أعمال درامية متنوعة تجتمع على إثارة غضب التونسيين

استياء أمني من مسلسل يفتح النقاش حول الحريات.
الثلاثاء 2021/04/27
مسلسل أثار استياء العديد من الشرائح الاجتماعية

تتنافس القنوات التونسية على تحقيق أعلى نسب المشاهدة من خلال المسلسلات الرمضانية التي ينتظرها المشاهدون، فيما تواجه العديد من الأعمال انتقادات واسعة لتردي جودة السيناريوهات والمضامين التي تعتبرها جهات عديدة مسيئة إليها وللمجتمع.

تونس - أثارت أعمال درامية تعرض في الموسم الرمضاني الحالي على الشاشات التونسية، موجة من الاستياء في صفوف الأجهزة الأمنية، لما اعتبرته بث صور مسيئة لسمعتها، ما يطرح النقاش حول حدود ممارسة حرية الرأي والتعبير في الأعمال الفنية وفقا لضوابط ومضامين معينة.

وأعلنت الإدارة العامة للحرس الوطني التونسية مساء الأحد أنها ستفتح تحقيقا حول مشهد في مسلسل “الفوندو” الذي يبث على قناة “الحوار التونسي” الخاصة.

ويظهر في المشهد الذي عرض في الحلقة 12 من المسلسل وبُثت الجمعة الماضي، أحد عناصر الحرس بالزي الرسمي وهو يقوم بالتغاضي عن مخالفة لمهرب بعد أن تلقى منه رشوة.

وأكدت إدارة الحرس أنها لم تتلق أي طلب من العاملين في المسلسل من أجل استعارة ملابس رسمية للحرس للتصوير أو سيارة خاصة بهذا السلك الأمني، مبينة أن الملابس التي ظهر بها الممثل في العمل غير رسمية وأن السيارة مدنية تمّ على ما يبدو إدخال تعديلات عليها لتبدو كأنها سيارة رسمية.

وأضافت الإدارة أنها ستقوم بالتحقيق في ما حصل، وستتولى ملاحقة كل من “أساء لجهاز الحرس التونسي” من خلال هذه اللقطة.

وتحاول بعض الأعمال معالجة مختلف الظواهر الاجتماعية في أبعادها المتنوعة على غرار سلوكيات الشباب، والتنوع الفكري داخل الأسر والمجتمع، فضلا عن قصص أخرى من الواقع مثل ظاهرة الهجرة السرية المتنامية، والاحتجاجات والطبقية الاجتماعية في طرق العيش والتفكير وغيرها.

حسام الدين الجبابلي: لا نسعى لضرب الأعمال الدرامية ولكن هناك ضوابط يجب احترامها
حسام الدين الجبابلي: لا نسعى لضرب الأعمال الدرامية ولكن هناك ضوابط يجب احترامها

وتنتقد بعض الأطراف طريقة تناول هذه القضايا الجوهرية بكثير من الجرأة، أو تجاوز بعض الضوابط الاجتماعية من النواحي التربوية والأخلاقية بعرض مواقف منافية للميثاق الأخلاقي المبرم مع المشاهد في إطار عائلي، علاوة على “المس” بخصوصية بعض المؤسسات والهياكل ذات الدور الوظيفي الحساس.

وأعربت أطراف أمنية عن استيائها من المشاهد المسيئة، لكنها في نفس الوقت عبرت عن تشجيعها للأعمال الفنية والإبداعية وفقا للمعايير والضوابط الموضوعية في الطرح وتناول المضامين.

وأعرب المتحدث باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي، عن تذمر الجهاز من المشهد التلفزيوني، الذي أظهر مجموعة من عناصر الحرس بصدد تفتيش سيارة وتلقي رشوة من أصحابها على الحدود الجزائرية.

وأفاد الجبايلي في تصريح لـ”العرب”، أن “الأمر لا يتعلق بمسألة الرشوة، وإنما قانونيا باستعمال العلامات المميزة”، مضيفا “أنه تم استعمال أسلحة دون وجه قانوني ما قد يجر إلى القيام بعمليات احتيال في ما بعد، كما وقع في العام 2015”.

وأكد “لا نسعى أبدا لضرب الأعمال الفنية والدرامية، وليست لنا مشكلة مع أي عمل فني ولكن هناك ضوابط في العمل لا بد من احترامها”، لافتا إلى أنه “تم تجسيد شخصية عنصر حرس في عمل مماثل (مسلسل حرقة)”.

واعتبرت الهيئات المشرفة على قطاع الإعلام في تونس أن الانتاج الفكري والدرامي يحظى بهامش كبير من الحريات، مؤكدة تدخلها عند تسجيل إخلالات أو تجاوزات في إطار عملها الرقابي.

وقال النوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا”، “لم نتلقَّ حتى الآن شكوى رسمية من إدارة سلك الحرس الوطني، ومن المؤكد أننا حينها سننظر في وجاهتها”.

وأضاف اللجمي في تصريح لـ”العرب”، “هناك إخلالات والأعمال الدرامية يمكن أن لا تعجب البعض، وهناك أحيانا تجاوزات على غرار الإخلال بالثقافة الوطنية أو بعض الإيحاءات في المشاهد”.

وأردف “المنتجون الفنيون والقنوات التلفزيونية هم من يتحملون مسؤوليتهم، ونحن نتدخل عند وجود عنف ضد المرأة أو تعدٍّ على حقوق الطفل أو تحريف للتاريخ، أو حثّ على الحقد والكراهية”.

