استحقاقات انتخابية مصيرية يقابلها الشارع المصري بلامبالاة

القاهرة - منح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام الضوء الأخضر للحكومة لإعداد مشروعيْ قانونيْ مجلس الشيوخ والمحليات وتقديمهما إلى البرلمان لإتمام الاستحقاقات الانتخابية.
وبدأت مصر الاستعداد للحدث الأهم وهو الانتخابات البرلمانية المرجح إجراؤها في نوفمبر المقبل، والتي من المفترض أن تدخل حركية على الحياة السياسية شبه المجمّدة.
وتنتظر مصر ثلاثة مواعيد مهمّة: أولها انتخابات مجلس النواب، والثاني انتخابات مجلس الشيوخ، الذي تمّ تفعيله بعد تعديل الدستور في أبريل الماضي، والثالث انتخابات مجالس المحليات، وهي حلقة الوصل بين المواطن والجهات التنفيذية.
وقبل إشارة الرئيس السيسي التي وجهها في مؤتمر الشباب نهاية يوليو، كانت انتخابات مجلس الشيوخ والمحليات في صدارة الأولويات، حتى أن البعض ذهب إلى ضرورة التعجيل بالمحليات كأولوية قصوى.
وحدد الدستور المصري في مادته 242، خمس سنوات للعمل بنظام الإدارة المحلية الجديد، ووضع نسبا ثابتة للمرأة والشباب، وحض على التمثيل المناسب لذوي الاحتياجات الخاصة، وحدد سقفا لانتخابات المحليات قبل نهاية العام 2019.
وبالنظر إلى وعود حكومية صدرت على لسان وزير التنمية المحلية، محمود شعراوي، لن يمرّ العام الجاري من دون إجراء انتخابات محلية، وأشار السيسي إلى ذلك في مناسبات عدة، وحضّ البرلمان على الانتهاء من القانون، بيد أنه لا مؤشرات عملية لهكذا توجّه.
وإصدار قانون المحليات خلال دور الانعقاد في أكتوبر المقبل لا مفر منه، لكونه دور الانعقاد الأخير للبرلمان الحالي، لكن ذلك لا يمكن أن يترجم في أن تشهد مصر 3 انتخابات في عام، ما يعني أن القانون الذي انتظر نحو عامين لتمريره قد ينتظر نحو العام أو أكثر لتطبيقه في انتخابات محلية طال انتظارها.
وترى قوى قريبة من السلطة أن الإرادة السياسية واحدة في إتمام الاستحقاقات الانتخابية، غير أن سياسة الأولويات التي تحددها أجهزة أمنية تحتّم تمرير البعض في غضون أشهر، وإرجاء الآخر إلى حين تهيئة الأجواء، وضمان عدم نفاذ عناصر من جماعة الإخوان إلى المحليات، بما تحمله من طابع خدمي.
ويُرجح النظر إلى “الشيوخ” كإحدى الأولويات من قبل الحكومة والموالين لها. واقترح ائتلاف “دعم مصر” الموالي للحكومة مشروعا يقضي بضم المجلس لـ240 عضوا يتم انتخاب 80 نائبا منهم بالقائمة، و80 بالنظام الفردي، مع أحقية رئيس الجمهورية في تعيين 80 آخرين.
وتتمثل اختصاصاته في تقديم مقترحات تدعم الديمقراطية والسلام المجتمعي، والنظر في المعاهدات، والخطة العامة والقوانين المكملة للدستور، ولا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب والشيوخ.
وأكد النائب البرلماني عن حزب “مستقبل وطن” عادل عامر لـ”العرب”، أن ثمة اقتراحا يتبناه ائتلاف الأغلبية حول الخارطة الانتخابية، ويرى البدء بانتخابات مجلس الشيوخ في الأشهر الأولى من العام المقبل، وإرجاء انتخابات البرلمان إلى نوفمبر منه، على أن تجرى انتخابات المحليات مطلع العام 2021.
وأشار عامر إلى أن البعض اقترح الجمع بين انتخابات الغرفتين التشريعيتين معا (النواب والشيوخ)، لكنه قد يمثل عبئا كبيرا على المواطن، ويؤدي إلى التداخل بينهما، ومن يرغبون في الترشح للشيوخ من أعضاء مجلس النواب يتوجب عليهم التنازل عن عضويتهم أولا، حتى إذا كان يفصلهم عن نهاية دور الانعقاد الأخير بضعة أشهر.
وأوضح أستاذ القانون الدستوري عبدالله المغازي لـ”العرب”، أن التوقيتات الدستورية تنظيمية وغير ملزمة، يُفضل أن تتبعها السلطة التشريعية، لكن مخالفة مجريات الواقع لها لا تؤدي إلى أزمات.
وأضاف “لا يبدو أن البلاد ستشهد انتخابات للمجالس المحلية قبل العام 2021، رغم الوعود المتجددة، وقد شاركت منذ عامين في حوار مجتمعي حول القانون الذي لم يصدر، رغم الانتهاء منه، والأولوية وفق الحكومة للشيوخ والبرلمان”.
وفي خضم هذه الاستحقاقات المنتظرة، لا يبدو أن الشارع المصري مكترث، في دلالة سلبية تعكس شعورا بالإحباط من الوضع السياسي في البلاد، الذي يسير برتابة دون أمل في تغييره.
وتعاني الأحزاب المصرية من الركود والنخبوية وانقطاع صلتها بالجماهير، ما يجعل الحياة السياسية راكدة، على الرغم من وجود أكثر من 100 حزب.
تنذر الساحة السياسية بمواسم انتخابية لا تختلف كثيرا عن سابقاتها، من حيث العزوف الشعبي عن المشاركة.
ويعي عضو “مستقبل وطن” عادل عامر العقبات التي تواجه الأحزاب في الشارع، قائلا “أتمنى أن تظهر تكتلات سياسية تعبر عن اتجاهات الوسط واليمين واليسار، بشرط أن تترجم تحركاتها في الشارع”.
وتغيب المعارضة المصرية عن المشهد ممثلة في الحركة المدنية الديمقراطية (ائتلاف يضم أحزابا معارضة وأكاديميين وشخصيات عامة)، ولا تجد أفقا لمزاولة نشاطها، وكلما حاولت تدشين فعالية واجهتها مشكلات سياسية عدة.
وقال مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية وعضو الائتلاف لـ”العرب”، “هناك حالة من الاستسلام العام لما تريده السلطة التنفيذية، ولا توجد بوادر لمواقف سياسية مناهضة، والخمول يسيطر على المشهد”.
واختارت غالبية أحزاب الائتلاف مقاطعة الانتخابات البرلمانية في العام 2015، كما قررت مقاطعة الانتخابات الرئاسية في العام الماضي، ولم تشارك سوى في التعديل على الدستور برفض التعديلات، وتقُدر قوة المعارضة بنحو 2 مليون صوت، تمثّل من رفضوا تعديلات الدستور مقابل أغلبية ساحقة موافقة.
وحض المغازي، الذي شغل في السابق منصب مساعد لرئيس مجلس الوزراء، على تغيير المناخ العام في مصر، وإتاحة مساحة أكبر للمعارضة قبيل إطلاق الاستحقاقات الانتخابية بما يحقق حراكا سياسيا وشعبيا، قائلا “ليس من مصلحة الحكومة إعادة إنتاج حزب وطني جديد (الحزب الحاكم في عهد الرئيس حسني مبارك) يحصد غالبية المقاعد، فالبلاد في حاجة إلى التنوع”.