ارتفاع أسعار النفط يضغط على الميزانية العامة في تونس

تحمل انتعاشة سعر برميل النفط عالميا إشارات سلبية على الاقتصاد التونسي، حيث دفعت إلى رفع أسعار المحروقات وبالتالي زيادة كلفة الدعم ما يزيد الضغوط على الموازنة العامة ويهدد بارتفاع التضخم وتفجر أسعار المواد الأساسية.
تونس - دفع ارتفاع أسعار النفط عالميا تونس إلى زيادة أسعار المحروقات ما يزيد الضغوط على كلفة الدعم ويضاعف مخاطر ارتفاع الأسعار والتضخم، بفعل عدم دقة توقعات قانون الميزانية والهشاشة أمام تحمل مفاجآت الخام مما يربك التوازنات المالية.
ورفعت تونس مؤخرا أسعار الوقود بنحو 2 في المئة، في محاولة لمواجهة عجز الميزانية، وهذه هي أول زيادة منذ عامين بحسب ما أعلنت وزارة الطاقة التونسية.
وارتفع سعر برميل النفط عالميا بنسبة 1.26 في المئة ليسجّل 60.19 دولار في وقت انتعشت فيه الأسواق على خلفية إطلاق اللقاحات، وتراجع سرعة انتشار العدوى بفايروس كورونا.
وكانت الحكومة التونسية قلصت أسعار الوقود ثلاث مرات العام الماضي إذ انخفضت أسعار النفط في السوق العالمية.
وأشارت وزارة الطاقة إلى أن سعر لتر البنزين سيرتفع من 1.915 دينار إلى 1.955 دينار.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر هذا الشهر من أن عجز الميزانية في تونس قد يتجاوز 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا لم تطبق الحكومة إصلاحات ضرورية منها السيطرة على دعم الطاقة.
وتواجه تونس مصاعب اقتصادية غير مسبوقة، إذ بلغ العجز المالي 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، وهو أعلى مستوى في قرابة أربعة عقود.
ويجمع خبراء اقتصاديون على أن الاقتصادات الهشة المستوردة للنفط لا تتحمل تقلبات أسعار الخام، نظرا لاعتمادها على توقعات تحتمل الخطأ بخصوص سعر برميل النفط ما يتسبب في إرباك توازناتها وزيادة الضغوط على كلفة الدعم كما هو الحال بالنسبة إلى تونس.

محمد الصادق جبنون: الخلل يكمن في بنية الاقتصاد الذي لا يدفع إلا إلى الاقتراض
وقال النائب بالبرلمان التونسي وعضو لجنة المالية هشام عجبوني في تصريح لـ”لعرب”، إن “هذه الزيادة في أسعار النفط ناتجة عن سياسة التعديل الآلي التي طلبها صندوق النقد الدولي لترشيد الدعم خصوصا في مجال المحروقات وهو أمر متوقع”.
ورجح النائب أن “تعاود أسعار المحروقات في تونس الارتفاع بالنظر إلى وصول سعر برنت حاجز الـ60 دولارا وبدء عودة النمو الاقتصادي في العالم، مما سيحمل أسعار المحروقات إلى الارتفاع مجددا بعد انخفاضها خلال ذروة انهيار أسعار الخام فضلا عن ارتفاع أسعار المواد الأساسية تبعا لارتفاع الدعم ما سيتسبب في زيادة التضخم”.
وفي وقت سابق حذّر صندوق النقد الدولي، من أن العجز في الموازنة التونسية قد يرتفع إلى أكثر من 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في حال لم يتمّ ضبط كتلة الأجور ومراجعة الدعم المخصّص للطاقة والتحويلات إلى الشركات العامة.
وكانت تونس قد تمكنت خلال الموجة الأولى لتفشي جائحة كورونا من ادخار المخصصات المالية التي كانت موجهة لدعم المحروقات نظرا لانخفاض أسعارها آنذاك إلى حدود 18 و20 دولارا مما مكن من توجيه هذه الموارد نحو جهود مكافحة الوباء.
وتم ضبط احتمال سعر البرميل في قانون الموازنة للعام الماضي بـ65 دولارا ما مكن من ربح هذه الأموال التي خصصت لدعم المحروقات في تقليص العجز التجاري ومساعدة الشركات والأفراد المتضررين من الجائحة.
وأشار عجبوني إلى أن “قانون الموازنة للعام 2021 اعتمد على توقعات خاطئة بخصوص النمو وسعر صرف الدينار”، لافتا إلى أنه “أخذ بعين الاعتبار انطلاق عمل حقل نوارة بكامل طاقته الإنتاجية وهو أمر غير ممكن بالنظر إلى صعوبات مالية وتقنية تتعلق بالمستثمر الأجنبي الشريك في المشروع”.
واعتبر العجبوني أن “الاعتماد على توقعات نمو خاطئة يزيد الضغوط على المالية العامة”، معبرا عن استغرابه بشأن مصادر التمويل التي ستجلبها الحكومة للإيفاء بالتزاماتها الجديدة مع الشركاء الاجتماعيين”.
وكانت الحكومة قد أبرمت اتفاقيات الزيادة في الأجور لعدد من القطاعات سيتم صرف نصفها العام الجاري، كما أمضت اتفاقا مع معتصمي الكامور لتشغيلهم في الشركات النفطية بالجنوب التونسي ما من شأنه زيادة الضغوط على فاتورة الأجور العالية أصلا.
وتضاعفت فاتورة الأجور في تونس إلى نحو 20 مليار دينار (7.45 مليار دولار) من إجمالي ميزانية البلاد البالغة 52 مليار دينار في 2021 مسجلة ارتفاعا من 7.6 مليار في 2010.
وقال العجبوني “أوجه سؤالي إلى الحكومة ماهي كلفة هذه النفقات الجديدة وكيف سيتم تمويلها”، معتبرا أن “الحكومة تنتهج طريق التسويف الذي سيكون له كلفة اجتماعية عالية”.
وفي هذا السياق كان معتصمو الكامور قد أعلنوا خلال الأيام القليلة الماضية إمهال الحكومة بضعة أيام لتفعيل اتفاقيتها مهددين بالتصعيد وغلق محطات الإنتاج الأمر الذي يهدد بتعميق الاحتقان الاجتماعي والشعبي.
ويرى خبراء أن الحكومات المتعاقبة في تونس طيلة العشر سنوات الأخيرة أوغلت في سياسة شراء السلم الاجتماعي، حيث وافقت على إمضاء التزامات اجتماعية لتهدئة المطلبية الشعبية دون مراعاة للتوازنات المالية.

