إرضاء الأبوين عند اختيار الشريك ضرورة أم بداية لانهيار العلاقة

رغم أن المؤسسة الدينية في مصر حسمت في مسألة تدخل الآباء في زواج الأبناء واعتبرت فرض شريك بعينه على أحد الطرفين عقوقا في حقهما، إلا أن العديد من الأسر وخصوصا الأمهات يربطن رضاءهن على الأبناء بتدخلهن في اختيار الشريك، ما يضطرهم في الكثير من الأحيان إلى فسخ الخطبة أو إبطال الزواج.
القاهرة- اضطر محمد حمدي، وهو شاب مصري في نهاية العقد الثاني من عمره، أن يترك الفتاة التي تقدم لخطبتها بعد ارتباط عاطفي امتد لخمس سنوات بعد ضغوط مارستها عليه أسرته بحجة أن الفتاة لا تناسبه اجتماعيا ويستحق أفضل منها، حتى فشلت الزيجة قبل أن تبدأ رسميا.
يتسبب تدخل الآباء في تحديد هوية شريك الحياة للشاب أو الفتاة في انهيار الخطبة والعلاقة العاطفية قبل أن تنتهي بالزواج أمام تمسك الكثير من الأبناء بإرضاء آبائهم ولو على حساب سعادتهم، حيث يكون الأبناء مضطرين إلى القبول بشريك من اختيار الأسرة، ولو عن غير قناعة، المهم أن ينال رضاء الأبوين.
وقال حمدي لـ”العرب” إن والدته خيّرته بين نيل رضاها وبين أن يتزوج من الفتاة التي اختارها وأحبها لسنوات، لكنه لم يرض بأن يخسر أمه لمجرد أن يُكمل حياته مع خطيبته التي تقدم لها دون معرفة أسرته في حين اختار أبواه فتاة أخرى من أقاربه كي يتزوجها، غير أنه رفض الزواج منها.
لا ينكر الشاب أنه عاد إلى أحضان أسرته أمام الأزمة الاقتصادية الطاحنة وعجزه عن الوفاء بالتزاماته في تجهيز نفسه للزواج ولا بديل عن وقوف عائلته بجانبه، وهي إشكالية أخرى يعاني منها غالبية الشباب، إذ أن الاستقلال المادي الذي كان موجودا من قبل تراجع إلى مستويات قياسية، وصار الاعتماد على دعم الأبوين عند الزواج جزءا أساسيا من إتمام العلاقة.
ومع أن قضية إرضاء الوالدين عند الزواج مشكلة مطروحة منذ سنوات في الكثير من المجتمعات العربية، غير أنها تأخذ منحنيات مختلفة بمرور الزمن، ففي الماضي كانت مرتبطة بالعادات والتقاليد وبعدها انحسرت نسبيا أمام الاستقلال المادي للشاب والفتاة، وأمام الظروف المعيشية الصعبة اضطر الأبناء إلى الاعتماد على آبائهم في تجهيز منزل الزوجية ومستلزمات العرُس، وربما الإنفاق عليهم بعد الزواج إلى حين تحسن الوضع المادي، أي أنهم مرتبطون بأسرهم.
وسبق أن حذرت مؤسسات دينية في مصر من خطورة تدخل الآباء في زواج الأبناء واعتبرته نوعا من العقوق تجاههم، ومنحت الأبناء الحق في رفض الضغوط الأبوية عند إكراههم على الزواج من أشخاص بعينهم، لأنها تؤدي إلى تأزم العلاقة بين الأبناء وأسرهم من جهة وبينهم وبين شركائهم في الحياة من جهة ثانية.
ولدى دار الإفتاء المصرية موقف واضح من إجبار الأهل لأبنائهم على الزواج من شركاء بعينهم أو إلزامهم بترك الخطبة، فهي ترى أن ذلك من المحرمات على الأسرة، وإذا رفض الشاب أو الفتاة الانصياع لرغبة الأبوين فلا يعد ذلك عقوقا تجاههما، لكن المعضلة تكمن في خوف الكثير من الأبناء من إسقاط السلطة الأبوية في اختيار شركاء الحياة.
ويغيب عن الكثير من الأسر أن اختيار الشاب لشريكة حياته بنفسه أو العكس من ناحية الفتاة يكرس التوافق الفكري والوجداني والعاطفي بين الشريكين، ويحقق درجة عالية من الرضا عن الطرف الآخر، بعكس الإكراه على الزواج من شخص بعينه، فهذا يقود إلى تدني مستويات السعادة والاستقرار النفسي والعاطفي.
ولعبت والدة الشاب محمود على وتر الترهيب الديني عندما أبلغته بأنها غاضبة عليه طالما يتمسك بالزواج من فتاة تراها غير مناسبة له، وهو نفس الأسلوب الذي يلجأ إليه البعض من الآباء باستخدام الدين للضغط على الأبناء لتزويجهم من أشخاص بعينهم وتخويفهم من المعصية مع أن المؤسسة الدينية نسفت هذا المعتقد.
