إسعاد يونس سفيرة السعادة في الإعلام المصري

فنانة وكاتبة ومذيعة تغير خارطة البرامج الحوارية بطريقة مبدعة ومقومات خاصة للمذيع مذكرةً الأجيال المعاصرة بجماليات تاريخ مصر.
الخميس 2019/12/26
تلقائية غير نمطية

طغت ظاهرة “الفنان المذيع” على خارطة البرامج في الكثير من الفضائيات المصرية. لكن الممثلة الكوميدية إسعاد يونس استطاعت تقديم برنامج اجتماعي بنكهة خاصة، يحمل اسم “صاحبة السعادة” على شاشة “دي.أم.سي”، وفازت بجائزة “دير جيست” كأفضل برنامج مصري لخمس سنوات متتالية، بعدما حققت شعبية واسعة بين مختلف الفئات، وابتعدت عن النمطية، واختارت التجديد في القضايا المطروحة وطريقة العرض نفسها.

تصنف يونس، بأنها مذيعة تدخل البهجة على المشاهد وتمنحه طاقة إيجابية، بعكس برامج أخرى تهتم بطرح قضايا مثيرة للجدل، وتركز على الضيوف أصحاب التصريحات الشائكة لجذب الجمهور إلى متابعتهم، وتنتزع إسعاد ما يبث في الناس روح التسامح والمحبة والسرور، ما جعل كثيرين يطلقون عليها لقب “سفيرة السعادة في الإعلام المصري”.

ممثلة تكره التمثيل

تمتلك مقومات خاصة للمذيع، أكثرها لا يرتبط بكونها فنانة، إذ يكفي أن تتابعها لحلقة واحدة، حتى تشعر بأنها تلقائية لأقصى درجة، تكره مراوغة المشاهدين، وتقول عن ذلك “أنا ممثلة بارعة عندما أقوم بتأدية دور فني، لكن عندما أخاطب الشارع من على كرسي المذيع، فلا يمكن أن أؤدي نفس الدور، لأنني أكره التمثل في الحقيقة، واعتبر الشخص الذي يقوم بذلك، مخادعا”.

الضيف والمشاهد لا يشعران بأن يونس نجمة تؤدي دور المذيع بشخصية رجل الشارع، وتتحدث بلسان عامة الناس، فمن النادر أن توجه أسئلة لضيوفها بعيدا عما يدور في عقل واهتمامات القطاع العريض من الجمهور، ما جعل ضيوفها يتعاملون معها براحة نفسية وأمان كامل ودون أن يشعروا أنها مذيعة تحاورهم بدهاء ومكر، لإخراج كل ما في جعبتهم من أسرار، أو توريطهم في تصريحات مثيرة.

الضيف والمشاهد لا يشعران بأن يونس نجمة تؤدي دور المذيع بشخصية رجل الشارع، وتتحدث بلسان عامة الناس، فمن النادر أن توجه أسئلة لضيوفها بعيدا عما يدور في عقل واهتمامات القطاع العريض من الجمهور

تجعل الذين تحاورهم يشعرون وكأنهم يجلسون في منزلها. تتحدث معهم في جو عائلي من غير تكلُف أو رسميات. تمارس هواية الطبخ داخل الأستديو في حضورهم، وتتناول معهم الطعام في أثناء الحوار، وفي الكثير من الأحيان يساعدونها في الطهي.

وهي تحظى بقبول لافت في الوسط الفني، وتمتلك قاعدة علاقات قوية مع أغلب الشخصيات المؤثرة في المجتمع. كل فترة تفاجئ جمهورها بضيف نادر الظهور على الشاشات المصرية. تحسن استقبال هؤلاء بالطريقة التي يحبونها، سواء بعبارات المدح أو التذكير بالماضي الجميل، إذا كان سياسيا أو رياضيا، ولو كان الضيف ينتمي إلى الوسط الفني تستقبله بالرقص والتهليل وكأنها فتاة صغيرة تبرهن أن عمر الإنسان مجرد رقم.

ابنة الفن

هناك برامج يقدمها فنانون قريبة نسبيا من ملامح “صاحبة السعادة”، لكن ثمة فرقا شاسعا بينهم وبين يونس، فهي عملت مذيعة قبل دخولها الوسط الفني، أيّ أنها تمتلك الحس الصحافي والمهارة في انتقاء الكلمات وإجراء الحوار بطريقة غير تقليدية، كما أن اهتمامها بمتابعة البرامج الحوارية في الإعلام الغربي جعلها تكتسب خبرات إضافية.

