في سلطنة عمان والكويت عام ثقافي مضطرب ومحاولات للقفز على العقبات

التفت جميع المثقفين العمانيين والعرب في العالم العربي والإسلامي لمدينة نزوى العمانية هذا العام لاختيارها عاصمة الثقافة الإسلامية، الأمر الذي جعل المنظمين في وزارة التراث والثقافة يعملون لهذه الاحتفالية من وقت مبكر، وذلك بوضع آليات العمل، وتوزيع اللجان، واختيارات الأنشطة، والضيوف، بالإضافة إلى وضع جدول لفعاليات ثقافية امتدت طوال العام 2015، كان آخرها مهرجان المسرح العماني المنتهي مؤخرا. وربما هذا الاحتفاء بمدينة نزوى التاريخية العريقة كان السقف الأوسع الذي استظلت تحته جميع الفعاليات الثقافية التي احتضنتها السلطة طوال العام 2015.
لم يأخذ نصيبه
انتهى مؤخرا مهرجان أثير للشعر العربي في عمان تاركا خلفه أسئلة كبيرة حول جدوى الشعر في زمن الربيع العربي، وحول التجارب الشعرية العربية والعمانية سواء التي حضرت، أو تلك التي غابت عن الفعاليات والأنشطة الثقافية فيه، لتعزز من الاتهام الكلاسيكي بوجاهة الاختيارات التي تقع ثقيلة على عاتق المنظمين.
المهرجان الذي احتضنته مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان عدّ أكبر تظاهرة شعريّة عربيّة، الأولى من نوعها، من حيث عدد المشاركين من الشعراء، والنقّاد العرب والعمانيين، وتنوّع التجارب وثقلها في المشهدين الشعري والنقدي العربيين.
المهرجانات العربية فقدت قيمتها الثقافية التي أوجدت من أجلها، لتتحول إلى مجرد لقاءات بين أصدقاء
وبالرغم من هذا الزخم الكبير الذي أحاط بالفعاليات وبالأسماء العربية والعمانية المشاركة إلا أن المهرجان لم يأخذ حقه من الدعاية والحضور الإعلامي، فقد مرّ وكأن شيئا لم يكن، وربما يعود ذلك لكثرة المهرجانات الشعرية والثقافية العربية، ثم إن الوجوه التي حضرت على المستوى العربي والمحلي تعد وجوها مكرّرة، تقول نفس الكلام في كل مناسبة، الأمر الذي أفقد المهرجانات العربية في العموم قيمتها الثقافية التي أوجدت من أجله، لتتحوّل إلى مجرّد لقاءات بين أصدقاء قدامى وجدد تحت سقف واحد.
ربما أهم فعالية تخص الجمعية العمانية للكتاب والأدباء هي احتفاؤها مؤخرا بالفائزين بجائزة الإبداع الثقافي التي تقيمها الجمعية لعام 2015، وتكريم شخصيتي العام الثقافيتين الشاعرين صالح العامري وسالم بن علي الكلباني، وذلك ضمن حفل ثقافي حضره جمع غفير من مثقفي وأدباء السلطنة.
هروب مسرحيين
بسبب عدم قدرتهم على العمل وفق الموارد المادية وتجاهل المؤسسات لدعم المسرح قدّم مجلس الإدارة لجمعية المسرح العماني استقالته بشكل جماعي -باستثناء خالد العامري رئيس مجلس إدارة جمعية المسرح- مطلع العام 2015، ورأى بعض المسرحيين العمانيين بأن هذه الاستقالة الاحتجاجية ساهمت في هروب ما تبقّى من رعاة للمسرح، الأمر الذي تسبب في تعميق نكسته أكثر من السابق.
