الأزهر يشكو إعلاما لا يمنحه البطولة على منصاته

معظم شيوخ الأزهر في البرامج التلفزيونية غير مصرح لهم بمخاطبة الجمهور.
الخميس 2019/12/05
البرامج الدينية حاضرة دائما على الشاشات المصرية

خلاف الأزهر مع الإعلام المصري ليس جديدا، لكنه تصاعد هذه المرة مع تصريحات شيخ الأزهر أحمد الطيب الذي اعتبر أن وسائل الإعلام تمارس دورا رقابيا على علمائه، بينما يرى الإعلاميون أن شيوخ الأزهر لديهم مساحة لا يستهان بها على المحطات التلفزيونية يتحدثون فيها كما يشاؤون.

القاهرة - اشتكى أحمد الطيب شيخ الأزهر مما وصفه بقيام صحف وقنوات فضائية بتكميم أفواه علمائه، معتبرا أن هناك حصارا إعلاميا لمواقف المؤسسة الدينية، وقال “لو أردنا أن نرد بمقال رأي في صحيفة على آخر يشتم ويهاجم الأزهر، لا يُسمح لهذا المقال بالنشر، إلا بعد عناء شديد، وقد لا يرى النور”، لافتا إلى وجود حملة إعلامية “تصب في صالح تنظيم داعش”.

وكشف حديث الطيب من خلال التلفزيون الرسمي، الأسبوع الماضي، أن العلاقة بين الأزهر والإعلام وصلت مرحلة غير مسبوقة من الخلاف، ولم يُخْف في أغلب تصريحاته ولقاءاته امتعاضه، واتهام الإعلام بأنه تحوّل إلى “منابر للكذب والتضليل وترويج الإشاعات”.

ويدفع الأزهر فاتورة باهظة لاستمرار استهداف وتكميم أفواه صحافيين وإعلاميين وباحثين ومفكرين أخذوا على عاتقهم مهمة دفع إستراتيجية تجديد الخطاب الديني خطوات للأمام، بعيدا عن الخطوط الحمراء التي تحددها المؤسسة الدينية، فانقلب السحر على الساحر، وأصبحت مناقشة القضايا الدينية تتم بعيدا عن الأزهر.

محمد الباز: مشكلة الأزهر أنه يعتنق فلسفة قائمة على وجود تآمر إعلامي
محمد الباز: مشكلة الأزهر أنه يعتنق فلسفة قائمة على وجود تآمر إعلامي

ووصف الإعلامي محمد الباز، مقدم برنامج “90 دقيقة” على فضائية المحور، حديث أحمد الطيب عن تهميش الإعلام للأزهر، بأنه غير دقيق ولا يصح، لأن علماءه منتشرون في كل وسائل الإعلام، ومن يريد الظهور في برنامجه فليأت في أي وقت.

وقال الباز في تصريح لـ”العرب”، إن اشتباكه خلال البرنامج مع الطيب، والرد عليه بحسم، كان بسبب عدم واقعية كلامه، فهو قد هاجم الإعلام واتهمه بتكميم أفواه الأزهر من خلال برنامج أسبوعي مخصّص له على شاشة التلفزيون المصري، يتحدث من خلاله في ما يشاء، ويستغلّه كمنبر للهجوم على المخالفين لتوجّهات الأزهر، إذن فأين التهميش؟

وأضاف الباز، وهو أيضا أستاذ إعلام بجامعة القاهرة، أن مشكلة الأزهر أنه يعتنق فلسفة قائمة على الشعور بوجود اضطهاد وتآمر إعلامي، ويصرّ على أن يكون وحده صاحب الكلمة الفصل والمقدسة في كل الأمور الدينية، وهذا لم يعُد مقبولا، “هم يريدون إعلاما يشتغل لحساب الأزهر، فلا يعقل أن تمتدح حرية الرأي عندما تكون بعيدة عنك، وتتهمها بالتآمر عندما تقترب منك”.

وحصل الأزهر على حكم قضائي ضد الباحث إسلام بحيري، في يوليو 2016 بالحبس سنة، بتهمة ازدراء الأديان، وبعدها صدر عفو رئاسي، وعاود نقد الأزهر إعلاميا، ما أحدث صدمة داخل المؤسسة الدينية التي شعرت أن هناك إصرارا على تصدر مخالفيها للمشهد الإعلامي.

ولدى الأزهر خصومة أخرى، على المستوى الصحافي، بعدما تسبب في صدور حكم قضائي من محكمة جنايات القاهرة، بحبس الصحافي أحمد الخطيب رئيس تحرير صحيفة البوابة نيوز السابق، ومدير تحرير جريدة الوطن حاليا،غيابيا لمدة 4 سنوات، لإدانته بتهمة إهانة الأزهر عبر سلسلة مقالات رأي.

