إطلاق الآباء العنان لأبنائهم يسقطهم في فخ الوعود الزائفة

لا يمكن أن ينسى الطفل وعدا من أمه أو أبيه مهما صغر حجم هذا الوعد أو كبر فوعود الآباء لأبنائهم تظل راسخة في مخيلتهم، وأقوالهم تظل مسجلة في ذاكرتهم لكن عدم تحقيقها يزعزع ثقتهم ويشوّش أفكارهم ويقوض مفهوم القدوة لديهم.
يقرّ علماء النفس بأن الوعود الزائفة للآباء تهز ثقة أبنائهم تجاههم ويجزمون بأنها طريق الأبناء السريع للكذب. ويوصون بالابتعاد عن الوعود الكاذبة مهما كانت بسيطة لأن أقوال الآباء مسجلة في ذاكرة الأبناء وكل حياد عن هذه الأقوال يشوش حياة الأطفال.
ويؤكد الخبراء على أن الوعود الكاذبة يمكن أن تلحق الضرر بالأبناء وشخصياتهم، ويحذرون من استخدام أسلوب التهديد والوعود الكاذبة في تربية الأطفال.
كما نصحوا الآباء بأن لا يكونوا سببا داعما للكذب من خلال عدم احترامهم لوعودهم تجاه أبنائهم فيعززون بذلك هذا السلوك لديهم ليصبح عادة تطبع نمط حياتهم ومهربا لهم في عديد الوضعيات.
وحذر أحمد الأبيض المختص في علم النفس من مخاطر الوعود الزائفة على الناشئة، مؤكدا على أن الكلمة تفقد معناها ودلالاتها إذا لم تتحقق على أرض الواقع.
وقال الأبيض لـ”العرب”، “إذا ربينا أبناءنا على الوعود الكاذبة منذ الطفولة فإننا نعلمهم أن يقولوا كلاما غير ذي معنى وإذا تكرر هذا السلوك نعوّدهم بطريقة غير مباشرة على الكذب”.
وأضاف أن الصدق كقيمة أخلاقية يفقد معناه وبالتالي يفقد الطفل الثقة لاحقا في أبويه وفي القيم الأخلاقية ككل.
الوعود الزائفة لا تقتصر على المكافآت التحفيزية بل تتعداها إلى المواعيد أو الخروج في نزهة أو الجلوس مع الطفل
بدوره شبّه وائل الشوربجي المختص في علم النفس الأبناء بالعجينة التي تتشكل على يد الأولياء من خلال سلوكهم. وقال الشوربجي إن هناك من الأطفال من يحزن إذا تخلّف أبوه عن تنفيذ وعده ومن يفرح إذا لم ينفذ ما هدد به، محذرا من الوعود الزائفة والتهديدات الواهية.
وأكد أن الأطفال بالرغم من أنهم صغار السن إلا أنهم واعون ومدركون وحساسون أيضا، مشيرا إلى أن أقوال الآباء مسجلة في ذاكرة الأبناء.
وقال الشوربجي إن علاقة الطفل بوالده تصبح واهية كما تصبح الحياة بلا معنى عندما لا تتحقق الوعود.
ولا تقتصر مسألة الوعود الزائفة على مجتمع دون آخر، بل هي ظاهرة وجب التعامل معها بجدية وفق علماء النفس لأنها سلوك سلبي له تأثير بالغ على الاطفال.
ومن جهتهم يرى خبراء التربية أن الوعود الزائفة لا تقتصر على المكافآت التحفيزية بل تتعدى ذلك إلى المواعيد الوقتية أو الخروج في نزهة أو الجلوس مع الطفل ومناقشته في أمر ما.
ويشير المرشدون التربويون إلى أن الطفل يحتاج إلى العناية والاهتمام والمزيد من الإصغاء والشعور بالثقة تجاه القائمين على تربيته، وينصحون بأن يضع الآباء مذكرة يضبطون فيها مواعيدهم مع أبنائهم سواء المتعلقة بالخروج إلى النزهة أو المخصصة للنقاش ومراجعة الواجبات المدرسية.
