"شوغر دادي".. دراما تضرب القيم الأخلاقية للمجتمع الإندونيسي

مسلسل يناقش إشكالية بيع العاطفة مقابل المال بين فتاة وثري مسن.
الخميس 2025/06/12
حكاية أثارت ضجة واسعة في إندونيسيا

"شوغر دادي" مصطلح يختصر علاقة قائمة بين فتاة في مقتبل العمر ورجل عجوز لكنه ثري، يرفضها البعض في المجتمعات المحافظة ويحاول البعض الآخر تبريرها. ويأتي مسلسل "شوغر دادي" ليسلط الضوء على خطورة انتشار هذه الظاهرة في المجتمع الإندونيسي المسلم، موضحا الظروف التي تدفع فتيات للدخول في علاقات غرامية مقابل الحصول على المال. 

أول ما يمكن أن تفكر فيه وأنت تشاهد المسلسل الإندونيسي الأكثر مشاهدة هذا العام Sugar Daddy “شوغر دادي” هو كيف سمحت السلطات والجهات المعنية في ذلك المجتمع المحافظ بعرض مثل هذا العمل؟ والذي لا يتضمن فقط مشاهد جريئة غير معتادة في البلد المسلم القابع في جنوب شرق آسيا، بل يمثل ارتطاما عنيفا بالقيم المجتمعية والأخلاقية السائدة هناك.

مسلسل “شوغر دادي”، اسم يعبر عن ظاهرة منتشرة في الغرب، تسللت في ما يبدو إلى الشرق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والانفتاح على العالم، ويشير إلى علاقة غير متكافئة بين رجل كبير في السن وثري، وفتاة صغيرة تحتاج إلى المال تسمى في هذه العلاقة “شوغر بيبي”، ويستخدم المصطلح للإشارة إلى “بيع العاطفة مقابل المال”، ما يجعل العلاقة تبادل مصالح أكثر من كونها حبا حقيقيا.

مصطلح يشير إلى "بيع العاطفة مقابل المال" في علاقة غير متكافئة بين رجل كبير في السن وثري، وفتاة تحتاج المال
مصطلح يشير إلى "بيع العاطفة مقابل المال" في علاقة غير متكافئة بين رجل كبير في السن وثري، وفتاة تحتاج المال

وتم تقديم فيلم كوميدي مصري بنفس العنوان (شوغر دادي) عام 2023، من إخراج محمود كريم وتأليف لؤي السيد، بطولة ليلى علوي وبيومي فؤاد، وتدور أحداثه حول رجل أعمال يمر بأزمة منتصف العمر، ويقرر خوض مغامرة عاطفية مع راقصة تُدعى كاتي (جوهرة)، ما يؤدي إلى قلب حياته وحياة أسرته رأسًا على عقب، ولم يحظ الفيلم بقبول جماهيري في مصر وإيراداته لم تتجاوز 7 ملايين جنيه (حوالي 140 ألف دولار)، في حين لاقى نجاحا ملفتا حين عرض في السعودية بإيرادات تجاوزت 29 مليون ريال.

المثير في المسلسل الإندونيسي أن ارتطامه بقيم المجتمع لم يقتصر على الجانب الفني والدرامي، باعتباره عملا يتناول فكرة جريئة ويتضمن مشاهد غير معتادة على المشاهدين هناك، وامتد ليضرب الثقافة المحافظة في قلبها، حينما حفز عرضه موقع Ayo Bandung الإندونيسي إلى تقديم دراسة صادمة، كشفت وجود نحو 60 ألف “شوغر داديز” في إندونيسيا، ما يجعلها تحتل المرتبة الثانية في عددهم بين دول جنوب شرق آسيا، وهو رقم أثار ردود فعل غاضبة وقلقة من الجمهور، حيث عبر البعض عن القلق من تأثير هذه الظاهرة على استقرار الأسر والقيم الاجتماعية.

ويدور المسلسل حول فتاة جامعية تدعى أوريل (ميغان دوماني) تكافح في الحياة وتخبز بسكويتا محليا من أجل أن تدبر نفقات تعليمها الجامعي، وتعيش وحيدة في غرفة داخل منزل مخصص للطالبات، وتتعرض للنصب عبر الهاتف في مبلغ كبير وتصبح مدينة بسداده لأحد جامعي القروض، الذي يهددها بالتعذيب إذا لم تسدده.

تحاول أوريل التواصل مع والدها ليساعدها في تدبير المبلغ، لكنه يتهرب بدعوى أنه في وسط عملية طلاق “مكلفة” ماديا من أمها، التي لا تظهر في العمل نهائيا لأن ابنتها تقاطعها وترفض التواصل معها لأسباب غير معلومة، ولو كانت تملك مساعدتها في سداد الدين، في ذلك الوقت تلتقي بالصدفة برجل أربعيني ثري هو ديري (داريوس سيناثريا)، رجل أعمال يملك شركة للتنقيب عن المعادن مع شريك له، أرمل، وماتت زوجته قبل سنوات في حادث مروري وتركت له شابا يدرس في الجامعة ويرفض التعامل مع والده لأنه يحمله مسؤولية موت أمه.

pp

تبدأ معرفة أوريل بديري لأول مرة حينما تكون في مطعم مع صديق لها وتأتي الفاتورة يهرب ويتركها لعمال المطعم الذين يهددونها بإبلاغ الشرطة، ويظهر ديري ليتعاطف معها ويقرر دفع الفاتورة نيابة عنها، وفي مرة ثانية يعثر عليها وهي تتعرض للمطاردة من جامع قروض يحاول إيذاءها، فيتعاطف معها أيضا ويسدد عنها القرض الذي تقاعس والدها عن مساعدتها في سداده.

