الأمير الصغير

السبت 2015/08/29

هناك نصوصٌ تُكتب لتقرأ وهناك أخرى تُكتب لتعيش أكثر من حياة. “الأمير الصغير” لأنطوان دي سان إكزوبيري جمع بين المآلين. فهذا الكتاب الصغير الذي لا يتجاوز المئة صفحة، والذي مضت على صدوره سبعون سنة، مازال يحظى بكثير من الحضور والاهتمام الملفت. فهو كتاب الأرقام القياسية بامتياز، حيث حظيت حكاية أنطوان دي سان إكزوبيري بأكبر عدد من الترجمات في العالم، والتي جاوزت المئة والستين، كما جاوزت مبيعات الكتاب 140 مليون نسخة منذ صدوره.

نجاح كتاب “الأمير الصغير” يعود أساسا إلى تحوّل حياة صاحبه سان إكزوبيري إلى أسطورة، وهو الذي كان يمنح الناس لحظات حلم باعتباره رائد فضاء وطيار حرب. وكما هي حياة أنطوان دي سان إكزوبيري الحافلة بالمغامرات، كانت قصة كتابة “الأمير الصغير” محاطة بكثير من الصدف. فبعد هدنة سنة 1940، كان أنطوان لاجئا بالولايات المتحدة الأميركية، للاستشفاء من جروحه الناتجة عن حادثة طيران.

وفي اللحظة التي كان منشغلا فيها بكتابة عمله “طيار الحرب”، قرأتْ عليه صديقته الكوميدية أنا بيلا، من باب التسلية وكان حينها طريح الفراش، قصة “الحورية الصغيرة”. في اللحظة نفسها أهداه صديق آخر علبة ألوان مائية. وكان ذلك كافيا لما يحتاجه أنطوان دي سان إكزوبيري لكتابة حكايته “الأمير الصغير”، ليصدر العمل، مترجما إلى الإنكليزية بالولايات المتحدة الأميركية سنة 1943. أما الطبعة الفرنسية فقد تأخر ظهورها إلى ما بعد الحرب ووفاة أنطوان، حيث صدرت عن دار غاليمار، قبل أن تُمنع بأمر من الألمان. وإذا كانت هذه الطبعة تحمل تاريخ نوفمبر 1945 فإن الانتهاء الفعلي من طبعها قد تأجل بسبب نفاد الورق، كما يكشف عن ذلك جون-كلود بيريي، حيث لم تكن النسخة الفرنسية الأولى متوفرة في المكتبات إلا في أبريل 1946.
كما يلاحظ أوليفييداغاي أن الرسوم المائية الأصلية لسان إكزوبيري قد تمت إعادة رسمها بشكل خاطئ. فعلى سبيل المثال، وبالمقارنة مع الطبعة الأميركية، صار معطف الأمير أزرق بدل لونه الأخضر. وكان يتوجب انتظار سنة 1999 لتظهر طبعة بالفرنسية من “الأمير الصغير” مطابقة بشكل تام لطبعة سنة 1943.

نجاح كتاب “الأمير الصغير” يعود أيضا إلى احترافية صناعة النشر ببلد كفرنسا التي تملك ما يكفي من الذكاء لمنح أكثر من حياة لكتاب بما. فالمنتوجات التي تحمل علامة “الأمير الصغير” تتجاوز الثمانمئة منتوج، سواء تعلق الأمر بالساعات أو الأقمصة أو لعب الأطفال أو أواني البيوت أو المجوهرات أو غيرها… مَن الناشر العربي الذي فكر في وضع صورة كاتب على قميص؟ لا ينقصنا الكُتاب ولا ينقصنا الناشرون. تنقصنا أحيانا الأفكار الصغيرة التي تصنع التفاصيل الكبيرة.

كاتب من المغرب

17