"جنون" إيمان أسيري يكشف مآسي حروب العالم

الجنون هو الوصف الأقرب لما تضج به لوحات الفنانة الشاعرة البحرينية إيمان أسيري التي تزين جدران “غاليري مشق” بالمنامة مؤخرا، فالمعرض الذي يحمل عنوان “جنون”، يحكي قصة جنون يومي يعيشه الإنسان بفعل أخبار الحروب التي تصل إلى مسمعه، ولا يجد لإيقاف هذا النزيف سبيلا، حيث مثل مفهوم الحرب في لوحاتها، أبشع ما مارست البشرية منذ بداية الوجود.
الخميس 2016/03/17
دمار وعبث مجنون

فتحت الفنانة إيمان أسيري في معرضها الشخصي الثاني “جنون” أسئلتها الكونية على المتلقين من خلال رصدها لعدمية الحروب في العالم، وذلك عبر ثماني عشرة لوحة فنية علقتها على سلك شائك في “غاليري مشق” بالعاصمة البحرينية المنامة.

روت أسيري حكايات الحرب التي تأتينا بكل برود عبر شاشات التلفزيون، والراديو والإنترنت وأجهزتنا الحديثة، التي تقتسم معنا يومياتنا الكارثية بكل تفاصيلها الوجودية والعدمية.

بضربات السكين الحادة المتماهية مع قساوة الحرب، قامت لوحات أسيري معتمدة في أعمالها على مجموعة من ألوان الأكريليك التي لم تخرج عن الأسود والأبيض والأحمر والذهبي، قدّمتها على قماش الكانفاس المستحضر بعضه من الأشرعة والخيام، مستلهمة من الحروب الإنسانية منذ هابيل وقابيل حتى وقتنا الحاضر حالات الخوف والفزع واللاطمأنينة، التي يعيشها الإنسان بشكل دائم دون توّقف على مرّ التاريخ جيلا بعد جيل.

تقول إيمان عن تجربة “جنون” لـ”العرب”، “منذ البشرية الأولى إلى الآن لم ينته الصراع بين البشر، على مدى سنوات عمري، امتدت الحروب هنا وهناك، لا تخلو نشرة الأخبار اليومية من أهوال الحروب والمعارك، جاءت الفكرة الأولى في عام 2009، نفذت اللوحة الأولى في عام 2010، وأنا أستمع إلى النشرة اليومية، اللوحات الأولى رسمتها عامها، بعدها انشغلت بأمور أخرى، لكن الأخبار اليومية، ظلت تمدنا بالمزيد من الدمار والبؤس” .

تواصل الفنانة “هناك فناء للبشر والأمكنة، بشكل مستمر في جغرافية هذا العالم الذي نعيشه، السؤال المقلق: من المسؤول عن هذا الجنون؟ لماذا لا تنتهي الحروب من العالم؟ ما الغاية من هذا العبث؟ وسائل الإعلام الحديثة، تطلعنا على تفاصيل مرعبة، تصور مشاهد الحرب، وكأنها مسلسل تلفزيوني، هل أصبحت حالة الجمود سمة المشاهدين؟”.

لوحات تستحضر الموت والخراب في جغرافية المكان، إلا أنها تبعث الزمن في شكله العدمي عبر اللون وروائحه

وتضيف إيمان “عام 2013، أكملت سيرة الجنون، جاءت اللوحات متتالية، بإيقاع واحد، الدمار والعبث المجنون بحياة البشر، غابت الألوان تماما وراء الرماد، تناثر الذهب ونزر من الأحمر على سطح القماش؟ يسألني زائر المعرض، أجيب: إن قسنا البشر بالذهب، فما عاد هناك من قيمة له”.

ويتحدّث الشاعر البحريني أحمد العجمي عن التجربة “جنون”، ويقول “اللوحات جميعها تأتي في طقس صامت مشبع بالأدخنة والركام والأشلاء، فارضة تناغمها السوداوي والموغل في الألم كحالات رقص للموت في داخلنا، في عدسات أعيننا، وليس في فضاء المشهد الخارجي، يظهر هذا العمل التشكيلي كشريط بالأسود والأبيض، يتحرك بشكل دائري، كدلالة على ما هو قابع في الأغوار البعيدة لأنفسنا، وليس ما نراه على شاشات التلفزيون من دمار، إنه رمزية لاحتفائنا في لحن الخوف واللامبالاة في ذات الوقت”.

ويتابع العجمي “رغم أن هذه اللوحات تستحضر الموت والخراب في جغرافية المكان مبعثرا من خلال الصورة، إلاّ أنها تبعث الزمن في شكله العدمي عبر اللون وروائحه، وتربط كل ذلك بكتلة الأحاسيس والمشاعر التي تغرقنا فيها، وتظهر بها عجزنا”.

بدأت بواكير تكوّن تجربة “جنون” في عام 2009 بالتزامن مع الاشتغال على مخطوطة أسيري الشعرية “شجر النوم”، ثم توقفت عن العمل عليها في 2010 بسبب أحداث الربيع العربي التي اجتاحت البحرين، بعد ذلك استأنفت العمل في سنة 2013، لتقدّمه في العشرين من فبراير برفقة عمل مفاهيمي لكتلة من الأسلاك الشائكة على هيئة أغصان شجرة علّقت عليها قصاصات شعرية من مخطوطها، في صورة تذكرنا بشجرة عيد الميلاد وهي متدثرة بأماني الناس وهداياهم، لكن المفارقة هنا، أن الحرب هي الهدية الكبرى التي تحاول الفنانة الشاعرة أن تخفف وجع نيرانها بالشعر. وإيمان أسيري هي تشكيلية وشاعرة بحرينية من مواليد 1952، شاركت في العديد من المعارض، صدرت لها عشر مجموعات شعرية كان آخرها “على شرفة معطلة” في 2014، وتعد من أوائل الفنانات التشكيليات في البحرين.

كتبت عمودا دوريا لجريدة “الاتحاد” الإماراتية بين عامي 2000، و2001، وكانت لها محاولات قصصية للأطفال عام 1985، غير مطبوعة، وهي عضو سابق في أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، وعضو سابق في أسرة فناني البحرين في أوائل السبعينات، وعضو في الملتقى الثقافي الأهلي، وممّا صدر لها إضافة إلى الديوان المذكور أعلاه الدواوين الشعرية “هذي أنا القبرة” عام 1981، “خمس دقات لقلبي” عام 1996، و”كتاب الأنثى” عام 2006.

16