ارتياح في الكويت بعد اكتمال "الانتقال السلس" للسلطة

الانتقال السلسل للسلطة في الكويت بعد وفاة الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والذي اكتمل الخميس بموافقة البرلمان على اختيار الشيخ مشعل الأحمد لتولي منصب ولي العهد، مثّل مفاجأة للمطّلعين على الشأن الكويتي وما يدور داخل الأسرة الحاكمة من صراعات كان يتوّقعّ أن تعرقل التوافق على شخص الشيخ مشعل، لولا دقّة الظرف التي حتّمت تجاوز الخلافات وتأجيلها ولو إلى حين.
الكويت - عبّر رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح عن عمق القلق الذي كان يسود الأسرة الحاكمة والطبقة السياسية من احتمالات تفجّر صراع على منصب ولي العهد.
وقال معلّقا على موافقة نواب البرلمان بالإجماع على تعيين الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بالمنصب “لنا أن نفتخر كدولة الكويت بإنجاز عملية الانتقال الهادئ والسلس للسلطة وفق أحكام الدستور وإجراءاته خلال أيام معدودة بما يمثله ذلك من شاهد حضاري للممارسة الديمقراطية الواعية”.
كما لم يُغفل الشيخ صباح الإشارة إلى صعوبة الظرف الذي تمرّ به بلاده والذي يبدو أنّه حفّز أبناء الأسرة الحاكمة على تسهيل عملية نقل السلطة توقّيا من الأخطار وتجّنبا للمحاذير.
ولم يخل كلام الشيخ صباح الذي حظيت حكومته قبل أيام بثقة أمير البلاد الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، من تعبير غير مقصود، عمّا انطوى عليه اختيار ولي للعهد بتلك السرعة والسهولة من مفاجأة لم تكن متوقّعة بفعل ما هو معلوم لدى الجميع من صراعات على السلطة داخل الأسرة الحاكمة في الكويت كان يُتوقّع أن تعسّر عملية التوصّل إلى تفاهم بين ممثلي الأجنحة المتصارعة على اختيار من يتولى ولاية العهد، حيث لم يكن أكثر المراقبين تفاؤلا يتوّقعون أن يتنازل أي من المتنافسين بسهولة عن المنصب ذي الأهمية البالغة في منظومة الحكم بالبلاد.
وأرجع متابعون للشأن الكويتي سرعة الموافقة على إسناد منصب ولي العهد للشيخ مشعل، إلى الظرف الحرج الذي توفي فيه الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد وما حفّت به من مصاعب وتعقيدات وخصوصا ما يتّصل منها بالوضع الاقتصادي والمالي للبلد جرّاء جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، حتى وصل الأمر إلى عدم اليقين بقدرة الدولة على توفير رواتب موظّفيها، بحسب بيانات سابقة للحكومة الكويتية.
ورجّح هؤلاء أن يكون أقطاب الصراع في الأسرة الحاكمة قد آثروا القفز على خلافاتهم وتأجيلها إلى حين، وذلك لمعرفتهم بدقة الظرف وخطورته على الجميع.
وخلال فترة مرض الأمير الراحل ووجوده منذ يوليو الماضي في الولايات المتّحدة للعلاج، بدا الوضع داخل الأسرة الحاكمة في الكويت محتقنا، وهو ما خرج إلى العلن من خلال بعض القضايا والأحداث التي بدا أن تفجيرها غير منفصل عن دوافع كيدية على غرار تسريب شريط مصور يظهر مجموعة من المسؤولين الأمنيين بينهم شيخ من أسرة آل الصباح بصدد “التآمر” للقيام بعمليات تجسس على مواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار الشيخ صباح الخالد في كلمته أمام البرلمان في جلسة التصويت على اختيار الشيخ مشعل وليا للعهد إلى صعوبة الظرف الذي تمرّ به بلاده قائلا “إننا أيها الأخوة أمام مرحلة حافلة بالتحديات والاستحقاقات لا تسمح بالفرقة أو الانقسام وهي مسؤولية مشتركة جسيمة وأمانة كبرى في أعناقنا أن نتمسك بوحدتنا الوطنية وأن نركّز الاهتمام على مواجهة معركة الإصلاح والبناء والتنمية”.
واكتمل الخميس، نقل السلطة ودخول مرحلة ما بعد الشيخ صباح، حيث أدى الشيخ مشعل الأحمد الصباح اليمين الدستورية وليا للعهد أمام مجلس الأمّة (البرلمان) وتعهد بالتزام بلاده بالديمقراطية والسلام ونبذ الفرقة والانقسام.
وعكس إجماع نواب المجلس الحاضرين وعددهم 59 نائبا على الموافقة على إسناد المنصب للشيخ مشعل رغبة عامّة في بسط الاستقرار وتأمين الاستمرارية، ذلك أن النواب أنفسهم غالبا ما يعكسون الصراعات على السلطة حيث يميل بعضهم إلى هذا الجناح أو ذاك من أجنحة الأسرة الحاكمة.
وحرص ولي العهد الجديد على توجيه رسائل طمأنة إلى الداخل والخارج على حدّ سواء. وقال في كلمة أمام البرلمان بعد أداء القسم “نحن على يقين بأن الكويت بقيادة سموه (الأمير) ستواصل مسيرتها الريادية دولة دستور ونهجا ديمقراطيا ومشاركة شعبية ومصداقية في الأفعال قبل الأقوال، داعية إلى الخير والسلام ومنبرا للخير والعمل الإنساني”. وأكد أنّ “الكويت باقية على التزاماتها الخليجية والإقليمية والدولية”.
وتعهد بأن يكون لأمير البلاد “العضد المتين والناصح الأمين.. والمواطن المخلص الذي يعمل لازدهار وطنه، الراعي لمصالحه، المحافظ على وحدته الوطنية، الساعي إلى رفعته وتقدمه، المتمسك بالدين الحنيف والثوابت الوطنية الراسخة، الحريص كل الحرص على تلبية طموحات وآمال الوطن والمواطنين.. رافعا شعار المشاركة الشعبية عاملا على إشاعة روح المحبة والتسامح ونبذ الفرقة”.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن أسلوب أمير البلاد الجديد الشيخ نواف الأحمد، وسنه (83 عاما)، قد يدفعانه لنقل جزء أكبر من المسؤوليات إلى ولي العهد.
وأصبح الشيخ مشعل، وهو أيضا أخ غير شقيق لأمير البلاد الراحل، نائبا لرئيس الحرس الوطني في عام 2004 وكان رئيسا لجهاز أمن الدولة لمدة 13 عاما. وقالت مصادر كويتية إنه سبق له رفض مناصب عليا عُرضت عليه وظل بعيدا عن الصراعات السياسية والأدوار العامّة.