ويرون أن هذه المذكرة تساعد الآباء على تذكر ما يطلقونه من وعود لأبنائهم وتجعلهم سباقين إلى تحقيقها والوفاء بها دون تأخير.
ومن جانبها ترى أخصائية علم النفس التربوي أماني علي أن عدم الوفاء بالوعود يعد ضربا من الكذب، مشيرة إلى أنه ينشأ لدى الأطفال بسبب عدم ثقتهم بالآباء نتيجة الوعود التي أطلقوها ولم يفوا بها.
وقالت علي إن هذا النوع من الكذب شائع في البيت والمدرسة حيث لا يتقيد بعض المعلمين بمواعيد وقتية مع طلابهم مثل مواعيد الاختبارات أو بوعودهم للمتميزين بالسلوك الحسن بنجاحهم دون النظر إلى مؤهلاتهم العلمية ثم لا يفون بذلك.
واقترحت علي تنظيم دورات تدريبية للآباء والأمهات في كيفية التعامل مع أبنائهم كنوع من علاج الوعود الزائفة.
من جهته أكد أحمد الأبيض على عدم اضطرار الآباء إلى إطلاق وعود زائفة للهروب من طلبات أبنائهم التي لا يقدرون على تحقيقها، مقترحا تعويد الأطفال على المشاركة في ضبط ميزانية البيت وتعويدهم على اللجوء إلى الادخار عوض الإنفاق على أشياء يمكن الاستغناء عنها.
وقال الأبيض إن الآباء الذين يطلقون العنان لأبنائهم سيقعون في فخ الوعود الزائفة وعليهم تجنب ذلك.
وشدد الأبيض على ضرورة أن يكون للطفل قدوة وأن يكون والداه هما القدوة والمثل الأعلى له. وقال “إذا لم يجد الطفل قدوته داخل الأسرة فإنه سيبحث عنها خارجها”.
كما ينبهه علماء النفس إلى أهمية دور الأسرة في تنشئة أطفال لا يكذبون من خلال تعايشهم مع والديهم.
ويؤكد المختصون أن الأطفال يقلدون آباءهم في أي سلوك، وإذا كذب الآباء والأمهات على بعضهم البعض مثلا، فإن الأطفال سيلتجئون لا محالة إلى الكذب. وأنه إذا ما لم ينفذ الآباء وعودهم تجاه أبنائهم، فإنهم سيشعرون بالخذلان، وفي مقابل ذلك إذا كذب الآباء فإن الأبناء سيتعلمون منهم هذه الصفة السيئة.
وشددوا على ضرورة أن يكون الأبوان مثالا وقدوة في الالتزام لأن القدوة أكثر وسائل التربية تأثيرا.
وأوضحوا أن عدم الالتزام بتحقيق الوعود يشير إلى وجود خلل ما في بعض جوانب شخصية الفرد، ودليل على استخفافه واستهتاره بالآخرين، مؤكدين على أن عدم التزام الفرد بوعوده ناتج عن تقصير وعدم اكتراث أكثر منه بسبب الانشغال أو ظروف طارئة.
ولفت علماء النفس إلى أن الوعد مهما كان تافها في نظر الوالدين فإنه يصبح ذا معنى لدى الاطفال، فحتى إذا وعد الأب بالرجوع إلى المنزل قبل موعد نوم الطفل ولم يأت في الموعد فإن ذلك سيترك أثرا سلبيا في نفسه، ونصحوا بأن لا يقطع الآباء على أنفسهم وعودا من قبيل “سآخذك للعب مع صديقك الأسبوع القادم” أو “سـأمنحك هدية جيدة إذا نظفت غرفتك” أو “سأرافقك إلى الملاهي في يوم عيد ميلادك” فربما تعذر عليهم ذلك.