أي حوار باستطاعته إخراج تونس من أزماتها المتفاقمة

دعوة الرئيس قيس سعيّد إلى حوار واسع مع الشباب قد تتعارض مع دعوة اتحاد الشغل إلى حوار للإنقاذ.
السبت 2021/03/27
هل هي بداية تباعد الرؤى بين قيس سعيد واتحاد الشغل؟

فتح اقتراح الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراء حوار وطني بمشاركة واسعة للشباب الباب أمام جدل تصاعد بشأن مدى ملاءمة هذا المقترح مع مبادرة اتحاد الشغل، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في تونس، وسط تساؤلات حول أهمية هذا المقترح والأولويات التي سيعالجها الحوار.

تونس - أحيا إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن استعداده لتنظيم حوار وطني بمشاركة الشباب الجدل حول مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، في هذا الصدد، حيث سارع قياديون من المنظمة النقابية إلى نفي ما تردد بشأن تواصل الرئيس سعيّد معهم قبيل إعلانه الأربعاء، ملمحين بذلك إلى رفضهم مقترحه القاضي بتشريك الشباب.

وأثار هذا الإعلان، الذي جاء بعد طول انتظار في ظل الأزمة التي تعيشها تونس، تساؤلات عن صيغة الحوار الذي تحتاجه البلاد اليوم على وقع اختلاف وجهات النظر بين الفاعلين في المشهد حول هذه المبادرة لاسيما بعد تشبث الرئيس سعيّد بمشاركة الشباب في هذا الحوار وبروز بوادر معارضة من المركزية النقابية لهذا المقترح.

وبالرغم من الجدل الذي أعقب إعلان الرئيس سعيّد إلا أن مستقبل الحوار الوطني كسبيل لحلحلة الأزمة الراهنة التي تعيشها تونس لا يزال يلفه الغموض، فالاختلافات حول صيغة الحوار والمحاور التي سيشملها والأطراف التي ستشارك فيه قد تعصف به قبيل انطلاقه.

وتركزت الهجمات خلال الأيام الماضية على رئاسة الجمهورية بعد أن ظلت مبادرة اتحاد الشغل التي طرحها منذ ديسمبر الماضي تراوح مكانها وهو ما جعل المركزية النقابية تبحث عن بدائل اليوم للعب دور في إخراج البلاد من المأزق الذي وجدت نفسها فيه قبل أن يعلن الرئيس سعيّد الأربعاء عن استعداده لإطلاق الحوار بمشاركة واسعة للشباب وهو ما سارعت قيادات نقابية إلى رفضه الأمر الذي أوحى بتعارض هذا المقترح مع مبادرة الاتحاد.

ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل أن يتم إجراء حوار وطني بمشاركة واسعة للشباب، خاصة إذا كان هذا الحوار سيكون بديلا عن مبادرته حيث شدد الأمين العام المساعد بالمركزية النقابية سامي الطاهري الجمعة في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية على أن الاتحاد “لن يكون معنيا بهذا الحوار في صورة تحوله إلى بديل للحوار الوطني الشامل الذي طرحه”.

ناجي جلول: ما معنى أن يشارك الشباب؟ المهم أن يتم طرح نظام الحكم على استفتاء

ولم يمنع تحفظ الاتحاد عن مقترح رئيس الجمهورية أطرافا سياسية من إعلان تأييدها لخطوة الرئيس سعيّد، علاوة على التأكيد على ضرورة استعجال الحوار الوطني، وأن يشهد مشاركة الشباب باعتبار هذه النقطة لا تتناقض مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل.

ويرى مراقبون أن مقترح الرئيس سعيّد يتنزل في سياق برنامجه الانتخابي والسياسي حيث يسعى الرجل الذي وصل مستقلا إلى الحكم إلى إرساء ديمقراطية شعبية ومباشرة وهو ما تتخوف منه العديد من الجهات السياسية في البلاد.

وثمن الناشط السياسي رفيق بوجدارية مقترح الرئيس سعيّد قائلا “لا يمكن لمتابع برنامج الرئيس سعيّد منذ البداية أن يتفاجأ من مقترحه لأن شعاره كان إعادة التأسيس ويعمل على إعطاء الديمقراطية المباشرة حيزا كبيرا من العملية السياسية، وجاء المقترح لإطلاق حوار شامل يشارك فيه الشباب عبر منصات حديثة وينطلق من المحليات إلى المستوى الوطني، الحوار في الجهات وبمشاركة الشباب هو مقترح جيد، الديمقراطية المباشرة مقترح جيد والعالم بأسره يسير في هذا الاتجاه وسيكون هذا محك الأحزاب لقيس مدى تأثيرهم وتأطيرهم للشباب”.

