في السعودية الرواية تتسيّد الموقف وحضور شعري لافت

بحسب الباحث السعودي خالد اليوسف فإن الإصدارات السعودية منذ 2012 حتى 2014 في حالة تصاعد مستمرّ، بمعزل عن معايير الجودة من عدمها، ورغم كون الأندية الثقافية والأندية الأدبية تتبنى الطباعة على حسابها للإصدارات، إلا أن غالبية الكتاب -وخصوصا الشباب- يفضلون طباعة كتبهم بعيدا عن المؤسسات الرسمية التي يخشون أن تمارس عليهم دورها الرقابي بقسوة كبيرة.
في الشعر
مع اعتقاد كثير من المتابعين بأن الرواية هي من تتسيّد الموقف الأدبي والثقافي السعودي لكونها ديوان العرب الجديد، إلا أن هذا العام شهد حضورا شعريا ملفتا، لا سيما بعد التجارب الشعرية التي اشتغلت عليها دار مسعى البحرينية تحت إشراف الشاعر الكويتي محمد النبهان، فقد قدّمت الدار خلال هذا العام مجموعة كبيرة من التجارب السعودية الرائدة، والتي تعتبر ذات قيمة تاريخية لا سيما في قصيدة النثر أمثال أحمد الملا وغسان الخنيزي ومحمد الحرز وآخرين، وقريبا يطبع إبراهيم الحسين وعبدالوهاب العريض، بالإضافة إلى تجارب شعرية شبابية ذات حضور ملفت مثل عبدالله المحسن ورقية آل فريد وغيرهما.
الأمر الذي ذكّر المتابعين بتجربة دار الجديد في بيروت إبان الثمانينات، وكيف قفزت بشكل سريع حين تحلّق حولها رواد القصيدة آنذاك. هذا بالإضافة إلى أصوات مهمة حضرت في المشهد الشعري السعودي من جنوب المملكة، مثل محمد زايد الألمعي وعلي الحازمي وإبراهيم زولي ومحمد حبيبي وعبدالرحمن موكلي وآخرين.
في العامين 2012 و2013 غابت الرواية السعودية عن القوائم المرشحة لجائزة البوكر بعد أن كانت متصدّرة بجدارة في الصفوف الأولى لسنتين متتاليتين 2010 و2011
في الرواية
في العامين 2012، 2013 غابت الرواية السعودية عن القوائم المرشحة لجائزة البوكر، بعد أن كانت متصدّرة بجدارة في الصفوف الأولى لسنتين متتاليتين 2010 و2011، توّج من خلالهما عبدو خال ورجاء عالم نجمين في سماء الرواية، غير أنها بعد ذلك توارت تماما حتى عن الصفوف الخلفية في المهرجان العربي السردي السنوي، الذي يحتفل بالرواية في أبوظبي على هامش معرض الكتاب. ثم عادت هذا العام وأطلّت على المشهد الثقافي السعودي على يد الكاتبة والروائية المثيرة للجدل بدرية البشر.
وفي الحقيقة إننا لو تجاوزنا “إطار” البوكر ونظرنا إلى أبعد من معاييره غير البريئة، التي يتّهم بها كل عام، فإننا سنواجه تجارب روائية من الممكن المراهنة عليها، حتى وإن لم تأخذ حقها من الحضور الإعلامي مثل رواية “عازف الجيتار العجوز” لمظاهر اللاجامي.
في المسرح
على الرغم من كل الصعوبات التي تواجه الممثلين إلا أنهم في حالة حضور دائم متحدين إجراءات “التقشّف” المفروضة من قبل جمعيات الثقافة والفنون في المملكة، والتي فرضت عليهم بعد أن قللت الوزارة ميزانيتها السنوية لتصل إلى خمسين ألف ريال لكل جمعية من الجمعيات الست عشرة المنتشرة في أرجاء المملكة.
لقد استطاعت بعض الجمعيات مثل جمعية الثقافة والفنون بالدمام أن تتحرّك بذكاء عبر عقد شراكات ثقافية مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء)، الذي يعدّ الذراع الثقافية للشركة، الأمر الذي ضمن استمرارية العروض المسرحية بتنظيم عال ومحترف.
وعلينا هنا الاعتراف بأن المتابعين لم يشهدوا عروضا مسرحية ملفتة كما كانت في السابق حين كانت الإمكانيات أقل من ذلك بكثير. ولكننا مع ذلك شاهدنا ممثلين ملفتين مثل كميل العبدالعلي، ومخرجين مميزين مثل محمد الحلال وماهر الغانم.
أما بقية فروع الجمعية فاستمرت بإرادة شخصية منها معتمدة على نفسها في تقديم العروض رغم ضيق ذات اليد.
انطلاق عدة تجارب تشكيلية ذات توجهات مختلفة في معالجاتها لأسئلتها الثقافية والفنية
في السينما
الأمر نفسه لمسه المتابعون للعروض السينمائية السعودية في الداخل، فكما هو معلوم بأنه لا توجد في المملكة العربية السعودية دار سينمائية واحدة، غير أن السينمائيين يحفرون تراب الصحراء آملين في رشفة ماء عذبة.
لهذا تجدهم يعملون بجدّ مع الجمعيات الثقافية التي غالبا ما تعرض أفلامها بشكل متواضع عبر “بروجكتر” وحامل قماش في صالة مسرحية.
في أواخر 2014 افتتح في جمعية الثقافة والفنون بالأحساء مهرجان الأفلام القصيرة الأول للشباب، وستتلوه مهرجانات متتالية عام 2015 في أكثر من جمعية على مستوى المملكة، منها الدمام والأحساء والرياض وجدة وجازان وحائل، في خطوة تمهيدية لتعميم التجربة على ست عشرة جمعية.