هشام عجبوني: توقعات النمو الخاطئة تزيد الضغوط على المالية العامة
ويجمع خبراء أن الخروج للسوق المالية العالمية أمر صعب نظرا لكلفة القروض العالية وتصنيف تونس ضمن خانة الديون الخطرة. وفي هذا الإطار طالب العجبوني بتسريع الحوار الوطني للتوافق حول الإصلاحات الكبرى التي طلبها صندوق النقد الدولي لتوجيه رسالة طيبة للمانحين.
ودعا العجبوني إلى “ضرورة الاعتماد على مصادر مستدامة لتحقيق الإيرادات كالاستثمار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي وتكوين خزينة معلومات اقتصادية ضخمة لتوفيرها للشركات وأصحاب أفكار المشاريع”.
ومن جهة أخرى قال الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون في تصريح لـ”لعرب”، إن “الدولة مطالبة بتوفير نحو 16 مليار دينار (حوالي 5.9 مليار دولار) لتلبية النفقات الجديدة في قانون الموازنة”، مشيرا إلى أن “على الحكومة المضي قدما في تحقيق النمو والاستثمار وإزالة البيروقراطية للخروج من أزماتها”.
وأضاف “يمكن تمويل النفقات بشرط إعادة نسبة النمو التي تعد أحسن وسيلة لتخفيض التداين”، مشيرا إلى أنّ “الخلل يكمن في بنية الاقتصاد الذي لا يدفع إلاّ للاقتراض والحلول الترقيعية ولا يخلق الثروة بسبب البيروقراطية المعطلة والقوانين البالية”.
وشدّد جبنون على أنّ “تحقيق نسبة النمو مرتبط بتسريع اللقاحات”، مبينا أن “الضروري اليوم إرساء قانون المالية التكميلي وقانون الإنقاذ المالي للأخذ بعين الاعتبار تطور الوضعية الصحية والوضعية الدولية”.
ويطالب صندوق النقد الدولي تونس بخفض العجز المالي في وقت تهز البلد احتجاجات عنيفة منذ أسبوع للمطالبة بفرص عمل وتنمية اقتصادية، وسط ضائقة اقتصادية غير مسبوقة عمّقتها تداعيات جائحة كورونا.
وسبق واتفق رئيس الحكومة هشام المشيشي مع بعثة خبراء صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، على وضع برنامج إصلاح اقتصادي بغرض الحصول على تمويل جديد من الصندوق، وذلك بعد نهاية الاتفاق الموقع بين الجانبين الذي امتد منذ عام 2016 إلى 2020.