واستطرد رئيس “الهايكا “المبدع قد يوفق كما قد لا يوفق، ونحن ننظر في كل حالة لوحدها، وإذا لاحظنا وجود مشكلة نأخذ قرارا مناسبا حسب الإجراءات المعمول بها”.

وسبق أن أكد الممثل جمال المداني، أنه يساند قرار الهايكا بتأخير توقيت بث سلسلة “الجاسوس” بسبب بعض المشاهد الجريئة، قائلا “هذه السلسلة غير موجهة لصغار السن لأنها تتضمن ألفاظا غير مقبولة”، متابعا “التلفزيون في رمضان موجه للعائلات”.

وأضاف المداني في تصريح لإذاعة محلية “أنا جريء في المسرح لكن احترم المشاهد في التلفزيون ومستعد للتخلي عن أي دور في حال يخدش الحياء أو يحرج المشاهد”.

وأعرب عن انزعاجه من مشهد في مسلسل “الفوندو” حول الخيانة الزوجية قائلا “كان يجب التحذير مسبقا قبل عرض مثل هذه المشاهد”.

ويحتل مسلسل “الفوندو”، الذي أخرجته سوسن الجمني، المراتب الأولى من حيث المشاهدة في الأعمال الدرامية في رمضان، لكنه أثار ردود فعل غاضبة من عدة أطراف اجتماعية وشعبية.

وأكد الدهماني اللجمي رئيس الجمعية الوطنية للتعليم، أنه أصدر ”تنديدا واستنكارا” لـ”الهايكا”، ندد فيه ”بالصورة المسيئة للأستاذ التي ظهرت في المسلسل في أولى حلقاته”.

وقال اللجمي في تصريح لإذاعة محلية ”لست ضد الفكرة، لكن كان يمكن للمخرج الإشارة لها بطريقة أخرى. إما إيحاء أو إشارة. هناك طرق سينمائية أخرى”.

ولفت ”لست وصيا على الدين ولا الأخلاق. لكن لماذا اختاروا الأستاذ؟ لا تتم معالجة هذه المواضيع بهذه الطريقة. أشعر بأنها حملة مركزة على المدرّس والمعلم”.

كما اعتبر بعض التونسيين أن العمل فيه جرأة مبالغ فيها وإساءة للصورة العامة للتونسيين.

النوري اللجمي: الهايكا تتدخل عند وجود عنف ضد المرأة أو تحريف للتاريخ
النوري اللجمي: الهايكا تتدخل عند وجود عنف ضد المرأة أو تحريف للتاريخ

وقدمت الجمعية التونسية للعدالة والمساواة “دمج”، شكوى ضد قناة الحوار التونسي ومسلسل ”الفوندو” بسبب ما تضمنته الحلقة 3 من ”وصم وإهانة وتحريض ضد المودعين من مجتمع الميم-عين في السجن على أساس الفصل اللادستوري 230”.

وشددت الجمعية في بيان لها على أن الحلقة تضمنت ”إشارة إلى المودعين/ات بالسجن المدني بالمرناقية في إحدى غرف السجن ‘بيت الصيودة’ وهي الغرفة التي تضم المودعين/ات بهذا السجن والذين يقضون عقوبة المتعلقة بالفصل اللادستوري 230 من المجلة الجزائية المجرم للعلاقات الجنسية المثلية الرضائية بين البالغين وغيرها من الفصول الضاربة للحريات الفردية والتعبيرات الجندرية الغير معيارية”.

واعتبرت الجمعية أن ذلك ”مخالف للفصل 14 من قرار الهايكا رقم 02 لسنة 2014 والمتعلق بإصدار كراس الشروط للحصول على إجازة إحداث واستغلال قناة تلفزيونية خاصة”.

بدوره، أكد رئيس الغرفة الوطنية لتجار المصاغ، أن كل المشاهد التي عرضت في مسلسل “الفوندو” حول الصاغة “فيلم” لا يمت للواقع بصلة.

وأضاف في تصريح صحافي، أن تجار المصاغ يعانون منذ سنوات من قانون الذهب الذي يسبب لهم خسائر كبيرة من جهة ويشجع على تجاوز القانون والتهريب من جهة أخرى، فضلا عن قصة المسلسل التي تظهر بعض التجار يعيشون في بذخ والحال أنهم في أزمة خانقة بسبب أوضاع البلاد وجائحة كورونا.

وفي برنامج الكاميرا الخفية “السرك” الذي تبثّه قناة “التاسعة” الخاصة ويظهر فيه الإعلامي علاء الشابي يحاور أحد الوجوه الفنية التونسية، لينقضّ عليه أسد أثناء المقابلة، قام فريق العمل بإجراء تعديل على أنياب الأسد لتصبح غير مؤذية.

واعتبرت جمعيات الرفق بالحيوان أن التدّخل الجراحي الذي خضع له الأسد غير مقبول وتغيير لطبيعة الحيوان، وهو ما قد تنتج عنه أمراض عدة، مشيرة إلى أنها ستلجأ إلى القضاء.

وأكد الطبيب البيطري مهدي الآجري المكلف بالإشراف على علاج الحيوانات في أكبر حديقة حيوانات في تونس، أنّ “ما قامت به الشركة المنتجة للكاميرا الخفية “غير معقول واعتداء على حيوان من أجل عمل تلفزيوني”.

18