أدب مراهق
ابتداء من سنّ الرابعة عشرة من عمري، انتقلتُ، بدون إشعار، من قراءة عدد من قصص الأطفال الواردة حينها إلى المغرب من مصر ولبنان، إلى عوالم أخرى؛ كتب نظريات التلقي والبنيوية وغيرها من النظريات التي كانت تشكل الموضة حينها.
وإذا كان ذلك يستجيب لروح مشروع الناقد الذي سأتخلى عنه في أول فرصة، وبالضبط مع التحاقي بالدراسة بمدرسة علوم المعلومات، فإنه أيضا يعبر عن حيرة قارئ مراهق، لم يجد حينها نصوصا تتلاءم مع انتظاراته الصغيرة ومع أحلام مراهقته المعلقة.
ولم يكن ذلك أمرا شخصيا فقط. ولعله قد طبع، ليس فقط قراءات جيلي، ولكن أيضا الأجيال السابقة. اسألوا جيل السبعينات من القرن الماضي الذي أمضى مراهقته وشبابه في تمثل بيان الحزب الشيوعي والأدبيات الماركسية وأدبيات تفكيك الرأسمالية.
الأمر نفسه يستمر الآن، وإن كان الأمر بشكل مختلف، سواء داخل المغرب أو في بقية الدول العربية. إذ يبدو أن الناشرين يصرون على تناسي فئة عمرية بكاملها. ففي مقابل حضور كتاب الطفل، وإن كان ذلك نسبيا، يندر أن يصدر عمل موجه إلى فئة المراهقين، وإن كانوا يشكلون قاعدة واسعة من القراء المفترضين.
ويعود هذا الوضع، بالإضافة إلى غياب جرأة عدد من الكُتاب والناشرين على المغامرة في مشاريع مغايرة، إلى طبيعة انتظارات فئة المراهقين التي قد يصعب توقعها وتوجيهها، اعتبارا لتقلباتها ولمزاجيتها. وهو الأمر الذي يعبر عنه، بشكل وَفي، العنوانُ الذي اختارته الباحثة الفرنسية آني رولوند لآخر إصداراتها “من يخاف أدب المراهقين ؟”.
رولوند ذهبت أبعد من ذلك حين دعت في عملها إلى فتح باب أدب المراهقين أمام كل المواضيع، بما فيها العنف، بعيدا عن أي رقابة أبوية، باعتبار أن القارئ الذي يصدمه كِتاب ما، يَكون في وضع أفضل من حيث تَمثله للواقع المحيط به، بكل تجلياته المظلمة والمضيئة.
وبخلاف إحجام الناشرين العرب عن دخول مغامرة نشر أدب المراهقين، يشكل الإنتاج في المجال حلقة مغرية للناشرين بالغرب، حيث يبدو أن هذا الإنتاج في الطريق إلى سحب البساط من تحت أقدام أدب الكِبار.
أما الوصفة في ذلك فهي تقوم على الرهان على احترافية دور النشر والتوقع الذكي لانتظارات القراء واللعب على الجانب الجمالي المدهش والمفاجئ واستثمار مختلف الوسائط، وتوظيف آلة السينما ووسائل الإعلام، وذلك بحثا عن توسيع مستمر لقاعدة القراء. إنها القاعدة نفسها التي جعلت بالمناسبة من كاتبة كَجيه كيه رولينج تلتحق بنادي أغنياء العالم، بفضل روايتها الشهيرة “هاري بوتر”.
ليس مطلوبا من الناشرين العرب أن يعيدوا نجاحات هاري بوتر أو غيرها. لكنهم مدعوون على الأقل إلى الانتباه إلى قراء استثنائيين، قد يفتح الاستمرارُ في تناسيهم البابَ أمام التحاقهم بنادي أعداء القراءة.
كاتب مغربي