الأسير العاشق

السبت 2015/08/08

في سنة 1986، دُفن آخر رجل بمقبرة الأجانب المسيحيين بمدينة العرائش بشمال المغرب. كان قد ترك وصية بأن يدفن هناك. ووُضع قبره، الذي لا يحمل أيّ صليب، بشكل مخالف لبقية القبور، حيث بدا مشابها لقبور المسلمين.

عاش جون جونيه حياة مليئة بالمنعرجات والألام منذ ولادته، حيث تخلت عنه أمه وهو في شهره السابع، لتتبناه أسرة بمنطقة مورفان القروية. وفي العاشرة من عمره، سيتم اكتشاف جون جونيه وهو يسرق، وشكلت هذه المخالفة الأولى وصمة عار بالنسبة لجونيه، وصارت حياته، كما يرى سارتر، إعادة لتجربة الرعب التي أحسّ بها جونيه إزاء وصفه بالسارق. وانطلاقا من تلك اللحظة، اختار الطفل جونيه هويته الجديدة؛ بالضبط أن يكون سارقا. ولذلك سيكون طبيعيا أن يكون جونيه ضيفا أكثر من مرة، ابتداء من سن الخامسة عشرة من العمر،على سجون الأحداث، ثم على سجون البالغين، حيث قضى سبع سنوات تخللتها أكثر من محاولة هروب.

في السجن سيكتشف جون جونيه أعمال رامبو وديستوفيكي وبروست وبودلير ومالارميه وفرلين. كما سيكتب نصوصه الأولى، حيث سينشر من داخل المعتقل قصديته الأولى “المحكوم بالإعدام”، وهو نص يتميز بغنائيته الخاصة، وكان قد أهداه إلى روح موريس بيلورج، القاتل الذي أعدم سنة 1939.

ستتوالى أعمال جون جونيه، حيث سينشر رواياته الأربع الأولى التي ستطبع مساره الأدبي والتي سيتم تداولها بشكل سريّ، تجنبا للحجز، بحكم طابعها البورنوغرافي. ويتعلق الأمر بأعماله “يوميات لص” و”معجزة الوردة” و”متعهد الدفن” و”نوتردام دي فلور”. بفضلها سيصير لجون جونيه أصدقاء جدد وسط كتاب فرنسا الكبار، ومنهم بشكل أساس جون كوكتو وأندري بروتون وجون بول سارتر الذين سينشرون رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية قصد طلب عفوه على جون جونيه، حيث أطلق سراحه سنة 1948.

ابتداء من السبعينات، وكما يشير إلى ذلك الطاهر بنجلون في كتابه “جون جونيه، الكذاب الرفيع”، ستنقطع علاقة جون جونيه مع سارتر وكوكتو، حيث بات متفرغا للصراعات الثورية وللتعبير عن وقوفه مع الشعوب المقهورة ولانتقاد السياسات الاستعمارية. في اليوم التالي على ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، كان جون جونيه في عين المكان، ليكون شاهدا على فداحة الجريمة، حيث سيدون تفاصيلها في نصه القوي “أربع ساعات في شاتيلا”. وعشية وفاته، سينهي جون جونيه كتابه الأخير “أسير عاشق”، الذي يقدم شهادة عن الثورة الفلسطينية وأيضا مذكراته عن تواجده مع الفلسطينيين بالأردن سنة 1970.

عاش جون جونيه، كما كتب بنفسه في نصه “يوميات لص”، بعيدا عن الناس وعن العالم وعن المدن والمؤسسات.

كاتب من المغرب

17