سعد الأحمد: القلق والكمال هاجسان شعريان

الشاعر هو دائما ذلك الكائن القلق الذي يبحث عن قصيدته في كل جزئية من جزئيات العالم والوجود، كما أن الشاعر لا يستقر عن قصيدة بل يسعى دائما إلى البحث عن التغيير في كتاباته وإلى القبض على مادة قصيدة جديدة في كل مرة دون وثوقية ثابتة. وهكذا هو الشاعر الكويتي سعد الأحمد الذي التقته “العرب” وكان لنا معه هذا الحوار حول تجربته الشعرية وحول بعض القضايا الثقافية الأخرى.
الخميس 2016/03/17
أي أمر يصيب العرب يصيب شعراءهم

يعتبر الشاعر الكويتي سعد الأحمد شاعرا قلقا حيال نصه، حيث كان قد سحب نسخ ديوانه الأول “اعترافات قلم” من الأسواق، بعد أن شعر بأن الكتاب يفتقر للنضج الشعري، ويحتوي على الكثير من الأخطاء النحوية والإملائية.

لقد أصدر الشاعر مؤخرا عن دار مسارات مجموعته الشعرية الثانية “العمر أغنية وأنا مغن أخرس”. ويعمل حاليا على إصدار قادم يأمل أن يكون مختلفا عن سابقيه، فالمغني الأخرس أخذ منه مجهودا، وهو راض عنه بنسبة كبيرة، لكنه يسعى إلى أن تنال روحه الشعرية كل الرضا عن تجربته القادمة.

القلق والكمال

يقول الشاعر سعد الأحمد عن قلق الكتابة والاشتغال على النص قائلاً “القلق والكمال والسعي إلى الأفضل هي هواجس أساسية لي، حيث بطبيعتي شخص يبحث دائما عن عمل الشيء بطريقة صحيحة أو عدم الإقدام عليه أصلا، وذلك من ضمن المعايير التي أضعها لنفسي، لذلك أنا شخص متعَب ومتعِب من القلق الدائم حول السعي للأفضل ولا يسهل علي تهديم ذاكرتي أو الهروب منها أو الاستسلام لسلطة النص علي، ففي ما مضى من الزمن كان النص يكتبني والآن أكتبه، وحين لا أجد أنه يمثل الحالة التي أريدها صار من السهل أن يتم حذفه على عكس ما كنت عليه في الماضي حيث أنني لم أكن قادرا على التخلي عن أي نص وتربطني به رابطة الأم بأبنائها”.

مجموعة “العمر أغنية وأنا مغن أخرس” يتقاسمها عالمان شعريان؛ الأول عالم لحظي خاطف، أشبه بالتقاطة فوتوغرافية لبركان شعري ثائر، والثاني عالم مسكون بالديمومة، وإمكانية الارتماء في تفاصيله بطمأنينة دائمة. الأمر الذي يجعل القارئ في حالات تأمله للنص يعيده لأكثر من مرة محاولا القبض على مضامين جديدة لم تتبدّ له في القراءة الأولى.

الشاعر يسعى إلى ترجمة اللحظة بتفاصيلها والخروج بنفسه من منطقة الراحة التي يعيش فيها إلى نصوص قصيرة ثائرة.

يحدثنا الأحمد عن مجموعته “بالنظر إلى أن مجمل النصوص في الديوان كتبت ما بين عامي 2013 و2015 فهناك اختلاف وتفاوت في الحالة الشعرية لكل نص، فالقلق ملازم لي تماما على صعيد حياتي الشخصية والأدبية، والتقاط اللحظات بصور فتوغرافية وكلمات تحاول ترجمة اللحظة بتفاصيلها، هي ليس بالأمر السهل أو شيء اعتدته، ولكني سعيت إلى أن أخرج نفسي من منطقة الراحة التي أعيش بها في اتجاه هذه النصوص القصيرة الثائرة، لينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء وفي كل جزء نوع شبه مختلف عمّا قبله من النصوص، أما الديمومة فهي في النصوص التي أتمنى أن تبقى أو أن تأخذ بعين الاعتبار كنصوص مؤثرة”.

في حديثنا مع الشاعر حول الرقيب الكويتي في زمن الفضاءات المفتوحة، وكيف يقتات على المنع بصورته الكلاسيكية، وعمّا حصل في معرض الكويت الدولي للكتاب في السنوات الأخيرة. يرى الأحمد بأنه قد كثر الحديث وطال عن آلية المنع، وأسبابه ضعف الأدوات الرقابية واهتراؤها، وعدم كفاءة الرقيب، يقول “في زمننا هذا، أكاد ألا أقتنع بأن الفضاءات مفتوحة، فالفضاء المفتوح يحتاج إلى عقل واع لاستيعابه وليس إلى عقل مؤدلج أو مسير، وهذا ما لا يمكن للرقيب غير الواعي، وغير المؤهل، صاحب المرتب الحكومي الذي يجلس في غرفة في أحد سراديب وزارة الإعلام ليحكم على فسح أو منع الكتاب، يجلس بين أكوام الكتب قبل المعرض بعدد من الأيام ليبحث عن كلمات (الله، إرهاب، إلحاد، جنس، عدم، بعث، جنة، نار، خلود، تاريخ شبه الجزيرة العربية، إلخ) بين دفف الكتب، ويقرر أن يمنع أي كتاب لتواجد مثل هذه الكلمات فيها، وما لا يعرفه هذا الموظف الحكومي الذي يؤدي عملا كان من المفترض أن يقوم به على مدار سنة، ويؤديه بأسبوع واحد قبل المعرض، إن كل الكتب الممنوعة تباع في الكويت وموجودة إن كانت نسخا إلكترونية أو ورقية. وإن في معرض الكتاب ذي التنظيم المخزي، يمكن لأي شيء أن يوجد وهم يرفعون راية الرقابة، عموما ما يحدث في معرض الكتاب الكويتي كارثة تنبئ بهبوط المستوى الأدبي أكثر مما هو هابط في السنوات الخمس الأخيرة في الكويت”.

