حوار لم يكتمل مع كلاي على ضفاف النيل

بين زيارة محمد علي كلاي الأولى لمصر عام 1964، وزيارته الثانية لها سنة 1991 يكمن ملخص حياته وربما الكثير من نجوم الرياضة من أمثاله.
كان الموعد الصحافي في يوم خريفي بارد من عام 1991 مع أسطورة ملاكمة الوزن الثقيل العالمية، رغم أنه لا يصح أن يوصف بذلك حسب التقاليد الحرفية للمهنة، لأن ما حدث تحديدا أن كلاي موجود في مصر لمدة يومين في زيارة غير رسمية، وكان اللقاء دون ترتيب.
زار كلاي القاهرة ضمن جولته في عدد من عواصم الشرق الأوسط، لجمع أموال لمدرسة إسلامية في شيكاغو، بنتها مؤسسة محمد علي وسيطلق اسمه عليها.
باءت كل محاولات الاتصال بالملاكم العالمي أو بأحد من مرافقيه بالفشل، وكان الرد الدائم من موظف الهاتف في الفندق أنه لا أحد في الغرفة ليجيب على الهاتف.
في صباح يوم مغادرة كلاي للقاهرة وكان يوم جمعة، ذهبت إلى الفندق عازما لقاءه، خاصة أن الفرصة مناسبة خلال صلاة الجمعة المواظب على أدائها، إلا أن الطبيب اللبناني المرافق له كان أحد العوائق أمام اللقاء.
أعطى الطبيب محاضرة في المهنية وكيفية التعامل مع المشاهير، وأنه متعجب كيف يظن الصحافي أنه يستطيع لقاء كلاي بهذه الطريقة، بينما في أميركا يطلبون موعدا قبل ستة أشهر على الأقل، رغم علمه بأن “الأعظم” موجود في القاهرة ليومين فقط، ولا يمكن عمليا طلب موعد مسبق، كما أن زيارته لمصر لم تكن مخططة أو معلنا عنها.
ووصل الطبيب إلى نهاية حصته الرياضية قبل أن ينهي محاضرته، لأجد نفسي وجها لوجه مع محمد علي كلاي.
كان كلاي مرتديا بدلته السفاري الشهيرة وهو يقف في الحديقة الخلفية للفندق، وخلفه بمسافة ليست بعيدة مسجد الفندق حيث سيؤدي صلاة الجمعة.
بدا يومها وهو يعاني صعوبة في الوقوف ثابتا دون أن يتمايل بتأثير الإرهاق أو المرض وربما بتأثير كليهما.
بدأت في توجيه أسئلتي، وسألته عما إذا كان يشعر بالندم على احتراف الملاكمة بعد أن اكتشف إصابته بالمرض النادر، لكنه واصل الصمت واكتفى بأن أطرق برأسه قليلا نحو الأرض. أمطرته بوابل من أسئلتي التي بدت لي بعد 25 عاما من ذلك الوقت غير مناسبة، فسألته عن مشاكل زوجته الرابعة يولندا مع أبنائه من زيجاته الأخرى وهي المشاكل التي كانت قد بدأت تعرف طريقها للإعلام، كما سألته عن اعتزاله وعودته إلى الحلبة أكثر من مرة، وهل الدافع لها كان ماديا بحتا أم أنه الحنين إلى الشهرة والأضواء؟
استمع لكل أسئلتي هادئا وفي عينيه نفس النظرة التي حيرت كل منافسيه، فجأة كان رده الصاعق أن ابتسم ابتسامة خفيفة للغاية وهو يوجه نحوي قبضة يده مداعبا ليبلغني بطريقة الملاكم أن الحوار انتهى.