استراتيجية أميركية حذرة لتجاوز عقبات أزمة سد النهضة

القاهرة - أعلن مدير مشروع سد النهضة الإثيوبي، كيفل هورو، الخميس، قرب انتهاء أزمة سد النهضة، خلال حفل إسدال الستار على تمثال مدير مشروع السد السابق سيمنيو بيكيلي الذي عثر عليه مقتولا منذ عامين، بحضور عمال بناء السد.
وقال هورو إن “أشهرا قليلة تفصلنا عن تشغيل أكبر سد في أفريقيا، وهناك حل قريب لنهاية أي خلاف حول السد”.
وأوضح أن مسودة الاتفاق التي يجري فحصها حاليا ستطرح للمناقشة، بعد مراجعة الحكومة الإثيوبية، على خبراء ومسؤولين سابقين وقانونيين وفنيين لتحقيق تفاهم عام ومرضي.
وبدأت في كل من مصر وإثيوبيا والسودان دراسة دقيقة لمسودة اتفاق أعدته واشنطن بالتشارك مع البنك الدولي لحل أزمة سد النهضة، وفض النزاع حول مياه النيل، بعد أن قدمت واشنطن مشروع اتفاق شامل، الثلاثاء، وأعطت مهلة أربعة أيام فقط للرد عليه.
وأثارت المسودة الأميركية مناقشات فنية وسياسية بين مواءمات ومراجعات ورفض لبعض البنود مع غياب التوافق على محاور أساسية، أبرزها كمية المياه المتدفقة، وآليات فض النزاع، والإدارة المشتركة للسدود المقامة على نهر النيل.
واشنطن قدمت حلولا وسطى لنقاط الخلاف حول كميات المياه المتدفقة إلى مصر والسودان وآلية فض المنازعات
وقال ياسر عباس، وزير الري السوداني، الأربعاء، إن بلاده لم تتسلم مسودة الاتفاق النهائي لسد النهضة، مشددا على أهمية التعاون بين دول حوض النيل، نافيا أن يكون السودان “تنازل عن جزء من حصته في مياه النيل لصالح مصر”.
وأوضح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مساء الثلاثاء، على هامش جولة أفريقية شملت السنغال وأنغولا وإثيوبيا، أنه “لا يزال هناك قدر كبير من العمل قد يصل إلى أشهر لحل الخلافات، لكن متفائل بأنه يمكننا حل هذا وعناصر الاتفاق تقترب من نهايتها”.
وتعكس التصريحات الأميركية الحذرة عدم استبعاد رفض أحد الأطراف المسودة المقدمة أو بعض بنودها، خاصة إثيوبيا التي تأبى القبول بأي اعتراف يلزمها بكميات مياه أو مسؤوليات تجاه دولتي المصب ويقلل من إنتاجية كهرباء السد في المستقبل.
وتضمن مشروع الاتفاق المقترح النقاط المتفق عليها مسبقا، من آلية ملء بحيرة السد وطرق التشغيل ومنظومة التعامل مع فترات الجفاف نسبة إلى نظام هطول الأمطار الهيدرولوجي.
وقدم الاتفاق منظورا أميركيا يحمل جملة من الحلول الوسطى لنقاط الخلاف حول كميات المياه المتدفقة إلى مصر والسودان، وآلية فض المنازعات، وآلية السدود العادلة.
وتوصلت المسودة التي اطلعت عليها “العرب” إلى ضرورة تشكيل لجنة فنية دولية لمراقبة سد النهضة تكون مرجعية لفض أي نزاع مستقبلي، ولم تتطرق إلى نظام واضح يربط بين سدود نهر النيل.
ويواجه الاتفاق الأميركي ولادة متعثرة مع غياب الحلول المرضية لكل طرف، لأن أديس أبابا ما زالت ترفض تحديد كميات مياه تضعف مهمتها في إنتاج الكهرباء، وتخشى أن تكون لجنة فض المنازعات ذريعة لعرقلة عمل السد.
وتصر القاهرة على مبدأ الاستخدام العادل للسدود عن طريق الربط بين منسوب المياه في بحيرتي سد النهضة والسد العالي لضمان عدم الإخلال ببنود الحماية من مخاطر الجفاف.
وذكر المحلل السياسي الإثيوبي، دنيال تاي سيلاسي، أن زيارة بومبيو لأديس أبابا، “غلفها الكثير من الضغط والقليل من التفاهمات”.
وأشار سيلاسي لـ“العرب”، إلى أن واشنطن مارست ضغوطا مباشرة على آبي أحمد لتمرير اتفاق يحل أزمة سد النهضة بالتلويح بأهمية الانتخابات الإثيوبية العامة في أغسطس المقبل، والتي تعد مسألة مصيرية وحاسمة في مستقبل الحكومة الحالية.
وتحدث بومبيو في اجتماعه مع نظيره الإثيوبي جيدو أندار جاشيو، الثلاثاء، عن الانتخابات المهمة التي تنتظر إثيوبيا، ملمحا إلى ضرورة توفير انتخابات ذات مصداقية وحرة لتبيّن أن لا خيار زائفا بين الديمقراطية والأمن، وستضمن أن لكل مواطن صوتا في هذه الانتخابات.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، ماهر شعبان، أن اتفاق سد النهضة يفتح الباب أمام الدول التي تتشاطر نهر النيل لبناء مشروعات عملاقة، وإذا لم تولد منظومة عمل مشتركة لإدارة نهر النيل، ستتكرر مشكلة سد النهضة مع بلد آخر.
وأضاف شعبان لـ“العرب”، أن واشنطن تتبنى سياسة المد والجزر مع الدول الثلاث، وتعلم من البداية أن هناك تحفظات حول مسودة الاتفاق، وتسعى قدر الإمكان لقطع الطريق أمام محاولات عرقلة التوافق السياسي والفني.
وبدا الرئيس دونالد ترامب منذ دخول واشنطن كمراقب في المفاوضات في نوفمبر الماضي، عازما على الخروج بانتصار يضعه في سجل إنجازاته، وقد يمثل ورقة رابحة في انتخابات الرئاسة الأميركية نهاية هذا العام.
وفي حالة نجاح الإدارة الأميركية في حل جانب من العقد المترامية لسد النهضة، ونزع فتيل أحد الخلافات الدقيقة، قد يتمكن ترامب من الحصول على غطاء سياسي للرد على الانتقادات المستمرة بتراجع دور بلاده.
وظهر الدعم الأميركي لإنقاذ المفاوضات من الانهيار أكثر من مرة في الاجتماعات الأخيرة يومي 12 و13 فبراير، حيث وصلت إلى حد تدخل ترامب بشكل مباشر، والحديث هاتفيا مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
ويرجح خبراء أن توقع الدول الثلاث على مسودة الاتفاق الأميركي، حال نجحت الجهود الجارية في بلورة حلول خلاقة للنقاط الخلافية، وإرجاء مسألة الإدارة العادلة للسدود على نهر النيل إلى جولة جديدة برعاية أميركية أيضا، وربما يمثل التوافق عليها في المستقبل ملحقا يضاف إلى الاتفاق الأول.