100 شهادة روائية في العدد الـ15 من مجلة "الجديد"

كتب رئيس التحرير نوري الجراح في افتتاحية العدد الخامس عشر من مجلة “الجديد” كلمة بعنوان “الحرائق تكتب والأدب يتساءل” بدأها بمجموعة تساؤلات: هل يمكن لروائي أن يكتب روايته عن حدث إنساني مهول بينما الحرائق تكتب الأقدار البشرية؟
وانتهى الجراح إلى أن ألواح سومر وبابل وآكاد ومكتبات إيبلا ومعابد الآلهة القديمة في بلاد الشام ومصر والعراق واليونان وقرطاج وروما حملت لنا ما يناقض رأي بعض الأدباء والمفكرين القائل بأن الأدب الجيّد لا يكتب في الأوقات الصعبة، ولا في أتون الحروب وأزمنة المأساة، بل بعد أن تخمد الحرائق وتنقشع الغيوم السود، عاد هذا الرأي ظلما للتجربة الإنسانية ومغامرتها الأدبية.
ملف العدد
احتوى ملف العدد، الذي أعدّه أوس داوود يعقوب، على أكثر من 100 شهادة لروائيين يمثلون أجيالا مختلفة من المشرق العربي ومغربه، شهادات لكتّاب عرب تصف لحظتهم الحائرة، وتقرأ تحققات الجمال في متاهات اللغة، وتكشف عن رؤاهم حول ما أسماه بعضهم بـ”الزمن الروائي المحيّر”، زمن العواصف والخراب، زمن التغيرات الكبيرة التي لا يُعرف إن كانت قد حدثت أم لا. هؤلاء الروائيون هم: خيري الذهبي، جان دوست، عبدالرحمن مطر، هيثم حسين، روزا ياسين حسن، شهلا العجيلي، عدنان فرزات، نبيل الملحم، زياد حمامي، شكري الريان، وسيم الشرقي، فارس مطر. ليانا بدر، ليلى الأطرش، محمود شقير، ربعي المدهون، أنور حامد، أسامة العيسة، أنور الخطيب، جميل السلحوت، محمود الريماوي، علي الكردي، سامح خضر، عصمت منصور، ديمة جمعة السمان، رئيفة المصري، مروان عبدالعال، قاسم توفيق، أحلام بشارات، نعمة خالد، مايا أبوالحيات، نبيهة عبدالرزاق. سميحة خريس، مفلح العدوان، زياد محافظة، جمال ناجي، هزاع البراري، جلال برجس، عثمان مشاورة. خالد بريش، جنى فواز الحسن، مايا الحاج، محمد أبي سمرا، محمد إقبال حرب، لنا عبدالرحمن، سمير فرحات.
فن السيرة كتأريخ ذاتي خاص لأحداث مر بها المؤلف يتشابك مع فن الرواية كتأريخ موضوعي عام لعدد من الأحداث
مقالات فكرية وأدبية
في باب مقالات نشرت المجلة: “النقد الحضاري العربي” لأحمد عبدالحليم عطية، “سر الأدب مجازفة تفكيكية في تأويل لذة النص” لخالد حسين، “السير الروائية: سطو المخيلة على سطوة الواقع” لجلال برجس، و”المدونة الروائية العربية الراهنة” لأحمد جاسم الحسين. يتناول عطية إسهام المفكر والمناضل الفلسطيني الراحل هشام شرابي في النقد الحضاري عند العرب، وهو فكر نقدي ديمقراطي مشارك ينبع من الحوار والتبادل الحر، ويناهض في آن أيديولوجية الفكر الثوري القديم وغيبيات الفكر الأصولي النامي، ويدعو إلى تأمين الحرية الفكرية/ حرية القول والكتابة والحوار. ويحاول خالد حسين الوقوف على اللذة التي يبعثها النّص الأدبي في نفس القارئ، تلك اللذة التي ليست في واقع الحال إلا مفعول الـسر الذي ينطوي عليه النص. ويرى برجس أن الأجناس الأدبية أخذت تتداخل وتُزال الحواجز بينها في الكتابة السردية، ليس عربيا فقط، إنما عالميا أيضا.
|
ويكتب أحمد جاسم الحسين قائلا إن الحدث السوري صار ثيمة كتابية عالمية صدر فيه أكثر من خمسمئة كتاب، وباتت الجامعات العالمية ومراكز الأبحاث تخصه بسياقات علمية تحرص على متابعة تفاصيله، نظرا إلى أنها تمس أجزاء كثيرة من العالم. وأمام تعقد هذا الحدث وتداخله فقد مسّ أطراف حركة الأدب وأعماقه، حيث اتسع أثر الثورة السورية ليشمل أجناس الأدب المختلفة، وليتساوق مع طروحات جديدة تتعلق بمفاهيم قارة في نظرية الأدب.
كما تضمن العدد في باب النصوص الإبداعية قصيدة طويلة بعنوان “أطياف الوردة” لعبدالرّحمن بسيسو، قصة “زقاق الجن عتبات الحرب ومكعب الهويات” لإبراهيم الجبين، فصل من رواية “جمهورية مريم” لوارد بدر السالم، قصة “تشكيل” لجميلة عمايرة، وقصة “يوسف والبحر” لأحمد إسماعيل إسماعيل.
