أول أعمال المسرح الوطني السعودي يثير جدلا واسعا

أحدثت مسرحية “درايش النور” التي عرضت في حفل تدشين المسرح الوطني بالسعودية جدلاً كبيراً في الوسط المسرحي والثقافي السعودي، حيث تباينت الآراء ما بين معجب بالعمل ومحبط منه، وتنطلق هذه الآراء من أهمية الحدث نفسه الذي يعده المتابعون أهم حدث مسرحي في تاريخ السعودية القديم والحديث، لكونه فاتحة لمرحلة ثقافية جديدة لطالما انتظرتها أجيال من المسرحيين منذ عقود.
دشنت وزارة الثقافة السعودية في 28 يناير الماضي، مبادرة المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، وتضمن حفل التدشين عرضاً لمسرحية “درايش النور” التي تعد أول إنتاجات المسرح الوطني، حيث عرضت على مدى يومين، وهي تروي حكاية المجتمع السعودي في أزمنة مختلفة، من تأليف الشاعر صالح زمانان وإخراج فطيّس بقنة، ومن بطولة إبراهيم الحساوي ونايف خلف وعبدالعزيز المبدل وشافي الحارثي وخالد صقر وشجاع نشاط، إلى جانب مجموعة من المواهب الشابة.
هذه المسرحية التي اعتبرها المتابعون بمثابة العرّابة الجديدة للمسرح السعودي القادم توقف عندها المهتمون بين مشيد بها ومنتقد لها.
وجهات متباينة
يقول الناقد سعيد السريحي “حين نتحدث عن حفل تدشين المسرح الوطني فإن ذلك ينبغي أن يتجاوز كلمات الافتتاح، بحيث يصبح الحفل نفسه تكريسا لمفهوم المسرح الوطني، وتأكيدا على القيم التي يسعى لدعمها والآفاق التي يترامى للوصول إليها، والأهداف التي يعمل على تحقيقها”.
ويرى السريحي أن العمل الذي قُدّم لا يعدو “أن يكون مجموعة من اللوحات الغنائية الشعبية التي لا يربط بينها غير الرغبة في الاحتفاء بفن الفلكلور وتقديم نماذج له من مختلف مناطق المملكة. حيث هنالك فرق كبير بين المسرح، وخشبة المسرح التي يمكن استخدامها للعروض الفلكلورية الغنائية، ما شهدناه ليس من أبناء ولا من أحفاد المسرح أبي الفنون، إنما هو استعراض تراكمت فيه الفنون الشعبية على خشبة المسرح”.
ويتابع “كشف العمل أن ثمة تداخلا بين مفهوم الترفيه ورسالة المسرح الثقافية، ما تم تقديمه أدخل في فن الترفيه منه فيما ينبغي أن ينتمي إليه المسرح من عمل ثقافي جاد. لست أنكر فيما أذهب إليه تداخل الفنون واستثمار المسرح للفنون الشعبية، ولكن ذلك ينبغي أن يكون وفق سياق درامي يشكل الأساس الذي لا تتناثر فيه الفنون على خشبة المسرح على النحو الذي شهدناه. كان الحوار بين الفتى الذي يهوى الرسم وأخته المفتونة بالتمثيل، والذي بدأ به العمل مبشرا بخط درامي كان قابلا لأن يتصاعد لولا أنه لم يلبث أن تلاشى في زحمة الفنون الشعبية الاستعراضية”.
ويؤكد السريحي أنه يعرف أن المسرحية هي العمل الأول، ولأنه العمل الأول يتمنى أن يكون عملا تأسيسيا لما ينبغي أن يكون عليه المسرح الوطني مستقبلا في النهوض برسالته التي تتوخى تأصيل القيم العليا للفن، وأن يكون أنموذجا لما سوف يلحق به من أعمال كان يمكن لها أن تُترجم فيما يعبر عن هذه الإرادة ويُكافئ هذه الإمكانات.
العرض لم يكن متناسبا مع ليلة تدشين المسرح الوطني وكان أقرب إلى الأوبريت منه إلى العرض المسرحي
ومن وجهة نظر مختلفة قالت الكاتبة حليمة مظفر، الحاصلة على ماجستير في الأدب والنقد العربي المسرحي، “يبدو أن السريحي اختصر مشاهدته في نوع من أنواع الدراما التي تجمع بين التراجيديا والكوميديا وفق الرأي الفرنسي، فالتبس بينها وبين الدراما الأوسع الشاملة لأنواع الدراما ولكل منها سماته وخصائصه الدرامية. الدراما تعني المسرح بالمعنى الإغريقي وتشمل أنواعاً عديدة، ومن أنواعها المسرح الغنائي الذي جاء العرض المسرحي يوم التدشين وفق تصنيفها، وكما أنه لا يمكن نقد قصيدة النثر بمعايير القصيدة العمودية فالمسرح الغنائي (أيضا) لا يُقيّم بمعايير ‘تراجوكوميديا'”.