وأضاف بوجدارية لـ”العرب” أنه “من ناحية مبدئية لا يوجد تعارض بين الحوار الوطني للإنقاذ المستعجل بالمبادرة التي أطلقها الاتحاد والحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس سعيّد، حوار الرئيس يستهدف ربما الخروج بمنوال تنموي جديد للبلاد وقد يكون مضمونا اقتصاديا واجتماعيا لحزب جديد قد يتزعمه الرئيس سعيّد أو برنامج انتخابي له أسوة بما رأيناه في فرنسا عندما أطلق ماكرون الحوار الوطني الكبير”.

وتابع الناشط السياسي التونسي أن المشكلة تكمن في غياب الحكمة والعقلانية في البلاد حيث إنه يمكن “القيام بالحوارين، ولا يمكن أن نقف ضد الديمقراطية المباشرة وأيضا لا يمكن معارضة الديمقراطية التشاركية، أنا ديمقراطي ومع ذلك لا يمكنني أن أكون ضد الديمقراطية التشاركية ولكن لا يمكن تركها طيلة 3 سنوات أو أكثر والبلاد تعيش أزمة خانقة” مشيرا إلى أن “العبء ملقى على عاتق المنظمات الوطنية التي عليها أن تطلق الحوار الوطني ودعوة كل الأطراف إلى صياغة برنامج إنقاذ اقتصادي وسياسي لأن المشكلة سياسية”.

رفيق بوجدارية: لا تعارض بين الحوار الذي دعا إليه الاتحاد والحوار الذي دعا إليه سعيّد

وفي المقابل، ترى أوساط سياسية أخرى أن الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التجاذب حول صيغة الحوار بل ينبغي الذهاب بسرعة إلى الحوار من أجل بلورة توافقات قادرة على وضع حد للأزمة المتفاقمة التي تشهدها البلاد.

واعتبر الوزير السابق ورئيس حزب الائتلاف الوطني أن الأولوية في الحوار الوطني ينبغي أن تُعطى لتغيير نظام الحكم، مشددا على فشل النظام شبه البرلماني المعتمد منذ 2014.

وقال جلول في تصريح لـ”العرب” إن “المعضلة في النظام السياسي، أنه من الضروري أن يكون من بين مخرجات هذا الحوار استفتاء على النظام السياسي لكي لا نذهب إلى العنف، ثم نقوم بانتخابات سابقة لأوانها تفرز أغلبية وصاحب هذه الأغلبية يحكم 5 سنوات ويتحمل مسؤوليته”.

وأضاف “ما معنى أن يشارك الشباب، هل المجتمع التونسي شباب فقط؟ المشكلة ليست في مشاركة الشباب من عدمها، المشكلة إذا لن يتم طرح طبيعة النظام السياسي على الطاولة فإنه لا قيمة لهذا الحوار، المستثمر الأجنبي لا يعرف من يحكم في تونس ونحن لا نعرف من يحكم، الكل يتملص من الحكم” موضحا أن “البرلمان يجب أن يصبح له دور تأسيسي فقط ونركز نظاما سياسيا جديدا ويجب أن يرفع الكل فيتواته على مشاركة بعض الأطراف، لأن هذا الحوار أصبح يؤسس للإقصاء؛ الرئيس يريد حوارا بلا حركة النهضة وبلا قلب تونس، أختلف مع النهضة لكن التونسيين انتخبوهم، والاتحاد لا يرغب في مشاركة بعض الأطراف، لا يمكن القيام بحوار في مثل هذه الظروف”.

ولم يتردد الرئيس سعيّد في الإفصاح في وقت سابق عن رغبته في تغيير نظام الحكم إلى رئاسي، لكن حركة النهضة الإسلامية الفائزة في انتخابات 2019 البرلمانية ترفض التخلي عن النظام السياسي الحالي وهو برلماني معدل كما جاء على لسان رئيسها راشد الغنوشي الذي يرأس أيضا البرلمان الذي دعا في وقت سابق إلى تعزيز نظام الحكم الحالي ليصبح نظاما برلمانيا تاما.

وتعيش تونس على وقع أزمة سياسية منذ أشهر بعد امتناع الرئيس سعيّد عن استقبال وزراء شملهم التعديل الوزاري لأداء اليمين الدستورية من أجل مباشرة مهامهم، علاوة على التجاذبات المستمرة في البرلمان المنقسم على نفسه منذ انتخابات 2019.

4