الإرادة الشعبية في تونس تمهّد لبروز مشهد يستثني الأحزاب

إجراءات الرئيس قيس سعيّد أربكت تحالفات السلطة والمعارضة.
الأربعاء 2021/09/29
تحالفات هجينة

تونس – كشفت الإجراءات الاستثنائية للرئيس التونسي قيس سعيد عن هشاشة المنظومة الحزبية التي طفت على سطح المشهد السياسي بعد 2011، حيث شهدت الأحزاب واقعا متصدّعا عمّقته الخلافات والاستقالات، وأظهرت ضعفا في مستوى التنظيم والأدوار.

ويبدو أن الإرادة الشعبية ستؤسس لمشهد سياسي مغاير دون أحزاب، بعد أن أصبح دورها ثانويا وظهر حجمها الحقيقي بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو الماضي.

وضربت موجة الاستقالات أبرز الأحزاب التي كانت تتصدر المشهد، على غرار أحزاب الحزام السياسي لحكومة هشام المشيشي المقالة (حركة النهضة وقلب تونس).

رافع الطبيب: الأحزاب هي أجهزة سياسية تتحرّك بالأموال في الانتخابات
رافع الطبيب: الأحزاب هي أجهزة سياسية تتحرّك بالأموال في الانتخابات

وارتفعت حصيلة الاستقالات في حزب حركة النهضة إلى 131 بعد الإعلان عن استقالة ثمانية عشر عضوا تابعين للمكاتب الجهوية والمحلية وشورى الحركة.

وحمّل المستقيلون من النهضة قيادتها، وخاصة رئيسها راشد الغنوشي مسؤولية تردي الأوضاع في الحركة.

وكان 113 عضوا في الحركة تقدموا في وقت سابق باستقالاتهم بشكل جماعي.

وترى شخصيات سياسية أن قرارات الخامس والعشرين من يوليو كشفت هشاشة تنظيمات الأحزاب وضعف أسسها، فسرعان ما تداعى بنيانها لأنها تفتقر إلى الهيكلة في مستوى التنظيم والأدوار والإيمان بتحقيق أهدافها في المشهد، معتبرة إياها مجرد أجهزة سياسية تحركها شبكات اقتصادية بالأساس.

وأفاد المحلّل السياسي التونسي رافع الطبيب، بأن “كل القوانين التي تمّ سنها منذ سنة 2011 حتى الآن كانت مجعولة للأحزاب لتصدّر المشهد، وديمقراطية الأحزاب التي تم تقديمها هي لتبادل الأدوار داخل السلطة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “انتفاضة الشعب على هذه المنظومة هي التي فضحت ضعف هذه الأحزاب، وبيّنت إلى أي حدّ ارتبطت هذه الأحزاب بالمافيا والمصالح الاقتصادية، ومدى ارتهانها لهذه المجموعات الاقتصادية”.

وتابع الطبيب “الخوف الذي استشرى في المجموعات الاقتصادية المرتبطة بالفساد، جعل ممثلي الأحزاب يخرجون للشارع ويطلقون اتهامات عنيفة ضدّ الرئيس قيس سعيد”، قائلا “حركة الخامس والعشرين من يوليو، فضحت المنظومة لا فقط في شقها الحزبي بل كذلك في شقها المافيوزي”.

وبخصوص الهيكلة في مستوى التنظيم والأدوار والإيمان بتحقيق الأهداف، أفاد الطبيب بكونها “ليست أحزابا بل هي مجرد أجهزة سياسية تتحرك بالأموال في الحملات الانتخابية، ولها جهازها التسييري الذي يدافع عن مصالحها داخل الأحزاب والإدارات”.

وأردف “كل الأحزاب تعتمد الوساطة والسمسرة، والحاكم ومن يعارضه داخل البرلمان يمارسان نفس السياسات، ما أدى إلى إعلان العديد من الاستقالات المدوية داخل تلك الأحزاب”.

واستطرد “لا يمكن العودة إلى ما قبل الخامس والعشرين من يوليو، والتخويف بالانهيار الاقتصادي الآن هو فقط لإعادة توزيع الأوراق والتموقع من جديد في المشهد”.

ويرى مراقبون أن الإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد رمت بظلالها على تماسك الأحزاب المبنية أساسا على أسس هشة وضعيفة تحكمها المصالح والأهداف المشتركة.

