مليكة عبدالحميد: لا يمكن لأحد أن يتحدث بالنيابة عن الآخرين

تجهد الشاعرة السعودية نفسها لتسمع العالم صوتها رغم كل التضييقات الاجتماعية والنظامية عليها، فما إن تخلّص نفسها من نسق مهتزّ حتى تجد نفسها وسط نسق ثقافي آخر أكثر قساوة وضراوة. فهي محتجزة بالتقاليد والأعراف وتأويل النصوص. “العرب” التقت الشاعرة مليكة عبدالحميد، وهي تمثّل أحد الأصوات التي أثمرت قصيدتها بهدوء من بين بنات وأبناء جيلها الثقافي، فكان لنا معها حوار حول تجربتها، وحول بعض القضايا الثقافية الأخرى.
الجمعة 2015/12/11
المثقفة السعودية لا تزال في بداية مشوارها

أصدرت الشاعرة السعودية مليكة عبدالحميد عن دار طوى السعودية أولى مجموعاتها عام 2012، بعنوان “قراي النائمة”، ثم في عام 2014، تقدمت لقرّائها بمجموعتها الثانية “يختبئ في ظلي”، عن الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت، بعدها قررت أن تستريح استراحة كاتب ينتظر قصيدته التالية بعد أن أصابها الإحباط من كل شيء.

تداخل الفنون

تقول مليكة لـ”العرب” عن تجربة الكتابة: أشعر بميل شديد للتعبير عن المشاعر العامة التي يشترك فيها كل الناس، وتحضر لديهم بمستويات مختلفة، وأجد نفسي أكثر تناغما مع الهدوء والغياب، أرى الكتابة في الغياب هي التي تمثّل الكاتب، أما في حضوره فهو يمثل الكتابة، وهي مسؤولية شاقة لم أشأ أن أتحملها.

لغة مليكة عبدالحميد في المجموعتين كانت قريبة من تلك الومضات القصصية القصيرة جدا الموغلة في التكثيف. وتتشابه على مستوى التكنيك لمسرحة العالم، أو تحويله إلى أقصوصة ذات مشهد واحد لبطلات مهزومات متداخلات في البوح، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول يقظتها في بناء نصها الشعري، إذ يرى بعض الكتاب أنه لم يعد من معنى لأجناس الأدب في الكتابة الإبداعية المعاصرة. وربما هذا الأمر هو الذي دفع مليكة لتصنيف مجموعتها على أنها نصوص.

تعلّق مليكة على هذا الشأن الخاص بتقنية الكتابة نفسها قائلة: ليس الأمر إلى هذا الحد، فعندما أذهب إلى الكتابة لا أحب أن أخنق نفسي في رقعة شطرنج أو أقنن هذه الحرية التي تمنحني إياها هذه المساحة البيضاء، أكتب دون أن أنظر إلى الطريق الذي ستسلكه هذه الكتابة ولا آبه بشكلها. أعتقد أن الفنون الآن متداخلة والشعر لم يعد قاصرا على الأعمال التي تتصف بهذا الاسم بل أصبح الشعر في كل شيء.

المثقفة السعودية

في المجموعتين يبرز صوت الشاعرة التي أخذت على نفسها أن تتكلّم باسم النساء، وباسم أحلامهن، وانتكاساتهن. غير أن مليكة ترى أن الأمر معقد، فالضمير في الكتابة الشعرية -حسب تعبيرها- حتى وإن عاد على الشاعر، فإنه يعود على الجميع في النهاية، ويمكن له أن يتحدث بضمير الجماعة وهو يقصد ذاته. تقول مليكة: لا يمكن لأحد أن يتحدث بالنيابة عن الآخرين، فقد انتهى الشاعر الذي يعبر عن القبيلة. وما يشغلني هو القدرة على التعبير عن حقوقي من خلال الآخرين.

اختيار
نحن المهووسون بكل التفاصيل.. نرفع يوميا

رسائلنا إلى الله كي يمنحنا الأمان..

كانت يدي أقصر من السؤال.. أضعف من أن تمتد نحو السماء..

كان قطّاع الليل يمرون منتعلين حلمي الصغير..

كانوا ينتظرون سقوط يدي حتى يبدأوا العزف عليها…

لم أكن أدري أن لكفّي أوتارا..

