احتقان شعبي بسبب أزمة النفايات جنوب تونس

تونس - طرحت أزمة تراكم النفايات في محافظة صفاقس جنوب تونس، ورفض المواطنين قرار السلطات إعادة فتح مكب للنفايات في المنطقة، مفهوم المناطقية التي باتت تعطل عمل الدولة، في وقت يرى فيه خبراء ومراقبون أن الأزمة متوارثة بسبب فشل الحكومات السابقة في إدارة الشأن العام.
وتجددت المواجهات بين قوات الأمن ومحتجين في منطقة عقارب التابعة لمحافظة صفاقس جنوب البلاد الثلاثاء، إثر قرار السلطات إعادة فتح مكب للنفايات في المنطقة لحل أزمة تراكم القمامة في المحافظة.
ورفض المحتجون إعادة فتح مكب النفايات، مندّدين بقرار السلطات استئناف نشاط المكبّ، وذلك بعد ليلة ساخنة من المواجهات بينهم وبين قوات الأمن.
واستخدم المتظاهرون الغاضبون -الذين أغلقوا الطرقات أمام شاحنات الفضلات- الحجارة، بينما استعملت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، قبل أن تنسحب. كما شهدت المدينة شللا تاما في الخدمات العامة، بعد غلق كل المؤسسات والمرافق الإدارية العمومية والخاصة.
وتعتبر السلطات التونسية أن مكبّ النفايات في منطقة عقارب -الذي يبعد عن محافظة صفاقس حوالي عشرين كيلومترا- مرفق عمومي مخصص لاستيعاب نفايات المحافظة، لكن أهالي المنطقة يشتكون من الآثار البيئية والصحيّة لهذا المكبّ بعدما بلغ طاقته القصوى، ويطالبون بتطبيق القرار القضائي الصادر منذ يوليو 2019 والقاضي بغلقه، وإيجاد حلول بديلة.
ويُحمل ناشطون بيئيون الحكومات المتعاقبة مسؤولية عدم معالجة المشاكل المتعلقة بمكبات النفايات وترحيلها للحكومات القادمة، حيث يوجد حكم قضائي ينص على بلوغ مكب عقارب طاقته القصوى.
وأفاد الناشط البيئي حسام حمدي بأن “تاريخ انتهاء وضع النفايات في مكب عقارب انتهى منذ سنة 2013، وقد وضعت فيه نفايات خطيرة منها النفايات الطبية المضرة بالبيئة”.
وأضاف حمدي لـ”العرب” أن “المسؤولية مجتمعية ومن غير المعقول أن يتحمل مواطن في منطقة ما تبعات وضع نفايات غيره، والخطأ تراكم منذ وجود الحكومات السابقة”.
ولفت إلى أنه “يمكن تثمين هذه النفايات (70 منها نفايات عضوية) وإيجاد طرق مغايرة ورسم مخطط نهائي لها، وهذا يتوفر عبر الإرادة السياسية، ولكن لا بدّ من إيجاد حل لهذه النفايات في نهاية المطاف”.
وتتعاظم مشكلة التخلص من أكداس النفايات في ظل رفض عدة مناطق وضعها في مكبات تابعة لها، ما يطرح بشدة تساؤلات حول كيفية تخلص المحافظة من القمامة، حيث قال الناشط البيئي “منطقة عقارب يمكن أن تكون حلا وقتيا ثم يتم غلق المكب”.
وحمل الرفض الشعبي لرمي النفايات في عقارب مشكلة المناطقية التي تكرست في السنوات الأخيرة بسبب ضعف السياسات التنموية للحكومات السابقة وفي ظل غياب استراتيجيات واضحة من الدولة لإيجاد الحلول.
وطرحت أطراف سياسية مسألة التقسيمات الترابية العشوائية وكيفية تهيئة المناطق العمرانية وتنظيمها، لافتة إلى وجود أطراف سياسية تحرك هذه الاحتجاجات.
وأكد المحلل السياسي رافع الطبيب أنه “يوجد علم اسمه التهيئة الترابية أو تنظيم المجال، ويتم تنظيمه في فضاء وطني للتكامل بين الأنشطة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “هناك مناطقية جديدة، والتطور العمراني في تونس انتشر بشكل عشوائي، والدولة لم تفكر في بعث خزان عقاري، وأصبحت هناك فوضى في استعمال الفضاء”، مشيرا إلى أن “تونس تعيش لأكثر من ثلاثين سنة دون تهيئة التراب الوطني”.
وتابع الطبيب “هناك من يحرّكون الاحتجاجات بالأموال، وأبرزهم اللوبيات المتمعشة من الحكم المحلي لأن سوق رفع النفايات تعتبر من الأسواق الكبيرة، والبلديات بها أموال طائلة وفيها ممارسات فساد”.
وأشار إلى “وجود رافعات تحرّك الشارع وراءها أحزاب السلطة القديمة التي خرّبت البلاد”، مطالبا الرئيس قيس سعيد بزيارة الجهة والسعي لحل الأزمة البيئية مثلما حلّ الأزمة الصحية”.
وأقيم مصب النفايات المنزلية والمشابهة “الڨنة” في عقارب بمحافظة صفاقس سنة 2008 بقرار من المجلس الجهوي، رغم اعتراض بعض المسؤولين المحليين والسكان بحكم قربه من مركز المدينة ومناطق العمران.
وكانت مدة الاستغلال مبرمجة لخمس سنوات إلا أنها تجاوزت ذلك إلى أن نجح حراك “مانيش مصب (لست مصبّا)” ميدانيا وقضائيا في فرض إعلان وزارة البيئة غلق المصب.
ونفت وزارة الداخلية خبر وفاة شاب جراء إصابته في الأحداث التي شهدتها المنطقة ليلة الاثنين.
وأوضحت في بلاغ أن “المعني بالأمر توفي إثر إصابته بتوعك صحي طارئ بمنزله الكائن على بعد 06 كلم من مكان الاحتجاجات حيث تم نقله من قبل أحد أقاربه إلى مستشفى المكان أين فارق الحياة”.
والثلاثاء أفادت وسائل إعلام محلية بأن “المحتجين عمدوا، إثر انسحاب قوات الأمن، إلى حرق مقر مركز الحرس الوطني في المدينة”.
وفي أكتوبر الماضي اقترحت وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي على بلديات صفاقس خلال زيارتها للمدينة إنشاء مساحات جديدة بعيدة عن المنازل لتخزين النفايات مؤقتا، لكن هذا الحل المؤقت قوبل برفض السكان الذين اعترضوا على تحويل أراض إلى مكبات.
وتجتاح النفايات وروائحها الكريهة منذ أسابيع شوارع مدينة صفاقس الصناعية الكبيرة، وأطلق سكان ومنظمات غير حكومية السبت صرخة إنذار في مواجهة الأزمة التي تعكس في رأيهم الإدارة الفاشلة للنفايات في البلاد.