تسريبات الامتحانات على فيسبوك.. فضيحة تعليمية في مصر والجزائر

القاهرة – لم تفلح التهديدات التي ساقتها وزارة التربية والتعليم المصرية، بتطبيق الحبس والغرامة على من يقوم بنشر أو تداول أسئلة وإجابات امتحانات الثانوية العامة في تحصين الأسئلة من التسريب، ونجحت صفحات الغش الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، الأحد، في نشر امتحان اللغة العربية، الذي دخله نحو 560 ألف طالب وطالبة، بعد مرور أقل من نصف ساعة من بدء الوقت الأصلي للامتحان.
واضطرت وزارة التعليم إلى إلغاء الامتحان في مادة التربية الدينية، بعد تأكدها من تسربه الأحد. ويعد تسريب امتحانات الثانوية العامة مشكلة أزلية للحكومة المصرية، ازدادت حدتها منذ 4 سنوات.
كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصدر قرارا يقضي بالسجن حتى 3 سنوات وغرامة تصل إلى 100 ألف جنيه (10 آلاف دولار) لكل من أذاع أو نشر أو روّج أسئلة وإجابات الثانوية، وهو أكثر إجراء عقابي لمواجهة الظاهرة.
غير أن وزارة التربية فوجئت، الأحد، بنشر صورة طبق الأصل من داخل إحدى اللجان على صفحات الغش الإلكتروني، وبعد دقائق معدودة سارعت تلك الصفحات بنشر إجابات نموذجية للأسئلة.
اللافت للانتباه تفاعل عدد من الطلاب مع مسؤولي هذه الصفحات وتبادلوا الحديث معهم عبر “تعليقات متعددة” على صور الأسئلة والإجابات، ما يوحي بأنهم كانوا يحملون هواتف بخاصيات الجيلين الثالث والرابع داخل اللجان.
يأتي ذلك رغم التشديدات غير المسبوقة على دخول الهواتف المحمولة إلى اللجان، والسماح لرجال الأمن في المدارس بتفتيش الطلاب ذاتيا من خلال “عصا إلكترونية” للتأكد من عدم وجود الهواتف بحوزتهم، لكن بعضهم نجحوا في اختراق التفتيش ومرروا هواتفهم وتفاعلوا مع صفحات الغش الإلكتروني.
ويعاقب بإلغاء المادة أي طالب يضبط بحوزته هاتف محمول داخل اللجنة، بينما يعاقب بإلغاء جميع الامتحانات كل من ثبت استخدامه الهاتف المحمول أو أجهزة الاتصالات الحديثة في الغش الإلكتروني، أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي من داخل اللجنة، مع إحالته إلى النيابة العامة لتطبيق قرار الحبس والغرامة عليه.
مؤسس أكبر صفحة للغش، يقيم في ألمانيا، أكد أنه لن يتوقف عن التسريب قبل إصلاح منظومة التعليم
وقالت مصادر بوزارة التعليم المصرية لـ”العرب” إن مؤسس أكبر صفحة للغش الإلكتروني في الثانوية العامة يعيش خارج مصر، ويقيم في ألمانيا، حيث يستكمل دراسته هناك للحصول على درجة الماجستير، ومن الصعب إلقاء القبض عليه، ولم يعد أمام الوزارة سوى مطاردة مؤسسي صفحات الغش الإلكتروني الموجودين داخل البلاد.
وأضافت المصادر أنه من الصعب على أجهزة الأمن غلق صفحات الغش بسهولة خاصة أنها “محصنّة” ضد التشويش أو الغلق، مشيرة إلى أن اقتراح البعض بغلق فيسبوك وتويتر أثناء امتحانات الثانوية العامة من التاسعة صباحا حتى الساعة 12 ظهرا أمر مستبعد، لأن الحكومة سوف تتحمل مبالغ طائلة تدفعها إلى إدارة هذه المواقع. يأتي ذلك فيما نجحت صفحات الغش الإلكتروني في تسريب جميع امتحانات الثانوية الأزهرية على مدار الأيام الماضية، وجرى القبض على العشرات من الطلاب وإحالتهم إلى النيابة العامة لتطبيق قرار رئيس الجمهورية عليهم الخاص بالحبس والغرامة في حال التأكد من تورطهم فعليا في هذا الفعل.
تواصلت “العرب” مع مؤسس أكبر صفحة لتسريب الامتحانات، من خلال محادثة عن طريق “الشات”، وهو يقيم في ألمانيا، ويسمي نفسه “شاومينغ”، وأكد أنه لن يتوقف عن التسريب قبل إصلاح منظومة التعليم بشكل عام لأنها “فاشلة” ولا تخدم إلا فئة بعينها، وأن إصراره على التسريب يستهدف إظهار الخلل في وزارة التعليم وفشلها في التوصل إلى حل جذري لمشكلات المنظومة.
وأوضح لـ”العرب” أنه يتحصل على ورقة الأسئلة من خلال المراقبين والطلاب حاملي الهواتف المحمولة، الذين يقومون بتصويرها وإرسالها إلى الصفحة، ثم يقوم بدوره بتصفح الكتاب المدرسي والإجابة على الامتحان وإعادة نشر الإجابات ليستفيد منها “الطلاب البسطاء الذين ليست لديهم وسطاء في النجاح مثل أبناء الأغنياء”.
وأشار شاومينغ إلى أن بعض صفحات الغش الإلكتروني تتحصل على مبالغ طائلة جراء تسريب الامتحانات والإجابات، وبعضهم يشترط على الطلاب المستفيدين منها “إرسال كروت شحن للهواتف المحمولة” قبل الاستفادة من التسريب، مؤكدا أن أكثرية هذه الصفحات يديرها معلمون بمساعدة طلاب.
وخلال العام الماضي ضبطت وزارة التعليم 800 طالب وطالبة قاموا بتسريب الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت إن جميعهم رسبوا في كل المواد، فيما شهدت الوزارة آنذاك مظاهرات حاشدة للطلاب الذين فشلوا في الغش الإلكتروني وقالوا إن هناك الآلاف من الطلاب استفادوا من الغش وحصلوا على درجات مرتفعة دون أن يرهقوا أنفسهم في الدراسة ما يعني عدم وجود تكافؤ في الفرص.
من غير المستبعد، أن تقدم وزارة التعليم المصرية على الخطوة التي اتخذتها نظيرتها الإثيوبية بتأجيل امتحانات الثانوية العامة إلى أجل غير مسمى.