تنتمي يونس إلى عائلة فنية بالأساس، إذ أن والدتها الفنانة كوكب صادق، التركية الأصل، شاركت في أعمال معدودة مع بداية الخمسينات، وخالتها المطربة والممثلة بديعة صادق، وهذه قدمت بعض الأدوار الفنية خلال فترة الأربعينات وبداية الخمسينات، ولديها شقيقة مغنية تدعى إيمان يونس، وأخرى راقصة باليه اسمها أحلام يونس ترأست أكاديمية الفنون.

بدأت علاقتها بالإعلام، عندما تدربت على العمل بالإذاعة في البرنامج الأوروبي، منذ أن كانت طالبة في السنة الأولى من دراستها بمعهد الإرشاد السياحي، وبعد أن تخرجت عام 1968 عملت مساعدة في أحد برامج إذاعة الشرق الأوسط، حتى أثبتت جدارتها وأصبح لها برنامج خاص في نفس الإذاعة.

كان عمل والدها نقطة تحول في مشاورها الفني الممزوج بخبرات إعلامية، حيث ولدت للأب حامد جمال الدين يونس الذي عمل طيارا حربيا، وكان من الضباط الأحرار، والذي عمل في مؤسسة روزاليوسف الصحافية.

ورغم وفاته وهي في عمر الرابعة عشر، لكنها ظلت تستمد خطواتها وخبراتها منه بعد رحيله، وتمسكت بأن تنمي مهارتها الإعلامية كإحدى وصايا والدها، وربما هذا ما ساعدها في أن تكتب مقالا دوريا في مجلة “الشباب” المصرية، جذب انتباه قطاع كبير من قراء المجلة في سخريته وخفة ظله وعمق المضامين التي يحتوي عليها.

شغف بالتغيير

تجربة يونس في التأليف تعود لفيلم ”المجنونة“. بعده كتبت مسلسل “بكيزة وزغلول”، وكان علامة فارقة في مشوارها، حيث شاركت في بطولته وتألقت فيه مع النجمة القديرة سهير البابلي
تجربة يونس في التأليف تعود لفيلم ”المجنونة“. بعده كتبت مسلسل “بكيزة وزغلول”، وكان علامة فارقة في مشوارها، حيث شاركت في بطولته وتألقت فيه مع النجمة القديرة سهير البابلي

طوال مشوارها الفني الذي بدأ عام 1977، لم تنس يونس أنها تنتمي إلى الوسط الإعلامي، وكل فترة كان يراودها الحنين إلى الكتابة الصحافية، أو تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، لكنها استثمرت حبها في الكتابة، لتقوم بتأليف أعمال فنية، سينمائية وتلفزيونية، حققت نجاحات كبيرة، وظلت عالقة في أذهان الجمهور حتى اليوم.

قد يعتقد البعض أن ابتعادها عن التقليد والنمطية في تقديم برنامجها الاجتماعي “صاحبة السعادة” مجرد محاولة للتغريد خارج السرب، لكن المتابع لمشوارها في مجال التأليف الفني، يكتشف أنها شخصية شغوفة بالتغيير وصناعة حالة جديدة، وترك بصمة خاصة.

منذ بدأت كتابة الأفلام والمسلسلات لم تشبه معاصريها من المؤلفين، سواء أصحاب الكتابات الهزلية أو هواة الأقلام العميقة والأدب الثقيل، وتعمدت تأليف أعمال فنية تبعث البهجة والسرور.

خاضت تجربة التأليف من خلال فيلم “المجنونة”، وبعده كتبت مسلسل “بكيزة وزغلول”، وكان علامة فارقة في مشاورها، حيث شاركت في بطولته، وقامت من بعده بإعادة كتابة المسلسل في قالب سينمائي عبر فيلم “ليلة القبض على بكيزة وزغلول”، بمعالجة مختلفة دون تكرار للفكرة.