وتضيف “قد استطاع المخرج ومصمم السينوغرافيا للمسرحية الغنائية تجاوز ضعف النص بتوظيفه بصريا بما يحقق جذب المتفرج والمتعة عبر توظيف البعد الثالث وملء الفضاء المسرحي بما يناسب المشاهد دون الإحساس بوقت ذلك، وهذا يتطلب مهارة؛ فقط ملابس الممثلات لم يوفّقوا في اختيارها”.
وتتفق مظفر مع السريحي على أنه كان هناك بعض الازدحام في اللوحات الشعبية الراقصة التي احتاجت إلى توظيف جيد ضمن سياق المسرحية، حيث انفلتت قليلا من يد الإخراج، ولكن -في رأيها- كانت السنيغورافيا قد غطت على هذا الضعف فلم يشعر بها المشاهد العادي بل تحققت له المتعة.
وتقول “من دون شك، لا يوجد عمل كامل، لكن من الأهمية في نقد الأعمال المسرحية ألا تخضع لنقد المضمون فحسب وأن تكون وفق تقنياته فالمسرح اتجاهات متعددة ولا يتكئ على النص الأدبي فقط؛”.
منصة تشفّ
في إشارة إلى ما حصل عام 2006، حين هجمت مجموعة من الشباب المتشددين على الممثلين، وهم يعرضون مسرحية “وسطي بلا وسطية” في رحاب جامعة اليمامة، وكيف استحضر هذا المشهد في مسرحية “درايش النور” يعلّق الكاتب والإعلامي عبدالله وافيه “مع أني ضد الصحوة وفترتها الظلامية، لكنه ماض وانتهى. لم يعجبني المشهد في ذكر هذه المرحلة مهما كان المبرر”.
ويتفق الممثل والمخرج ومؤسس نادي عسير السينمائي فيصل الشعيب مع وافيه في كون حلم المسرحيين لم يكتمل، حيث كانوا يحلمون بعمل يجسد رؤية وطن وليس ارتكازاً على تاريخ هش للصحويين، متمنياً لو أن طاقم المسرحية ارتكز على مشاهد من مسرحيات فازت بجوائز دولية.
يقول الشعيب “المسرح الغنائي عبارة عن عرض مسرحي يتخلله عدد من الأغاني التي تأتي لدعم فكرة العرض، أو تكون الفكرة بشكل عام وتؤدي إلى تحقيق الغرض والهدف من هذا العرض، والمسرح الغنائي جنس فني مركب نشأ في الغرب، له خصائصه ومقوماته، وما شاهدته ليست له علاقة بذلك نهائياً”.
وعبر الكاتب عمر سنبل عن رأيه في العرض المسرحي بالقول “من المؤلم أن تُفهم الثقافة والفنون بهذه الطريقة، والأكثر إيلاماً أن يتحول حفل تدشين المسرح الوطني إلى منصة للتحزب والتحارب والصراعات. جميعنا نرفض المرحلة الظلامية، ولكن الفن أسمى من أن يدخل في هذه المساحات الجدلية بهذا الشكل الشعاراتي الفج”.
ويضيف “توقعنا أن نشاهد مسرحا وطنيا يليق بالوطن وجوهر الثقافة فوجدنا رقصات شعبية غير مترابطة وكلمات لا تنطبق على الواقع، وتحويل المسرح إلى قاعة ‘وناسة’ وترفيه، ومنصة للتحزب والمحاكمة والتشفي. فهل هذا هو المسرح الوطني؟!”.
وفي الشأن نفسه كتب المسرحي عباس الحايك “جميعنا كمسرحيين حضرنا التدشين مدفوعين بأمل تغيير حال المسرح السعودي بعد سنوات من المعاناة والعقبات والتحديات. العرض المسرحي لم يكن متناسباً مع ليلة التدشين، وكان أقرب إلى الأوبريت منه إلى العرض المسرحي، حيث خفتت الدراما وحضرت (اللغة) الخطابية، وكانوا ينتظرون عرضا مسرحيا يؤكد قيمة المسرح السعودي وقدرته وإمكاناته خاصة وأننا في حضرة وزير الثقافة وضيوف مسرحيين عرب. ومن ضمن ما دار الحديث حوله، أنه كان الأجدر أن يكون النص نابعاً من حضور المسرح ومعاناته، مثل معاناة الشيخ أحمد السباعي مع الرافضين للمسرح”.