الأحمد من مواليد الكويت 1985، هذا الجيل له موقفه الخاص حيال القضايا السياسية والنكبات العربية والأيدولوجيات السابقة عليه. فهو جيل لم يشتغل بالسياسة، ولم تشتغل قصيدته بالحرب. ويتفق الأحمد معنا بأن نصه لم يدخل النطاق السياسي بشكل متعمّد فهو يرى أن مثل هذا الوطن المزيف بالظلال يمكن لأي كلمة سياسية أن تتسبب باتهامك بتبعية -فكرية، سياسية، طائفية معينة، وهذا ما سعى الشاعر إلى أن يبتعد عنه، ولكنه يعتقد أن القادم من تجربته الشعرية لن تخلو من بعض التهكم السياسي أو الاجتماعي.

المجموعة تتقاسم عالمان شعريان

ويوضح ضيفنا موقفه من الأحداث السياسية وتأثيرها على الشاعر قائلا “موقفي الشخصي حول النكبات العربية هي نكبة خاصة، أي أن أي أمر يصيب العرب أو الأمة العربية يصيب أي شاعر يهتمّ لأمر الأرض التي ينتمي إليها أو العرق الذي يأتي منه وهو العرق العربي”.

ويتابع الأحمد محاولا قراءة ملامح جيله “كيف أقرأ جيلي؟ أعتبر أن هذا السؤال ليس بالسهل، ولا الإجابة عليه سهلة، ولكن يمكنني القول إن الكثير من الجيل الشبابي في الكـويت تحديدا يفتقر إلــى الــوعــي، وأقصـد بالوعي ليس الاطلاع على الأعمال الأدبية فقط، إنما الوعــي الوجــودي، الفكـري، الاجتمــاعـي، الإنســانـــي، السيـاســـي، الاقتصـــادي، وغيره، لأننا نجد الكثير من الكتاب الشباب هم يكتبون مادة أدبية لا بأس بها، لكنهم لا يتركون بصمة أو صبغة شخصية لما يكتبونه، لكون أن أغلب محاولاتهم هي في صميم الشهرة والنجاح السريع”.

عـن آثار انقسـامات الربيع العربي الطـائفية على المثقــف الكـويتي يوضح الأحمد أن “كلمـة الربـيع العربي كلمة من وجهة نظري الشخصيـة يجـب أن يتم استبـدالهـا بالخـريـف العـربـي أو الانهيار العـربي أو المأسـاة العربية، فـالربيع هنـا خارج عن النص وعـن السيـاق تمامـا، يتعسكر المثقفون وفق طـوائفهم أمـر طبيعي لأنه لا وجود لأرض مشتركة وحـوار يحتـرم الاختـلاف والآخـر، ويفـرق مـا بـين شخـص المثقف وأفكـاره وتوجهـاته وآرائـه، الكـويـت والمثقف الكويتي ليس بمعزل أبدا عن هذا الانقسام والتكور داخل أطر (الطائفة – المذهب – القبيلة – الجنس الأدبي) والبحث عن موقف تنويري هو أشبه بانتظار المهدي المنتظر في آخر الزمان، أو إبرة في كومة قش، أعتقد ما نحتاجه هو إعادة تشغيل للعقول والنفوس، وبعدها ننطلق للبحث عن موقف تنويري واضح على جميع المستويات والأصعدة”.

الأحمد يشغل الآن منصب المنسق العام لجماعة الإزميل في الكويت، وهي مؤسسة ثقافية غير ربحية تسعى لخلق مكان للحوار والتواصل والتدريب والتحفيز على الإبداع والمبادرات التي تعزز قيمة الجمال في المجتمع، يحدثنا الأحمد عن الجماعة “عمر جماعة الإزميل هو ما يقارب الأربع سنوات، وهي بالأصل لم تتكون كجماعة أكثر من كونها لقاء بين الأصدقاء، وتبادل الحوار الثقافي، إلى أن تطور الأمر وأصبح بالشكل الذي ترونه اليوم، وفي البدء تأسست لتلبية احتياجات المعنيين في هذهِ اللقاءات الودية من التعرف على قراءات الآخرين ومعرفة الرأي في ما يكتبون، إلى أن تطور الأمر للعمل ضمن جدول زمني وإطار محدد ولكن دون قيود”.

15