كان مسلسل “زغلول يلمظ شقوب”، محطتها الأكثر أهمية في التأليف، بل إنها كتبت السيناريو والحوار، أما آخر أعمالها كتابة قصة فيلم “تك تك بوم” عام 2011، قبل أن تقوم بتأليف مسرحية “شبورة”، وتبتعد عن الفن بعد المشاركة في تقديم ما يقرب من 100 عمل، بين فيلم ومسلسل ومسرحية، وتقف على منصات التتويج لحصد الجوائز عشرات المرات داخل وخارج مصر، إما لأدوارها الفنية المتميزة، وإما لتكريمها على الأفلام والمسلسلات التي أنتجتها عبر الشركة العربية للإنتاج والتوزيع التي امتلكتها قبل أن تتوقف منذ ثمانية أعوام.

لأنها صاحبة مسيرة فنية طويلة، وكاتبة ومؤلفة للكثير من الأعمال، فإنها تستثمر هذه الميزة لتوسيع قاعدة جماهيريتها، إذ تتعمد على فترات أن تمد المشاهد بمعلومات فنية وكواليس شيقة ومثيرة بحكم أنها شاهدة عيان عليها وعاصرتها بنفسها، بالتالي تجبر أيّ مشاهد على أن يجلس أمام الشاشة كي يستمع إلى أسرار وكواليس ما كان يدور خلف الكاميرات.

صوت ساخر

اللافت في مشوار يونس الفني، أنها لم تشارك في تقديم أدوار رومانسية، ولم تكن تقبل هذه الأعمال، وبررت ذلك بأنها “جريئة وصارمة ولا يليق عليها الجو الرومانسي”، وفي مرة أخرى سخرت من نفسها لأنها غير رومانسية، وهو ما يعكس كم هي فنانة متصالحة مع ماضيها إلى درجة إظهار بعض سلبيات شخصيتها.

انعكست مصداقية إسعاد يونس على مقالاتها الصحافية التي كانت تكتبها في بعض الصحف، مثل الشروق والمصري اليوم ومجلة الشباب، والتي استطاعت أن تصنع لنفسها جمهورها الخاص من خلالها، ممن يثقون بها ويفضلون قراءة الأعمدة ذات الحس الفكاهي والأسلوب المبهج، والطريقة الساخرة في عرض الفكرة وطرحها ومناقشتها.

مصداقية يونس تنعكس على مقالاتها الصحافية التي كانت تكتبها في بعض الصحف، مثل الشروق والمصري اليوم ومجلة الشباب، والتي استطاعت أن تصنع لنفسها من خلالها جمهورها الخاص ممن يثقون بها ويفضلون قراءة الأعمدة ذات الحس الفكاهي والأسلوب المميز لها

إذا قادت الصدفة أحدا لقراءة مقال صحافي ليونس، فإنه سوف يشعر كأنه يسمع صوتها بين السطور، وربما يستحضر صورتها وملامح وجهها الساخر مع كل عبارة مكتوبة تقع عيناه عليها، إذ لها طريقة خاصة في الكتابة تشبه تلك التي تمثل بها أمام الشاشة أو على المسرح، حتى في طريقة نطقها للكلام تبدو كأنها تسرد قصة قصيرة مستوحاة من الواقع، ما يدفع إلى الاقتناع بما تكتبه من شدة واقعيته.

المتابع لأي حلقة تلفزيونية تقدمها يونس، يكتشف من الوهلة الأولى أنها تحمل رسالة. فهي لا تعمل لغرض إثبات الحضور، أو تخرج على المشاهد كمذيعة لتعويض غيابها عن الفن، بل تتعمد أن يكون حضورها مرتبطا بهدف تريد تحقيقه، لإقناع الناس بشيء أو تبني حملة لغرض ما أو لتثقيف المجتمع والرفع من وعيه.

يصنفها كثيرون على أنها انعكاس لمفهوم الإعلام الهادف، فقد كان لبرنامجها الأثر البالغ في عودة الكثير من المصانع والشركات الوطنية التي توارت واختفت، بعدما قادت حملة عبر برنامج “صاحبة السعادة” لحث الجمهور على شراء منتجاتها حملت اسم “صنع في مصر”، وبالفعل تم فتح الكثير من المصانع والشركات التي سبق وأغلقت أبوابها، وبعضها أفلس، وبدأت تحقق هامشا معقولا من الأرباح، ما دفع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تكريمها في يوم المرأة العالمي.