ضعف في مستوى التنظيم والأدوار
ضعف في مستوى التنظيم والأدوار

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي التونسي محمد ذويب في تصريح لـ”العرب” بأن “إجراءات الخامس والعشرين من يوليو شكلت زلزالا حقيقيا في المشهد السياسي في تونس ومست جميع الأحزاب بلا استثناء فتصدّعت أحزاب الحكم، كما بعض أحزاب المعارضة”.

وعزا محمد ذويب ذلك “إلى أن أغلب الأحزاب بنيت بناء فوضويا يفتقر إلى الديمقراطية والهيكلة الحقيقية، بل كان بناء قائما على تقاطعات ومصالح وولاءات لأشخاص أو تكتلات عشائرية وقبلية أو عائلية، وفي أول صدمة تصدعت هذه الأحزاب على غرار قلب تونس وحركة النهضة وائتلاف الكرامة والتيار الديمقراطي”.

وأضاف “نتمنى أن تلتقط هذه الأحزاب اللحظة وتستدرك ما فاتها وتعيد ترتيب بيتها الداخلي وفق آليات ديمقراطية تعطي الحق للكفاءات والشباب والمرأة بعيدا عن منطق التوازنات الهشة والولاءات”، داعيا إلى “ضرورة أن تتبنى هذه الأحزاب برامج وتصورات وخططا تنهض بالبلاد وتنفع الناس وهذا مفيد للمشهد السياسي وللديمقراطية في تونس مستقبلا”.

وسبق أن أعلن ثلاثة من نواب كتلة قلب تونس في البرلمان المجمد استقالاتهم من الحزب احتجاجا على تصريحات لرئيس الكتلة، اعتبرت أنها دعوة للاستقواء بالأجنبي.

وكتب كلّ من النواب سهام الشريقي ومحمد السخيري والجديدي السبوعي، تدوينة موحّدة عبر صفحاتهم في فيسبوك أعلنوا فيها الاستقالة، وقالوا فيها إن “مصلحة تونس وسيادتها الوطنية فوق كل اعتبار”.

وكان النائبان فؤاد ثامر وشيراز الشابي أعلنا استقالتيهما من الحزب الممثل بثمان وعشرين نائبا في البرلمان.

وكان رئيس كتلة “قلب تونس” أسامة الخليفي دعا في مداخلة أمام مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي لرؤساء البرلمان في السابع من سبتمبر إلى “شكيل وفد برلماني لزيارة تونس والتعرف على أوضاع البرلمان ونوابه، والوقوف إلى جانب تونس، واتخاذ موقف مساند للديمقراطية”.

محمد ذويب: إجراءات الرئيس صدّعت أحزاب الحكم وبعض أحزاب المعارضة
محمد ذويب: إجراءات الرئيس صدّعت أحزاب الحكم وبعض أحزاب المعارضة

ولم يقتصر تأثير قرارات الرئيس التونسي على أطراف الحكم، بل عرفت أحزاب المعارضة أيضا تململا سياسيا واضحا.

والأسبوع الماضي أعلن مجدي بن غزالة رئيس المجلس الوطني للتيار الديمقراطي، استقالته من الحزب.

وكتب بن غزالة على صفحته على فيسبوك ”في الأثناء يجب التأكيد على أنه لا وجود لديمقراطية دون أحزاب ديمقراطية ذات مشاريع وطنية، الانفراد بالقرار والسلطة تكون نتائجه الاستبداد والاستبداد هو الشقيق التوأم للفساد”. 

وأضاف “معركة الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة القوية والعادلة هي مسار متواصل ستكون انطلاقته الحقيقية بعد سقوط المنظومة الشعبوية التي ستخلف منظومة الفساد والإفساد، سنواصل الحلم بمشروع الدولة الحقيقية رغم خطورة وآلام الطريق الذي سنقدم عليه”.

وشهدت تونس في الخامس والعشرين من يوليو الماضي تطورات سياسية تزامنا مع الذكرى الرابعة والستين لإعلان الجمهورية بدأت باحتجاجات سببتها أزمة سياسية بين الحكومة والرئيس والبرلمان، وانتهت بقرارات أصدرها الرئيس التونسي إثر اجتماعه بقيادات عسكرية وأمنية.

وتم إعفاء رئيس الحكومة من منصبه وتجميد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوما ورفع الحصانة عن جميع أعضائه، وتولى رئيس الدولة رئاسة النيابة العمومية والسلطة التنفيذية.

4