استبعاد الدستوري الحر من الحوار الوطني يثير جدلا في تونس

عاد الجدل مجددا بشأن استثناء الحزب الدستوري الحر من الحوار الوطني، ويتساءل مراقبون سياسيون عن دوافع استبعاد عبير موسي من المشاركة في الحوار في الوقت الذي يعد فيه الحزب رقما وازنا في المشهد السياسي التونسي، كما يحظى بمكانة محترمة في سلم تطلعات التونسيين.
تونس - أثار إقصاء بعض الأطراف الحزبية من المشاركة في الحوار الوطني المرتقب لغطا سياسيا واسعا في تونس، حيث رفض الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بالبلاد) وصاحب المبادرة مشاركة رئيسة الدستوري الحر عبير موسي في الحوار رغم وزن حزبها في المشهد السياسي.
ولئن كان استثناء مشاركة أطراف بعينها من الحوار يرضي الكثير، فإنه يمثل بطريقة أو بأخرى شكلا من أشكال الإقصاء الذي يقلص فرص نجاح الحوار، في وقت يبحث فيه الجميع عن خلق أرضية ملائمة تقوم على التهدئة وإشراك مختلف الأطياف السياسية وتناول القضايا المطروحة بجدية.
وشدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي، الخميس، على أن مبادرة الحوار التي تقدم بها إلى رئاسة الجمهورية قد قبل بها ”ولا وجود لأي غموض في علاقة بالرئيس قيس سعيد وموقفه وتصوّره للمبادرة”.
وقال الطبوبي في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن الاتحاد ”لن يكون إلا في أجندة وطنية ونظام جمهوري”، مفيدا بأن المنظمة صاغت ”أرضية وقدمت أفكارا وطالبت بالجلوس على نفس الطاولة للخروج من أزمة البلاد الحالية”، مبديا تفاؤله بنجاح الحوار لامتلاك المنظمة مقومات إيجابية.
وعن قبول الاتحاد الجلوس مع حزب ائتلاف الكرامة المشارك في التحالف الحكومي والذي أثارت مواقفه المتشددة استياء طيف واسع من التونسيين في الآونة الأخيرة، أوضح الطبوبي أن الاتحاد لن “يجلس مع ائتلاف الكرامة”، كاشفا عن وجود خلافات مع طرفين هما “ائتلاف الكرامة” و”الدستوري الحر”.
وفيما يرى متابعون أن استبعاد ائتلاف الكرامة مبرر، حيث زادت مواقفه المتشددة من قضايا الحريات ومناوراته من توتر المشهد السياسي، إلا أن استبعاد الحزب الدستوري الحر يثير التساؤلات.
وتعليقا على موقف اتحاد الشغل، الذي أكد رفضه تشريك الحزب الدستوري الحر في الحوار الوطني، قالت عبير موسي “لم أكن أتمنى أن تضع نفسك في هذه الوضعية، وأن يأتي اليوم الذي يقود الاتحاد من يقف في صفّ الغنوشي والظلاميين والتكفيريين”، في إشارة منها إلى حركة النهضة.
وأضافت موسي في كلمة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، الخميس، “لا يمكن أن ننكر بأن اتحاد الشغل قطعة من قلوبنا وهو ملك التونسيين والدولة الوطنية، ولكن نحن نتأسّف اليوم لأنه سقط في أيادي قيادة تحمله للفكر الظلامي والتكفيري”.
وأكّدت في سياق متصل أن تونس “ليست في حاجة إلى حوار وطني بقدر ما هي في حاجة إلى حلول وإنجازات وإصلاحات كبرى”. وتابعت “الحوار هو جريمة جديدة ستُضاف لجرائمكم في هدم البلاد وتحطيمها والآن هو وقت إنجازات وليس وقت مقترحات”.
وثمّن سياسيون مبادرة الاتحاد، مطالبين بتوجيه الدعوة للدستوري الحر في ما تبقى من الأيام القادمة قبل موعد عقد الحوار.
وأعربت النائبة سهير العسكري عن تأييدها لمبادرة الاتحاد لتنظيم حوار وطني للخروج من الأزمات، وفيما أبدت تفهمها لرفض الاتحاد مشاركة ائتلاف الكرامة بسبب خلافه الحاد معه، إلا أنها في المقابل دعت إلى التدارك وتشريك الحزب الدستوري الحر.
