أشيرة الكنعانية أسطورة تحاكي الواقع الفلسطيني

رحلة تاريخية تقودها الموسيقى والرقصات ترقى إلى عمل ملحمي.
الثلاثاء 2021/11/23
الجسد يتكلم بلغة أخرى

يستمر الاهتمام بالأساطير في المسرح منذ نشأته مرورا بعصر النهضة إلى غاية اليوم، فقد نهل الكتّاب من الأساطير وأخذوا ملامحها، أو كيّفوها بأساليب مختلفة، ما أسهم في إغناء الماضي، وأضاء قضايا معاصرة، ترميزا وإيحاء، من خلال تقنيات فنية متنوّعة، من رقص وموسيقى ورؤى مسرحية.

رام الله (الضفة الغربية)- تدرك فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية أهمية الدور المناط بها في الحفاظ على الهوية وإحياء الموروث فتستلهم عروضها من وحي التاريخ وتقدمه بروح معاصرة، ليكون أقرب ما يكون إلى الوجدان مثلما جاء أحدث عروضها الفنية بعنوان “أشيرة”.

وتُعدّ الأسطورة، في المنظور الشعري، “دفئا للعقل والجسد”، فالشعب الذي لا أساطير له يموت من البرد، كما يقول الشاعر الفرنسي باتريس دولاتور دوبان، ذلك أن الطاقة التخييلية التي تكتنزها الأسطورة فيها ما يتيح التأسيس لبؤرة من العلاقات الإنسانية، إضافة إلى ما تولده في الإنسان من القدرة على الاستباق والاستشراف. وهذا ما يؤكده العرض الفلسطيني الجديد.

وعرض “أشيرة” مأخوذ عن أسطورة كنعانية تقوم فيها الفتاة “أشيرة” بمنح قصفة من شجرة رمان لأهل بلدتها ليزرعوها في حقولهم، ولأنها لم تأخذ إذن الأقدار في ذلك تتم معاقبتها بإرسالها إلى العالم السفلي حيث تُعذب كي تنسى بلدتها وبيوتها وحقولها، ومن حدث إلى آخر تُدمر البلدة وتُقتلع أشجارها ويُهجر أهلها.

عمل ملحمي

العرض الذي قُدم على خشبة مسرح قصر رام الله الثقافي وضع فكرته وكتب كلماته وسيم الكردي وهو من إخراج نورا أبوبكر وأنس أبوعون وشارك فيه أكثر من مئة فنان بين راقصين وموسيقيين ومغنين وهو يمزج بين فنون الرقص والموسيقى والصور السينمائية.

ويحاكي العرض على وقع سرد الحكايات تارة وعلى أغاني وألحان موسيقية تارة أخرى ما عاشه الفلسطينيون حديثا وكأن ما حدث في الأسطورة ما زال قائما في وقتنا الحاضر.

وتمايلت أجساد الراقصين والراقصات من أعمار مختلفة في تناغم بديع على المسرح الذي غص بجمهوره مرتدين ملابس من الفلكلور الفلسطيني بألوانه الزاهية صممت لتساعدهم على الحركة التي يتطلبها العرض، سواء كان ذلك بشكل جماعي أو فردي.

وقال خالد الغول عضو مجلس إدارة فرقة الفنون الشعبية إن أشيرة “إلهة البحر وربة الخصوبة في الطبيعة والإنسان ومرضعة النبلاء على امتداد السلالات التي خرجت من دم الحكايات ومن رحم الغيم، والتي صارت امرأة فاتنة وبارعة ومقدسة”.

وأضاف في تقديمه للعرض “وها نحن اليوم نواصل السرد والحكي ونروي على مهل حكاية أشيرة.. في هذا العمل صار من الصعب إدراك الفواصل بين الكاتب والمصمِم والمدرب والراقص والمغني والعازف والملحن ومصمم الديكور والأزياء”.

تناغم بديع على المسرح

من جانبه قال وسيم الكردي صاحب فكرة وقصة ونصوص العرض “من زمان كان في بالي أن أقدم عملا لتاريخ ممتد على مدار عشرة آلاف سنة للفلسطينيين وليس فقط الجانب الفلكلوري الذي يمتد إلى 100 أو 150 سنة ماضية”.

وأضاف قبل بدء العرض “أردت تقديم عمل يعكس الفن المتنوع لحضارات عديدة امتدت على هذه الأرض التي نحن جزء من النسيج المتنوع الموجود فيها، لذلك هذا العمل يجب أن يُصنع بطريقة معينة عبارة عن كولاج يجمع النصوص والصورة والحركة العامية والفصحى والصوت الفردي والجماعي والرقص الفلكلوري والمعاصر”.

وقال “أردنا أن نقدم رحلة تاريخية ولكن ليس عبر صورة نمطية ولكن بصورة مختلقة ترقى إلى العمل الملحمي، هذه تجربة جديدة لفرقة الفنون الشعبية تقدم صورا أخرى للمعاني التي يمكن أن يطلقها الجسد”.

محاكاة الواقع

قسم القائمون على العمل العرض إلى جداريتين رئيستين ضمت كل منها مجموعة من الرقصات أحيانا بشكل جماعي أو ثنائي أو بعدد محدود من الراقصين والراقصات.

وقال أنس أبوعون الذي شارك بإخراج العمل “أشيرة الكنعانية مزيج من مجموعة القصص تحاكي واقعنا الفلسطيني، وما يميز هذا العمل أن قصص أفراد في فرقة الفنون موجودة فيه”.

وأضاف “الواقع اليوم لم يتغير عن الواقع قديما.. العرض يستحضر مشاهد من الدمار في قطاع غزة ووجوه راقصي الفنون وهم يحكون القصص”.

وأشار إلى أن العمل على إنتاج العرض استغرق خمس سنوات قبل أن يخرج للجمهور وإن ظل قابلا للتطوير بعد كل عرض “فلا يوجد هناك نصوص مكتوبة يجب الالتزام بها ولكن نطور في الأداء بعد كل عرض”.

العرض يشارك فيه أكثر من مئة فنان بين راقصين وموسيقيين ومغين ويمزج بين فنون الرقص والموسيقى والصور

ويطمح أبوعون بأن ينتقل في جولة عروض خارجية لهذا العمل الفني بعد جولة العروض المحلية، التي بدأت في رام الله وكان مستهلها في يوليو الماضي.

أما الراقص نضال الكعبي المشارك في عرض “أشيرة” فهو فخور بهذه التجربة ويرى أن العمل “يحمل كثيرا من الرمزيات ويعبر عن حياتنا الفلسطينية”.

وقال “رغم أنه يتعلق بالإرث الكنعاني ولكن يحكي أكثر عن دور المرأة الفلسطينية ورمزيات في المقاومة”. وأضاف “الفنون لها أشكال متعددة ربما تكون الحركة هي الأصعب وما يميز هذا العمل أن النص الأدبي والشعري مبني على الحركة لتعبر عن هذا النص”.

ويعود تاريخ تأسيس فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية لعام 1979 وأنتجت العديد من الأعمال الفنية المتنوعة ويأتي عرض “أشيرة” في ختام عروضها لهذ العام.

15