سؤال الهوية
الناقد التشكيلي فاروق يوسف كتب في باب “فنون” دراسة بعنوان “الجمال في متاهة لغته: سوء الفهم المنسي” ذهب فيه إلى أن سؤال الهوية في الرسم (العربي) لا يزال قائما منذ خمسينات القرن الماضي حتى اليوم، وهو سؤال يتعلق ببنية اللغة التعبيرية، مُحرجا ومتعثرا لأنه كان بقدر أو بآخر يمثّل نوعا من الشغف الوصفي بالمفردات البصرية الموروثة والمتداولة شعبيا (رموز وإشارات وعلامات دينية وسحرية وبيئية). ولم يكن ذلك ليقع لولا أن الرسامين الذين شكّل ذلك السؤال مصدر قلق واحتقان (هلع وفزع ضمنيين) ولم يكن دافعهم إلى ما انهمكوا فيه من مناورات شكلية الوقوف أمام سؤال من نوع “ما معنى أن يكون الرسام عربيا؟”، وهو السؤال الذي يشكّل فرعا للسؤال الأكبر، المنسي هو الآخر (لا يزال منسيا) والذي يقول “ما معنى أن يكون الإنسان عربيا في هذا العصر؟”.
وتساءل في الختام: “هل وقعنا عن طريق براءة القصد في منطقة يغلب عليها سوء الفهم، كان من نتائجها المباشرة قيام فن خلاسي، لا هوية حقيقية له؟ الأمر الذي يجعل تلمّس الطريق إلى لغة تشكيلية في الفن العربي، لغة ذات ملامح واضحة يغلب عليها الرجاء.
أصوات وكتب
في باب أصوات، كتب حسام جيف مادة بعنوان “شعر لا ينقذ العالم”، وفي باب “كتب” نقرأ: “سيبويه روائيا” قراءة في رواية “تعويذة العيفة لتوفيق العلوي” بقلم محمد الجويلي، “أسئلة نشأة السردية العربية الحديثة” بقلم ليلى الشهيل، و”الرواية العربية: الأبنية السردية والدلالية” بقلم مهيار أيوب. وكتب كمال البستاني في باب “المختصر” عن مجموعة كتب صدرت حديثا منها: “ماذا تريد المرأة” لعالم التحليل النفسي البلجيكي سيرج أندريه، “العلاقات الدولية والقضايا العالمية” لفيليب مورو دوفارج، “ماذا يريد بوتين؟” لجان روبير جواني، “محاكمة حقوق الإنسان، جينالوجيا الارتياب الديمقراطي” لجوستين لاكروا وجان إيف بانشير، “الفكر المتطرف” لعالم الاجتماع الفرنسي جيرالد برونر، “العرب، مصيرهم ومصيرنا” لجان بيير فيليو.
رسالة باريس في هذا العدد جاءت حول “ماركس والتوتاليتارية الشيوعية”، خصصها كاتبها أبوبكر العيادي لكتاب جديد للباحث أندريه سونيك، العضو السابق في الحزب الشيوعي الفرنسي، بعنوان “بيان الحزب الشيوعي في نظر التاريخ”، وهو الكتاب الذي أثار منذ صدوره جدلا واسعا بين مناصر ومعارض، بين من ينزه كارل ماركس عن التنظير لجرائم الثالوث: لينين وستالين وماو تسي تونغ، ومن دار في فلكهم، الذين كانوا وراء مقتل عشرات الملايين من مواطنيهم، وأقاموا أنظمة شمولية قامعة.
الأجناس الأدبية أخذت تتداخل وتزال الحواجز بينها في الكتابة السردية، ليس عربيا فقط، إنما عالميا أيضا
لوحات وتخطيطات هذا العدد كانت لسبعة عشر رسّاما ورسّامة عرب هم: جورج بهجوري، نصير حسين، حسين جمعان، مياسة محمد، نذير نبعة، بهرام حاجو، عدي أتاسي، ريم يسوف، محمد عبدالرسول، ربيع خيوان، حسين طربي، محمد أبوالوفا، شاكر حسن آل سعيد، نذير نبعة، وسام الجزائري، علي رضا سعيد، وفاتح المدرس.
صورة الرواية العربية
يختم مؤسس المجلة وناشرها الكاتب هيثم الزبيدي العدد بكلمة عنوانها “أهلا بكم إلى عالم الرواية المملّ”، ينتقد فيها الرواية العربية المعاصرة، متسائلا عن مكمن العيب فيها بما يجعلها منفّرة، أو على الأقل غير جذّابة؟ ورغم أنه يعترف بأن النقاد هم الأقدر على وصف الإشكالية التي تعاني منها هذه الرواية، يرى أن للقارئ الحق أيضا، وهو قارئ، في أن يقول ماذا يجعله يهرب من الأعمال التي يتمّ نشرها هذه الأيام.
تبدو الرواية العربية المعاصرة، في رأي الزبيدي، أسيرة قضايا محدّدة، ويبدو عالمها وكأن عقارب الساعة فيه توقفت عند زمن معين، زمن الوعظ والإلقاء أكثر منه زمن الوصف والغور في الشخصيات. وأن الغاية من السرد تبدو وكأنها بعيدة عن بناء مشهدية الرواية وشخصياتها، بل هي تقارب موقفا نفسيا للكاتب الروائي عادة ما يصبّه في عدد قليل من الصفحات ويترك الباقي وكأنه تكرار أو حشو لا معنى له.
ويخلص الزبيدي في النهاية إلى أن الرواية المملّة والسطحية التي نهرب منها اليوم هي التعبير الحيّ عن أزمة الثقافة ومجتمعاتنا. لكنه يدعو، في الوقت نفسه، إلى عدم إلقاء الكثير من اللوم على الروائيين.