ويرى متخصصون في العلاقات الزوجية أن رأي الأهل مهم عند اختيار شريك الحياة للابن والابنة، لكن يفترض أن يكون الاختيار والقرار النهائي للأبناء وليس الأبوين، لأن آراءهما دائما ما تكون لها حسابات أخرى ويريان الأمور بطريقة مختلفة لها علاقة بالعادات والتقاليد والأعراف والتوافق المجتمعي بين الأسرتين لا الشريكين.
يعتقد هؤلاء أن إرضاء الأبوين عند اختيار الشريك مطلوب، إلا أن الرضوخ لوجهات نظرهما الرافضة لشخص بعينه بداية لانهيار العلاقة والأجيال الجديدة لديها القدرة على اتخاذ القرارات التي تناسبها وتتحمل نتائجها، وعلى الأهل الإيمان بأبنائهم وترك الحرية لهم في اتخاذ قرار الزواج، لأنهم وحدهم أصحاب المصلحة، وليس أسرهم.
أوضحت رحاب العوضي الباحثة المتخصصة في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن بعض الآباء يتجاهلون أن تدخلهم في حياة الأبناء عند الزواج وفرض شريك بعينه يجعل صلاحية العلاقة محدودة، ومن الصعوبة استمرارها، وإكراه الابن على عدم الزواج من فتاة بعينها يجعله ناقما على أي علاقة مستقبلية لأنه يتوقع الفشل.
وأضافت لـ”العرب” أن الفتاة التي يتركها الشاب تحت ضغوط أسرية نادرا ما تثق في أي علاقة أخرى، وتعتقد أن كل الرجال لديهم صفة الخيانة والغدر، وهذا يؤثر على علاقتها بزوجها المستقبلي، والمعضلة أن الشريك المجبر على علاقة بعينها قد يندفع إلى الخيانة الزوجية لعدم تقبل الحياة مع إنسان لم يختره.
ومع أن الخطاب الديني يحرم سلوكيات الأسر وتدخلاتها الفجة في اختيار شركاء الأبناء، لكن ذلك ليس كافيا أو بديلا عن حملة توعوية واسعة لمواجهة الزواج بالإكراه لخطورته على استقرار الأسرة، باعتبار أنه أحد أبرز مسببات الطلاق، ولا بديل عن الاعتماد على نماذج حية لشباب وفتيات فشلوا في حياتهم بسبب هذه التدخلات.
ولدى الكثير من الأسر البسيطة في مصر هواجس بشأن ترك الابن حرا في اختيار شريكة حياته، ويرى الأبوان أن التدخل في الاختيار واجب ديني
يرتبط بالوصاية في رسم حياة آمنة لأولادهما.
ولا تنسى إيمان محروس، وهي فتاة تقيم في ريف محافظة البحيرة شمال القاهرة، موقف أسرتها عندما تم إجبارها على عدم الزواج من الشاب الذي ترتبط به عاطفيا بذريعة أنه لا ينتمي إلى أسرة ميسورة، وتم إرغامها على قبول شخص آخر من عائلة تملك نفوذا ماليا، حتى انتهى الأمر بطلاقها بعد أشهر قليلة.
وأكدت لـ”العرب” أن سلب الأبناء حقهم في اختيار الشريكة لصالح سلطة الآباء يُدمر العلاقة العاطفية أو الزوجية، لافتة إلى أنها لم تستطع معاملة زوجها بالحُسنى لأنها طوال الوقت كانت تشعر بأنها تعيش في سجن وكثيرا ما اختلقت معه المشكلات، حتى قرر طلاقها وعادت إلى أسرتها مرة أخرى.
رأي الأهل مهم عند اختيار شريك الحياة للابن والابنة، لكن يفترض أن يكون الاختيار والقرار النهائي للأبناء وليس الأبوين
وجددت الباحثة رحاب العوضي التأكيد على أن ضغط الأسر على الشاب أو الفتاة للزواج من شخص بعينه يدفع الضحية إلى كراهية الشريك الجديد الذي تم الزواج منه دون قناعة ولا رغبة، وهذا يقود إلى الطلاق السريع لغياب التفاهم والتجانس والتلاقي الفكري والنفسي، وهذا لا يدركه غالب الآباء.
وإذا لم يتسبب إجبار الأبناء على الزواج ممن لا يرغبون في الطلاق الرسمي، فإنه يسرع وتيرة الطلاق الصامت أو ما يعرف بالخرس الزوجي، حيث يعيش الطرفان تحت سقف واحد بلا عاطفة، وتصبح العلاقة قائمة على الندية وحب السيطرة.
وطالما تعاملت الأسر مع اختيار شركاء الأبناء كحق مكتسب للأبوين لن تكون هناك حلول جذرية، وسوف تظل نفس القناعات موجودة ما لم تكن هناك مواجهة متشعبة لتلك الظاهرة من خلال المساجد والكنائس ووسائل الإعلام والمنظمات الأهلية مع تغيير قناعات الأسر بالتركيز على خطورة تصرفاتها بأرقام وإحصائيات تتعلق بحالات طلاق وقعت، وزيجات فشلت قبل أن تبدأ بسبب تدخلات الأسرة في الاختيار.