فوبيا الفشل تزيد من انتشار العنوسة

يتفق الكثير من باحثي علم الاجتماع على مساهمة النمط المجتمعي الجديد في تأخر سن الزواج وتنامي ظاهرة العنوسة، لا سيما داخل المجتمعات العربية. هذا النمط المرتكز على العوامل التي تعودنا سماعها مثل تعليم المرأة والبطالة وارتفاع تكلفة العيش والزواج، لا يتحمل وحده المسؤولية. ويرجع الباحثون هذه الظاهرة المتزايدة إلى أسباب نفسية ذاتية لا علاقة لها بنمط العيش أو سواه.
الجمعة 2015/08/07
نسبة العنوسة في الحضر وصلت إلى 38 بالمئة

تقول د. أمل الجوادي، استشارية الطب النفسي، إن العامل النفسي له دور كبير في انتشار ظاهرة العنوسة، فهناك أكثر من 60 بالمئة من الفتيات والشباب عازفون عن الزواج بسبب المشكلات الأسرية التي تحدث بين الوالدين. وهم ينظرون إلى الزواج باعتباره مصدرا للمشاكل، لا سيما بعد ارتفاع حالات الطلاق خلال الفترة الأخيرة.

وأضافت أن نسبة العنوسة في الحضر وصلت إلى 38 بالمئة، أما في الريف وصلت إلى 22 بالمئة فقط. وأرجعت نسبة التفاوت إلى انخفاض معدل التعليم بالنسبة للإناث في الريف، فضلا عن وجود عادات وتقاليد مختلفة.

ويقول باحثون إن خوف الفتاة من الزواج يعبر في كثير من الأحيان عن الخوف من نتائج هذا الزواج، خاصة بعد الاطلاع على مشكلات الكثير من النماذج كالوالدين والصديقات اللاتي تزوجن، وحالات الطلاق المبكر. فتميل الفتاة إلى الرغبة في عدم تكرار ما حدث لصديقاتها أو لمعارفها، لأنها ترى أن المجتمع سيلقبها بالمطلقة وستظل تجني عواقب ذلك على مدى العمر، وتجد من الصعب عليها أن تجد زوجا آخر بعد مرحلة الطلاق. لذلك يعتبر الفشل في التجربة الأولى هو فشل في الحياة بشكل عام. ولذلك فإن ارتفاع نسبة الطلاق هو سبب رئيس في هذا التخوف.

وتؤكد أ. منيرة بنت إبراهيم العبد الهادي، رئيسة القسم النسائي بمركز التنمية الأسرية بالأحساء، على أن الخوف طبيعي، لكن إن سبب إحجاما لدى الفتاة فلابد من معرفة الأسباب.

العنوسة تسبب حدوث خلل في الجهاز العصبي للعانس يدفعها إلى الرغبة في عداء الآخرين وعدم تقبل تعليقاتهم أو انتقاداتهم
وتفسر قائلة: لا شك أن الفتاة تنتظر اليوم الذي تتزوج فيه، وتكون أسرة، لتشعر بالاستقرار والأمان. وحينما يكون هناك قلق من الإقدام على هذه الحياة الجديدة، فهذا طبيعي ما لم يتجاوز الوضع المعقول. أما عندما تحجم الفتاة عن الزواج وترفض، فهذا يحتاج إلى وقفة مراجعة للأسباب ومعالجتها حتى تتخلص من تأثيرها.

ويظهر د. رفعت عبدالباسط، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن قبول فكرة تعدّد الزوجات اجتماعيا وتخلي الفتيات عن الغيرة الزائدة وحب التملك، أهم حلول ظاهرة العنوسة، بالإضافة إلى خفض تكاليف الزواج من مهور وأثاث والتكاليف الأخرى المرتبطة بالعادات والتقاليد الاجتماعية، فضلا عن أهمية مساعدة الهيئات الخيرية للشباب على تأسيس منزل الزوجية.

ويرى أن الزواج العرفي ساهم كثيرا في انتشار مشكلة العنوسة، خاصة وأن الفتاة ترفض الارتباط بأيّ عريس جاهز انتظارا لمن تزوجته عرفيا. وبالتالي قد تجد نفسها تخطت الثلاثين ولا تزال متمسّكة بالأمل خوفا من افتضاح أمرها.

ويوضح أن عدم ربط الزواج بمواصلة التعليم أو العمل يساهم كثيرا في حل المشكلة، لأن الزواج لا يقف حائلا أمام المرأة المتعلمة أو العاملة، طالما أنها لا تقصر في واجباتها تجاه زوجها وأطفالها، فضلا عن أهمية تقوية الروابط الاجتماعية بين الأسر، لأنها تساعد الشباب والفتيات على التعرّف على بعضهم البعض، وبالتالي تكون هناك ضمانة لنجاح هذا النوع من الزواج.

ارتفاع تكاليف الزواج من أهم الأسباب التي تزيد المشكلة تعقيدا، لأن معظم الأسر لا تراعي الحالة المعيشية للشباب

وفي السياق ذاته، يقول د. علي درديري استشاري الطب النفسي، إن إنشاء صندوق للزواج تشرف عليه الدولة لمساعدة الشباب في حل مشاكل الزواج، يحدّ من انتشار ظاهرة العنوسة بين الشباب والفتيات.

ويضيف أن للعنوسة تأثيرات نفسية خطيرة، أهمها إصابة العانس (سواء الفتاة أو الشاب) بالاكتئاب الذي يدفع إلى الانتحار، لشعورها بعدم القدرة على اختيار شريك حياتها المناسب، أو عدم قدرتها على التأقلم معه إذا تمّ اختياره، بالإضافة إلى حدوث خلل في الجهاز العصبي للعانس، يدفع إلى الرغبة في عداء الآخرين وعدم تقبّل تعليقاتهم أو انتقاداتهم، ومن ثم الشعور بالاغتراب وفقدان السعادة. ويرى أن عدم الثقة بالنفس من أهم تأثيرات العنوسة، حيث لا تستطيع العانس التحدّث أمام الآخرين، لأنها تتلمّس في نظراتهم الشفقة، مما يدفعها إلى العزلة والانطوائية، ويصيبها ذلك باليأس والإحباط، وفقدان التوازن النفسي وعدم الاستقرار المهني، علاوة على تنامي الرغبة في الخداع والتغرير وإخفاء عمرها الحقيقي.

ويقول د. أحمد مسلم، استشاري الطب النفسي: إن تمسّك المرأة بمستوى معيّن من التعليم ساهم كثيرا في انتشار ظاهرة العنوسة، لأنها استفادت كثيرا من الانفتاح الاجتماعي الذي حدث في المجتمع، والمناداة بضرورة منح المرأة فرصا أكثر لممارسة حقوقها العلمية. وتابع: تفاوت المستوى التعليمي بين الفتيات والشباب، أحد أسباب انتشار ظاهرة العنوسة -على سبيل المثال- كثير من الشباب يرفض الزواج من فتاة تتفوق عليه تعليميا، خوفا من نظرتها له وتعاليها عليه، بالإضافة إلى رفض الفتاة الزواج بمن هو أقل منها تعليميا.

ويؤكد د. مسلم أن ارتفاع تكاليف الزواج من أهم الأسباب التي تزيد المشكلة تعقيدا، لأن معظم الأسر لا تراعي الحالة المعيشية للشباب والظروف الاقتصادية الصعبة التـي لا تساعدهـم على تلبية متطلّبـات أهـل العـروس، فيضطر الشباب للعزوف عن فكرة الزواج.

21