وتابعت في تصريح لـ”العرب”، “الدستوري الحر يرفض المشاركة ولا يريد الجلوس مع حركة النهضة”. واستدركت “يجب التدارك وتوجيه الدعوة مجددا لعبير موسي للمشاركة، باعتبار أن حزبها طرف سياسي ويمثل شريحة من الشعب التونسي ويعكس تصورات فئة واسعة من الشارع”.
وعلى الرغم من تصدره لاستطلاعات الرأي في الشارع السياسي التونسي، إلا أن الدستوري الحر سيجد نفسه خارج دائرة صناع القرار السياسي في الحوار، ما أثار غضب شخصيات سياسية وحقوقية.
وعبّر الإعلامي والمحلل السياسي التونسي لطفي العماري عن غضبه من الاتحاد العام التونسي للشغل بسبب إقصاء الدستوري الحر من الحوار.
وقال في تصريح لتلفزيون محلي “إن الدستوري الحر هو الحزب الأول في استطلاعات الرأي وإقصاؤه أمر مستغرب”.
وأضاف العماري “أن ائتلاف الكرامة موجود بمشاركة حركة النهضة”. وتابع “ائتلاف الكرامة هو اليد الغليظة للنهضة”.
ويطرح قرار استبعاد الدستوري الحر حقيقة خضوع الاتحاد لضغوط من الرئيس سعيّد وحزامه المتبني للحسّ الثوري على غرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب (الكتلة الديمقراطية).
وتحاول أطراف سياسية التموقع من جديد في المشهد من محطة الحوار كممارسة للديمقراطية السياسية الحقيقية.
ولفت المحلل السياسي منذر ثابت في تصريح لـ”العرب”، إلى أن “موقف الاتحاد انفعالي، وليس من مصلحة المنظمة النقابية أن يقصى الدستوري الحر في إطار تماسك موقفه من جهة، وفي إطار دوره التعديلي من جهة ثانية”.
وبرأي ثابت “من المفارقة إقصاء طرف منتخب وتوجيه الدعوة لأطراف أخرى لم تنل ثقة الناخبين، والأمر متصل بتصريحات عبير موسي بخصوص الاتحاد، ويبدو أن هذا موقف سعيّد”.
واعتبر أن دور الاتحاد “أن ينأى بنفسه وأن يتجاوز ثنائية الثورة والثورة المضادة وألا يخضع إلى ما ترتئيه بعض الأطراف”.
ورأى متابعون أن الحوار الوطني مبادرة على مقاس الأحزاب الثورية التي تحظى بدعم الرئيس سعيد واتحاد الشغل.
وسبق أن أوضح رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي “أن الحوار الوطني يجب أن يشمل المؤمنين بالثورة ومدنية الدولة”، مشيرا إلى أن “عبير موسي لا تؤمن بالثورة”. فيما وصف ائتلاف الكرامة بـ”المجموعة العنيفة التي تبيّض الإرهاب”.
واقترح اتحاد الشغل في مبادرته التي وجهها مطلع شهر ديسمبر الماضي إلى رئيس الدولة، إرساء هيئة حكماء تضم عددا من الشخصيات الوطنية المستقلة من كافة الاختصاصات تتولى مهام الإشراف على حوار وطني يقود إلى إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
ودعا الاتحاد في مبادرته الوطنية إلى أن تخضع الهيئة المذكورة إلى إشراف رئاسة الجمهورية وألا يترشح أعضاؤها إلى المناصب السياسية، مؤكدا ضرورة أن توكل لهيئة الحكماء مهام الإشراف على حوار وطني يقود إلى توافقات تمكن من الشروع في إصلاحات سياسية واقتصادية من أجل إنقاذ البلاد.
وضبط الاتحاد أهم المحاور التي سيدور حولها الحوار في ثلاثة مجالات، يهم أولها الجانب السياسي، ويتركز أساسا حول تقييم قانوني الأحزاب والجمعيات في اتجاه مراجعتهما لسدّ الثغرات وتحسين مراقبة مصادر التمويل ومدى انسجام أهدافها وممارساتها مع أحكام الدستور.