البحث عن الأخلاق

تختار في برنامجها شخصيات يمكن أن تكون قدوة ومثلا أعلى لغيرها، تحاورها في طريقة وصولها ونفوذها بعد أن عاشت ظروفا قاسية، لبعث الأمل في نفوس المتشائمين والمحبطين، ومن الصعب أن تحضر إلى الأستديو شخصية منبوذة أو عليها علامات استفهام، بحكم إصرارها على رفع منسوب السعادة والتفاؤل في المجتمع، كما صرّحت من قبل.

لا تشترط أن يكون ضيفها مشهورا. فقد تجلس لمحاورة فنان شاب في بداية مشواره، أو فتاة عادية تمتلك موهبة. المهم أن تشيع التفاؤل والأمل، وتجدها تعطي النصائح وتشد من العزيمة وتدفع إلى المزيد من التقدم والإصرار على أن يكون هؤلاء في الصفوف الأولى، ويحاربون من أجل تحقيق أحلامهم ويصبحون قدوة لغيرهم.

الفئة الأكثر حضورا في برنامجها، هي الشخصيات التي عاصرت الحقب السابقة بكل طقوسها وعاداتها المنسية، فهي تجيد استحضار روح الماضي بطريقة مبدعة لتذكير الأجيال المعاصرة بجماليات تاريخ بلدها ونمط حياة المجتمع بكل قطاعاته آنذاك، في رسالة تريد منها أن يأخذ الشباب من الماضي الجميل ما يواجهون به سلبيات وتقلبات الحاضر.

يونس تصنف بأنها مذيعة تدخل البهجة على المشاهد وتمنحه طاقة إيجابية، بعكس برامج أخرى تهتم بطرح قضايا مثيرة للجدل، وتركز على الضيوف أصحاب التصريحات الشائكة لجذب الجمهور إلى متابعتهم
يونس تصنف بأنها مذيعة تدخل البهجة على المشاهد وتمنحه طاقة إيجابية، بعكس برامج أخرى تهتم بطرح قضايا مثيرة للجدل، وتركز على الضيوف أصحاب التصريحات الشائكة لجذب الجمهور إلى متابعتهم

تظل أهم رسالة قدمتها يونس للمجتمع، الموقف النبيل الذي فعلته مع الفنانة المصرية شيريهان. فقد كانت الأخيرة تمر بحالة نفسية سيئة، ولم تجد سوى صديقتها إسعاد وزوجها رجل الأعمال الأردني علاء الخواجة لتحكي لهما عن الأزمة وتطلب مساعدتهما، ومع قوة التقارب وكثرة اللقاءات، نشأت علاقة حب بين الخواجة وشيريهان تطورت إلى زواج سري دون علم إسعاد يونس، حفاظا على شعورها.

لم يستطع الزوجان إخفاء نبأ زواجهما طويلا، حتى كتبت الصحف، وخرجت يونس بتصريحات اتهمت فيها صديقتها بأنها خانت الأمانة وخطفت زوجها، لكن مع إصابة شيريهان بمرض السرطان، كانت صاحبة السعادة أول من وقفت بجوارها في محنتها، ولم تتركها طوال فترة علاجها، وقامت بمساعدتها في تربية أولادها، وأصبحت صديقتها المقربة.

قالت يونس عندما سُئلت عن الواقعة، كيف تحولت من عدو إلى صديق؟ “العدل لم ولن يتحقق إلا بالعلاقات الإنسانية المثالية، والأزمات تظهر معادن الناس، ولم يكن بمقدوري الابتعاد عن إنسانة في محنتها مهما بلغت أفعالها، صحيح أنا ضد تعدد الزوجات، ولكن لكل قاعدة استثناءات، خاصة لو كان هذا الاستثناء، إنسانيا”.

القاعدة الوحيدة التي لا تقبل يونس فيها استثناءات أن يتم تصنيف الابتذال على أنه حرية رأي. إذ من الصعب عند التفتيش في دفاترها القديمة، أن تجد مشهدا يتناقض مع الفن الراقي الهادف، أو يتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع، لذلك كان جمهورها من كل الفئات والأعمار، وهو النهج الذي تصر عليه في كل حلقات برنامج “صاحبة السعادة”.

12