ورغم العثرات المالية المتكررة التي تتعرض لها، ترفض أوريل السير على خطى صديقتها المقربة بيلا، والتي ترتبط بعلاقة شبه زوجية مع “ألفن” (جيريمي توبنغ) وهو رجل ثري، ينفق عليها بسخاء لدرجة شراء سيارة وتأجير شقة فاخرة لها، وتكشف الأحداث أن هذا الرجل ليس سوى والد أوريل الذي رفض مساعدتها في سداد القرض، وشريك ديري في شركة التنقيب عن المعادن.

الجرأة في الفكرة الرئيسية للعمل وبعض المشاهد غير المستساغة التي تضمنها، تسببت في حالة من الصدمة المجتمعية

تتطور الأحداث وتعقد أوريل اتفاقا مع ديري يقضي أن تخرج معه في أي وقت يريده لتناول الطعام والحديث من دون ممارسة الجنس، ويقبل هو الاتفاق لشغل جزء من حياته الشخصية الفارغة منذ رحيل زوجته ومقاطعة ابنه له، رغم أنه يعيش معه في المنزل الفاخر ذاته، ويبدأ الاثنان في الخروج يوميا، حيث يجد فيها ديري السلوى التي يبحث عنها، وتجد أوريل فيه الأب الغائب عن حياتها.

تتوطد العلاقة ما يجعل أوريل تتجاهل اهتمام زميلها في الجامعة “أوكان” (ألزي ماركر) بها، ومشاعره ناحيتها التي يخجل من مواجهتها بها، قبل أن تكشف الأحداث أن أوكان ليس سوى ابن ديري الغاضب نفسه، وهو ما يعرفه الأب ويحاول الانسحاب من حياة أوريل، لكنها ترفض وتتوسل له ألا يبتعد عنها، وأنها مستعدة لعمل أي شيء يرضيه كي يبقى معها حتى لو كان ممارسة الجنس.

المسلسل يعرض الآن، على منصتي Viu و+Vision، وفي إحدى الحلقات الحديثة تضبط أوريل والدها وهو في مشهد غير لائق مع بيلا أمام الشقة الفاخرة التي يدفع إيجارها، ما يمثل صدمة لها، ويبدو أنها في طريقها لاكتشاف أن أوكان هو نفسه ابن “الشوغر دادي” الذي تريد استمرار علاقتها به.

الجرأة في الفكرة الرئيسية التي يعرضها العمل، وبعض المشاهد غير المستساغة التي تضمنها، تسببت في حالة من الصدمة المجتمعية، تركت أثارا على استقبال المشاهدين له، إذ تعرض لهجوم نقدي شرس في الصحف والمواقع المحسوبة على التيار المحافظ هناك، لكن هذا الهجوم فتح شهية المشاهدين خصوصا الشباب منهم على متابعته، والدفاع عنه بحكم أنه لا يحض على الرذيلة وإنما فقط يكشف الغطاء الكثيف عنها، وهو غطاء كان المحافظون يضعونه على الظاهرة الآخذة في الانتشار في إندونيسيا.

ودفع الارتباك في استقبال المسلسل مواقع إسلامية محافظة للتعامل معه من زوايا غير مألوفة، حيث كتب موقع VOA-Islam، المعروف بتوجهاته المحافظة، مقالًا تحت عنوان “ظاهرة الشوغر دادي تنتشر في إندونيسيا، فما الخطأ في المسلسل؟” وجاء فيه أنه بدلا من الهجوم على المسلسل ومنتجيه، كان على الجهات المعنية في البلاد التصدي لانتشار الظاهرة بنسب مخيفة، مع التسليم بأنها مجرد انعكاس لجوع بعض ضعاف النفوس إلى الشهوة الجنسية والمال، وأنها تعد نوعا من الخيانة الزوجية وسلوكا منحرفا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

pp

ورغم الصدمة التي مثلها عرض المسلسل لم تستطع الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها الهيئة الإندونيسية للبث الإعلامي، منع عرضه أو إصدار بيان رسمي يعبر عن رفضها لما تتضمنه من قيم منحرفة، نظرا لأن العمل يعرض على منصة بث رقمية Vision+، بالتالي لا تخضع للقواعد الصارمة التي تفرضها الهيئة على وسائل الإعلام التقليدية، حيث يمنع نهائيا بث المشاهد الجنسية الصريحة.

يمكن القول إن دخول منصات بث رقمية مثل Viu التي تنطلق من هونغ كونغ، وVision+ الإندونيسية على خط الإنتاج التلفزيوني تسبب في تغيير الثقافة الدرامية هناك، حيث بدأت في تقديم أنماط مختلفة عن الدراما التقليدية المعتمدة على إرضاء الذائقة الإسلامية المحافظة لمعظم الشعب الإندونيسي، والتوجه بدلا من ذلك نحو تقديم ما يمكن تعريفه بـ”الدراما الواقعية” مثل “Paradise Garden” الذي يتعرض لقضية الاختفاء وفساد رجال الأعمال، وهو نوع من الدراما لم يكن مسموحا بتقديمه في القنوات المحلية.

14