عائشة العبدالله: الكتابة لا تغير العالم ولا تصلح أفراده

الشعراء القلقون بالكلمة وحدها ينتجون نصا مجاوزا، إذ وحدهم الذين لم تشغلهم التيارات والقوالب ومآلات من سبقوهم، يكتبون ما يشعرون به، ويجاهرون به للعالم. الشاعرة الكويتية عائشة العبدالله واحدة من هؤلاء الشعراء الذين يصرون -رغم حداثة تجربتها- على دخول المشهد الشعري بأدواتهم وأسئلتهم وقلقهم الخاص بهم. “العرب” التقت بها للحديث حول تجربتها الشعرية وحول قضايا ثقافية أخرى.
الأربعاء 2015/10/21
الحداثة ليست في الشكل بل في المضمون

أصدرت الشاعرة الكويتية عائشة العبدالله عبر دار مسعى البحرينية مجموعتها الشعرية الأولى العام الماضي حاملة عنوان “خمسة أوتار في يدي”، منطلقة من الصوت الداخلي الخاص بها، ومن التجربة الذاتية الوجدانية التي تحيط بشاعريتها على اختلاف تياراتها العاطفية وانحناءاتها، بالإضافة إلى علاقة هذه الذات بالأشياء والتفاصيل من حولها. وتعمل عائشة حاليا على مجموعة نصوص شعرية جديدة لا تزال قيد التعديل والتطوير، لكنها مختلفة عن سابقاتها من الناحية التقنية والموضوعية.

الشاعر الحديث

نص العبدالله في مجموعتها “خمسة أوتار في يدي” مشغول بمحاولة وضع صياغة جديدة للعلاقة بين الأنثى والرجل، والأنثى والعالم، والأنثى والكتابة. وفي حديثها مع “العرب” تؤكد عائشة على أن “الكتابة لا تغيّر العالم ولا تصلح أفراده، لا توقف الشرور ولا تلغي الظلم السائد في المجتمع، ولكنها تبني الجسور وتعيد تشكيل العلاقات عن طريق الاتصال الذي يحصل بين الكاتب والقارئ، وربما تكون أحيانا يدا تعين على كسر القيود وترميم الشروخ”.

ترى عائشة العبدالله أن العالم أصبح مدينة صغيرة، وأن الكل أصبح باستطاعته التواصل مع الآخر، وأن الثقافات تتداخل بعضها ببعض بسهولة حتى أصبح المصير واحدا ومشتركا بين الشعوب، وهو يتمثل في الإنسان والحياة حيث تقول “بدوره الشعر قد تغيرت طريقته، وأصبح ينصهر في الأسلوب الذاتي الذي يحمل في طياته الأنا، والكل، والآخر، لكنه بلا شك لم يغفل عن القضايا الكبيرة، فالقضايا القومية لم تغب لأنها -وبكل بساطة- جزء من منظومة كاملة يتحرك من خلالها الشاعر، لا يمكن أن يكون الشاعر بعيدا عن انتمائه وإحساسه بوطنه ومحيطه، ربما تخلى الشاعر الآن عن لغة الخطاب السائدة في السبعينات والثمانينات أثناء صعود المدّ القومي لكن لا زالت تلك الروح موجودة بشكل آخر عبر لغة تتماشى مع لغة الشاعر الحديثة”.

يذهب بعض الكتاب والنقاد إلى أنه لا وجود حقيقيا يستحق الإشادة والمتابعة لأيّة تجربة شعرية نسائية في الكويت وفي الخليج، وأن الجيل النسائي الشعري الجديد يأتي ضمن مشهدية ثقافية متشابهة ومتكررة، لا تمتلك بصماتها الإبداعية الخاصة. عن هذا الرأي تعلّق ضيفتنا قائلة “ربما ليس هناك أسماء نسائية كثيرة حازت على الانتشار، ولكن هناك تجارب نسائية أثبتت نفسها وجدارتها على المستوى الخليجي والعربي، في معرض الكتاب الفائت حرصت على اقتناء مجموعات شعرية مختلفة، لأقلام شابة، وهي تنبئ بوجود جيل واع متميز من كلا الجنسين، بالإضافة إلى أن الكتب لم تعد شاهد الثقافة الوحيد، فمن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يرى مجموعة من الشاعرات اللاتي تفوّقن بنصوصهن على كثير من أصحاب الكتب”.

