية للتحديث السياسي في الأردن تساؤلات بشأن الحدود التي يمكن أن تصل إليها هذه الإصلاحات على ضوء التجارب السابقة المخيبة للآمال.
وتعهد العاهل الأردني بالوقوف شخصيا على مخرجات عمل اللجنة واتهم مؤخرا أطرافا لم يسمها بمحاولة عرقلة عمل اللجنة.
ويراهن الملك عبدالله الثاني على لجنة التحديث السياسي لامتصاص غضب الشارع الأردني الذي يطالب بإصلاحات سياسية وإدارية.