كانوا يجيدون العزف عليها لهذا لم يكن بإمكاني الكتابة…

عرفتُ الآن لم لا تطيعني كفّي حين أختنق بالكلام؟

أريد استعادة كفي هذه الليلة.. هذه الليلة فقط…

أريد أن أصافح الأشياء.. أن أتحسس قضبان هذا العالم.. أن أكتب تجربتي بشكل رديء..

أن أحاول استعادة حرية العودة إلى البدايات.. حيث كانت يدي قصيرة جدا…

كانوا أصعب من أن أقنعهم أن هذا الليل ملكٌ للجميع.. وأننا شركاء في هذه التفاصيل…

قالوا لي وهم يعبرون آخر الليل: الأفكار السيئة لها أيادٍ طويلة لكن السماء حارّة جدا.. التفاصيل مؤذية ووحده الحب ما يُكمل الأغنية…

كانت الوصايا تنداح على كفي..

كانت هناك موسيقى وليل مُنشغل بالهروب وقطّاع شاحبون تسرقهم الشمس…

كيف عاد النهار دون أن أدوّن كل خطايا الليل؟

يا لرهبة الضوء! كفي ليست معي.. سرقوها.. أبناء الليل…

ياللجبناء..!

مليكة عبدالحميد من مواليد الظهران في شرق السعودية عام 1986، من أب سعودي وأم بحرينية، وجدت نفسها مقسّمة بين جزيرتين يفصلهما جسر، عاشت حياتها بينهما، وتقاسمت الشعر بين النخيل والبحر والصحراء. وفي محاولة للاقتراب من عوالمها الشعرية توقفنا معها حول الأسئلة التي تؤرقها كشاعرة تنتمي إلى الجيل الجديد، وكيف تنظر إلى الأجيال الشعرية السابقة عليها، من أجيال التسعينات، إلى بداية الألفية الثالثة، حيث للجيل الجديد قلقه الخاص وأسئلته المختلفة. وعن كيفية قراءتها لتحوّلات هذا الجيل، تقول ضيفتنا: لست مع فكرة التجييل، ولا أعتقد أن الشعر يمكن أن يخضع لهذه التقسيمات. أسئلتنا وإن اختلفت في صياغتها يبقى القلق متشابها في كل الأجيال. وأميل إلى فكرة هنري ميللر حين ذكر أن كل فنان يراوده الخوف من كونه قد لا يفيد العالم بشيء.

هنالك قضبان تلف عنق المبدعات في المشرق العربي ولا سيما في خليجه المحافظ، وتبرز هذه القيود أكثر في السعودية، حيث منابع تيار الصحوة الإسلامية المناهض لكل الحريات المتعلقة بالمرأة وبغيرها، هذه السلطة الدينية السياسية الاجتماعية الضاغطة تدفع القارئ للسؤال عن مدى شجاعة مليكة عبدالحميد في التعبير عن نفسها وعن أسئلتها وعن قلقها أثناء الكتابة، أم أنها اضطرت أن تلجأ إلى المجاز حتى تفلت من أن تكون لقمة جاهزة بين فكّي فم الرقيب.

في هذا الخصوص ترى ضيفتنا أن المجاز عباءة يختبئ داخلها كل ما لا نريد أن يعرفه الآخرون، وأنه لا يمكن أن يفلت أي شخص من المجاز. تقول: نحن نستخدم المجاز في كل شيء في حياتنا اليومية وليس بالضرورة أن نتعمد الاختباء وراءه، اللغة ككل لا يمكن أن تضعنا وجها لوجه أمام المعنى.

منذ مطلع الثمانينات وتيارالصحوة الديني يشكّل في السعودية ارتدادا للحداثة ومعطياتها على مستوى الفنون والفلسفة وقضايا المرأة. غير أن مليكة تفضل أن تقف على الحياد حيال هذه التيارات الإسلاموية عادّة إياها مجرد اختلاف في وجهات النظر بين السائد والمختلف.

تقول عبدالحميد: ككل الدول وفي كل الفترات التاريخية تتعاقب على الناس سيطرة تيارات على الوضع الاجتماعي. وهذا ما مرت به السعودية، ولا يزال الجدل قائما بين تياراتها. لا أستطيع أن أحكم عليها من منطلق مجرد نظرتي المخالفة للسائد، فهي في الأخير قناعات للناس التي تعززها لهم توجهاتهم الدينية أو الفكرية.

وفي ذات السياق ترى مليكة أن المثقفة السعودية لا تزال في بداية مشوارها فالحيز الذي تمتلكه الآن في المشهد -في نظرها- ضيق.

15