بغض النظر عن طريقة التهميش الإعلامي للأزهر ومبرراته وواقعيته، لكن فكرة أن تكون هناك استفاقة صحافية وتلفزيونية ضد التعامل مع أي مؤسسة دينية على أنها الحامي المفترض للدين يضع الرسالة الإعلامية في الطريق الصحيح، بأنه يكون هناك رأي ناقد وحر، بعيدا عن تصنيف الأزهر كجهة مقدّسة.

عندما سُمح لبعض العلماء والشيوخ الذين يختارهم الأزهر للظهور الإعلامي والرد على اجتهادات باحثين ومفكرين يكبتون بالصحف ويتحدثون في الفضائيات، ارتكبوا أخطاء جسيمة، من بينهم، عبدالله رشدي وسالم عبدالجليل، اللذان جرى إيقافهما عن العمل وإحالتهما إلى التحقيق بسبب فتواهما عن تكفير المسيحيين.

تظل معضلة الأزهر، أنه يعتبر فتح المجال أمام المجتهدين أحد أشكال الحصار المفروض عليه، فهو يريد أن تكون له الكلمة العليا والسيادة الكاملة في الإعلام على كل ما يرتبط بالأمور الدينية، ولا يكون ظهور علمائه مجرد رد فعل.

ويعتبر كل رجل دين يخرج على الشاشات أو يقول رأيه في صحيفة، ولم يحصل على تصريح مُسبق بذلك من الأزهر، أحد مظاهر الحصار الإعلامي لعلمائه المعتمدين رسميا للظهور في الصحف والقنوات، ضمن القائمة التي أرسلها لمجلس تنظيم الإعلام، قبل عامين.

خطاب الأزهريين الموجَّهين لم يعد مقبولا جماهيريا، والأولوية لمن ينتج فقها يناسب الواقع، ولا يتسبب في أزمات
خطاب الأزهريين الموجَّهين لم يعد مقبولا جماهيريا، والأولوية لمن ينتج فقها يناسب الواقع، ولا يتسبب في أزمات

يبدو أن احتكار علماء أزهريين غير معترف بهم من المؤسسة ليكونوا وحدهم المتحدثون في الشؤون الدينية، من الأسباب الرئيسية لشعور أحمد الطيب بتكميم أفواه الأزهر إعلاميا، لأن المتابع للمشهد يكتشف أن أغلب الشيوخ الذين يخاطبون الناس ليس مصرحا لهم بالكلام، ومع ذلك تحظى البرامج التي يقدمونها، أو يكونون ضيوفا عليها، بنسب مشاهدة عالية وتفاعلا لافتا.

هناك برنامج للشيخ مبروك عطية رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر على قناة “إم.بي.سي مصر”، وآخر لخالد الجندي أحد علماء الأزهر على فضائية “دي.إم.سي”، فضلا عن علماء آخرين أصبحوا ضيوفا على صفحات الجرائد والشاشات، بينهم سعدالدين الهلالي وأحمد كريمة وسعاد صالح، وهؤلاء يصنّفهم الأزهر ضمن أصحاب الفتاوى الدينية غير المتزنة، بسبب الجرأة والحسم في آرائهم.

ويرى متابعون، أن تلميح الطيب بوجود حصار إعلامي على الأزهر، مع وجود علمائه في بعض الصحف والقنوات، يعكس أن المؤسسة ترغب في الرد على المنتسبين إليها، ويغرّدون خارج السرب، من خلال أزهريين يتناغمون مع سياستها وفكرها، أي أن الخلاف “أزهري- أزهري”، ومع إخفاقه في حسم وإدارة معاركه الداخلية بين المجددين وأنصار التراث، اتهم الإعلام بأنه يقيّد رأيه ويحرمه من الرد على المنتقدين.

ويتمحور خلاف الأزهر مع الإعلام، حول من يتصدر المشهد الديني، وليس بماذا يتصدر، فهو يريد الهيمنة، ويصمم على القيام بدور حارس التراث عبر أسماء علماء بعينها لا يقبل بغيرها.

في المقابل، يرى القائمون على إدارة الصحف والقنوات أن خطاب الأزهريين الموجَّهين لم يعد مقبولا جماهيريا، والأولوية لمن ينتج فقها يناسب الواقع، ولا يتسبب في إحداث أزمات مجتمعية – إعلامية بآراء دينية شاذة.

وأكد متابعون، أن هناك قناعة راسخة لدى الأزهر بأن الإعلام ينصب فخّا لعلمائه، وكلما طلب منهم ترشيح أحد الشيوخ للرد على طرف آخر يتم التعامل بروتين وبيروقراطية، فهناك تشكك دائم في نوايا الصحف والقنوات التلفزيونية.

18