نص مجموعة "خمسة أوتار في يدي" مشغول بمحاولة وضع صياغة جديدة للعلاقة بين الأنثى والرجل، والأنثى والعالم

وفي سؤالنا عن سبب جنوح معظم الشاعرات العربيات للنص الرومانسي/ العاطفي، وهي نصوص متشابهة ومتكررة ضمن منجز واسع لدى جيل من التجارب النسائية الشعرية، تجيب الشاعرة “التجربة العاطفية والوجدانية هي أقرب ما يلجأ إليه المرء سواء كان رجلا أو امرأة، وحين كان الشعر يستمد روحه من الشعور، فإن الشعور بالحب طاقة عظمى توقد الفن في الإنسان، وهذا ينطبق على الشعر منذ عصوره الأولى، أما عن تشابه التجارب فلا أظن ذلك، حيث أنه وراء كل تجربة حكاية مختلفة، وجانب مغاير، ولغة شعرية مدهشة يمكن أن تصوّرها الشاعرة بعيدا عن التشابه والتكرار”.

التجريب دون حدود

عائشة العبد الله من مواليد الكويت 1988، هذا الجيل الثقافي الجديد له قلقه وأسئلته وآماله التي قد تختلف مع الجيل الذي سبقه، حيث أنه أتى بعد زمن التحزبات السياسية والثقافية، وبعد حروب دامية عاشتها المنطقة لسنوات طويلة في الخليج والوطن العربي. كيف تنظر عائشة العبدالله -وهي ابنة العشرينات- للأجيال الشعرية السابقة في الثمانينات، والتسعينات، وبداية الألفية الثالثة.

تقول عائشة “الأجيال تكمل بعضها البعض، وهذا الجيل الذي أنتمي إليه مثقل بتساؤلات الجيل الماضي، وبخبراته أيضا، ولكني أراه أكثر جرأة على طرق الأبواب، يرفض الأنماط السائدة بقوة، يسعى إلى التجريب دون حدود، يملك انفتاحا أكبر على العالم من حوله، الأمر الذي بدوره انعكس ليس على الشعر وحده وطريقة كتابته، بل حتى على مظاهر حياته العامة، ووعيه”.

وفي رأيها عن سؤال الحداثة والشكل الهندسي للشعر تذهب ضيفتنا إلى أن “هذا الزمن قادر على استقبال كل الأشكال والتيارات، وأنا لست معنية بالشكل بل بالطريقة التي تمثل النص الذي أكتبه، ومدى قدرة هذا الشكل على استيعاب كل الأفكار والمشاعر والتجارب التي يحتوي عليها النص، فالحداثة ليست في الشكل سواء كان عموديا أو تفعيلة أو نثرا بل في المضمون، في كتابي الأول كانت المادة فيه تميل إلى التلقائية، ومازلت في مرحلة التجريب، أسعى إلى الكلمة التي تلامس القارئ، دون الالتفات إلى المصطلحات النقدية، وأقدّم الشكل بالطريقة التي يفرضها عليّ النص”.

تجربة ذاتية وجدانية على اختلاف تياراتها العاطفية وانحناءاتها

نص لعائشة العبدالله:

بين غريبين

هل في وسع السماء أن تأتينا بغيمةٍ

تحسدنا.. لأننا لا نرى ما ترى؟

هل في وسع البياض أن يمنحنا

ريشا، نجبرُ به الأجنحة المكسورة؟

هل في وسع القهوة أن تكبر بين غريبيْن

على الحياة، لتصبح شارعا ممتدا، وأغنية

مقهى؟

هل في وسعنا أن نكون

لوحتنا على الجدار، وقصيدتنا في الورق،

وموسيقى صمتنا، حين يحدق كلانا في

عضلة

صدره اليسرى؟

هل في وسع قلبك أن يحبّ امرأة

أقصرُ من قامة أحلامها،

عيناها تثرثران باستمرار،

مشيتها مائلةٌ على قدميك،

تحمل جوعا للحياة لا تشبعه أطباق

موائدهم،

وتمتلئ جيوبها الفارغة، بكلمات لا تنقص

في آخر الشهر..

تركن إلى النافذة تحسّبا لمرور عصفور،

وتطمئنّ إلى الخشب لأنه دافئ كشجرة،

تقلّب ذكرياتها..

ثم تفرش كل عيوبها على الطاولة

أمام رجلٍ تحبه؟

وهل في وسعي، أن ألعب معك

لعبة لا تنتهي..

أن أركض خلف الكرات المتدحرجة منك في

كل الزوايا..

وأمسك بها..

قبل أن ينتهي الزمن؟

أنا أغبط كل امرأةٍ أحببتها من قبل،

لأنّها لم تدفع الأرجوحة مثلي برجليها..

واكتفت بالرياح..

وأنا أشفق على كل امرأةٍ أحبّتك من قبل..

اختبأت في مغارة عينيك..

ولم تصبح شاعرة!

15