ورغم هذا كله، ومع ضيق ذات اليد، وغياب الإدارة، وضعف الميزانية، إلا أن هنالك فرقا مسرحية عمانية أهلية من الدن ومن صلالة والرستاق وبركاء استطاعت هذا العام أن تغير هذا الواقع عبر عروض مسرحية مدهشة اعتمدت على النص البسيط غير المكلف ماديا، دون تعقيدات سيميائية تخص الأثاث والديكور المسرحي.
هنالك عروض عدّها المتابعون مختلفة ومبهرة في مهرجان المسرح العماني السادس الذي نظمته وزارة التراث والثقافة بمركز نزوى الثقافي بمحافظة الداخلية احتفاء بنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، من ضمنها مسرحية “الصحراء وقمر” والتي قدمها مسرح “مسقط الحر”، وهي من تأليف وفاء الشامسية، وإخراج جاسم البطاشي. ومسرحية “دمية القدر” من إخراج خليل البلوشي وتأليف بدر الحمداني، والتي فازت بجائزة أفضل عرض مسرحي أول، ومسرحية “الزبال” لفرقة جعلان المسرحية.
ويرى بعض المسرحيين العمانيين أن أنصبة الجوائز في النتائج النهائية لمهرجان المسرح العماني أكّدت مدى تقدّم الفرق المسرحية العمانية الأهلية التي كانت ولا تزال تطوّر أدواتها بنفسها دون انتظار معجزة المال والدعم اللوجيستي من أحد.
الرواية والشعر
التجربة الأدبية في عمان تتميز بتنـــوع مشاربهــا، واختـلاف تقنية الكتابة بين الكلاسيكي والحداثي
انطلقت في سبتمبر الماضي ندوة “قراءات في الرواية العمانية والسعودية” بالنادي الثقافي بمسقط، التي نظمها النادي بالتعاون مع وحدة السرديات بجامعة الملك سعود، بالمملكة العربية السعودية. وتأتي الندوة ضمن برنامج “النص العماني برؤية عربية” الذي تدعمه وزارة التراث والثقافة العمانية، بمشاركة عشرة باحثين، وتشتمل على عشر أوراق عمل، تناولت بالقراءة والتحليل النقدي عشر روايات مختلفة، خمس منها عمانية، والخمس الأخرى سعودية، حيث قدم الباحثون العمانيون قراءاتهم في الروايات السعودية المرشحة من قبل وحدة أبحاث السرديات بجامعة الملك سعود، فيما قدم الباحثون من وحدة السرديات قراءات في الروايات الخمس المرشحة من قبل النادي الثقافي.
ولقد وقع الاختيار على الروايات السعودية العمانية التالية: “أنا والجدة نينا” لأحمد الرحبي، و“الوارفة” لأميمة الخميس، و“امرأة من ظفار” لأحمد الزبيدي، و“لوعة الغاوية” لعبده خال، و“موشكا” لمحمد الشحري، و“القندس” لمحمد حسن علوان، و“بن سلوع” لعلي المعمري، و“رحلة الفتى النجدي” ليوسف المحيميد، و“حوض الشهوات” لمحمد اليحيائي.
وبعيدا عن طاولات السرديات الأكاديمية استطاعت هذا العام كلّ من رواية “أنا والجدة نينا” للرحبي، ورواية “حوض الشهوات” لليحيائي، بالإضافة إلى مجموعته القصصية “نزهة مارشال”، وأيضا المجموعة القصصية “المرأة العائدة من الغابة تغني” لحمود سعود أن تلفت انتباه القراء، ليس على المستوى العماني فحسب، بل العربي كذلك.
تتميّز التجربة الشعرية في عمان بتنوّع مشاربها، واختلاف تقنية الكتابة بين شعرائها، بينما نواجه النص الكلاسيكي العمودي، نقرأ بجانبه تجارب لقصيدة التفعيلة المدهشة، وبجوار هذا وذاك تحضر قصيدة النثر بنص مغاير من جيل شعري استوعب أسئلته الكونية، وحاول أن يكتبها على جدران الحياة اليومية.