وقبل هذا الحدث بأسبوع احتفلت قناة روتانا الفضائية بتوزيع جوائز الفائزين بمهرجان الفيلم السعودي، وقبل هذا وذاك كان مهرجان أبوظبي السينمائي الذي كان للسعوديين فيه نصيب الأسد، حيث فاز فيلم «حورية وعين» من إخراج السعودية شهد أمين بجائزة أفضل فيلم روائي قصير في مسابقة «أفلام الإمارات»، الذي حكّم فيه الفنان السعودي إبراهيم الحساوي. ولقد حصل فيلم “نعال المرحوم” من إخراج محمد الباشا ومن كتابة القاص فاضل العمران في سبتمبر الماضي على شهادة تقدير في مسابقة PLURAL + Youth Video Festival والتابعة إلى United Nations Alliance Of Civilizations في الولايات المتحدة الأميركية والمنظم في ولاية نيويورك.
ولو ألقينا بنظرنا ناحية المهرجانات السينمائية العربية والعالمية سنواجه أسماء مهتمّة بالسينما كتابة وإخراجا وتمثيلا. فهنالك عمل حقيقي على الأرض رغم غياب الحامل الثقافي والدعم المؤسساتي.
في التشكيل
شهد هذا العام معارض عديدة على مستوى المملكة من جدّة إلى الشرقية ومن الشمال حتى الجنوب، ولعل من أهم الأصوات التشكيلية الجديدة والملفتة تجربة، نذكر مريم بوخمسين وزينب اليوسف وجاسم الضامن وحسين إسماعيل وحسين المصوف وآخرين.
ويبدو أنه لم تعد التجارب المشهورة هي من تتسيّد المشهد التشكيلي. ومن الملاحظ انطلاق عدة تجارب تشكيلية ذات توجهات مختلفة في معالجاتها لأسئلتها الثقافية والفنية، فلقد شهدت المنطقة الشرقية على سبيل المثال عدة معارض جماعية بمركز الفنون في القطيف وفي غاليري بيت التراث، وأيضا في غاليري تراث الصحراء في الخبر مثل معرض “لاود آرت”، الذي اشترك فيه حوالي 37 فنانا وفنانة من السعودية وخارجها، وحاول أن يقدّم مشروعه بمناخ واحد، لكن تحت مدارس تشكيلية متنوعة، يقوم بها التشكيليون باختلاف مشاربهم ورؤاهم وتوجهاتهم في التعبير عمّا يقلقهم من أسئلة خاصة وعامة.
من أهم الأصوات التشكيلية الجديدة والملفتة تجربة، نذكر مريم بوخمسين وزينب اليوسف وجاسم الضامن وحسين إسماعيل وحسين المصوف وآخرين
وهنا من الجميل أيضا الإشارة إلى مشروع “لوحة لكل بيت”، الذي أشرف عليه التشكيلي زمان جاسم بمشاركة 60 فنانا وفنانة في مشروع رائد، كان يهدف إلى غرس بيئة راغبة في اقتناء الأعمال الفنية الأصلية، وتغيير النمطية في قلة الاهتمام بالاقتناء رغم وجود عدد كبير من المبدعين.
في الأندية الأدبية
من الواضح أن معظم الإشكاليات التي استقرت بعد انتهاء الماراثون الانتخابي للأندية الأدبية على مدار سنتين مضت، تنصبّ في اتهام جماعات ثقافية لجماعات أخرى بسرقة الكعكة الثقافية لصالحها، وحرمانهم منها من خلال تشكيل أجندة سرية إقصائية تتكئ على تحالفات غير نظامية للوصول إلى سدّة الرئاسة، عبر تكتّل أصوات ناخبة لعل أغلبها لا تمتّ إلى الثقافة والمثقفين بصلة تذكر، إن لم تكن ذات توجهات مضادّة للحراك الثقافي نفسه بمعناه العام.
هذا ما لاحظه المتتبعون للصفحات والبرامج الثقافية التي استعرت نارها بين الأطراف المنتخبة، وأسفرت بنتائج معظمها غير مرضي عنها من قبل المثقفين أنفسهم. الأمر الذي دفع المثقفين السعوديين المنتمين إلى الأندية للتساؤل عن كيفية إيجاد حل لهذا المأزق.
البعض اقترح توقيف الانتخابات لأن نتائجها أتت بعكس ما يشتهي المثقفون. فيكونون بذلك في منطقة تناقض كبيرة بين وعيهم ومعطيات الواقع، التي تنبئ بربيع ثقافي عبّر عنه الوزير السابق خوجة على أنه تجربة مهمّة للفعل الديمقراطي.
ولقد رأى البعض الآخر أنه لربما سيكون من المناسب للتخلص من هذه الأزمة التكتليّة الطبيعية -بحسب الغذامي- لو فكرت اللّجان التنظيمية للوائح الانتخابية في الدورة القادمة بعد أربع سنوات، في آلية جديدة تستفيد من معطيات التجربة الانتخابية للمجالس البلدية حيث يأتي نصف المجلس بالتعيين والنصف الآخر بالانتخابات. هذه الخطوة ستنتج امتدادا ثقافيا يضمن دخول خمسة أعضاء إداريين تختارهم لجنة وزارية مستقلة بتوجهات مختلفة بين محافظين وأكاديميين وليبراليين، الأمر الذي سيضمن أيضا حالة من التنوّع المزاجي الصحي في أروقة الأندية، ستنعكس بالتأكيد على المشهد الثقافي المحلي، وستكون صمام أمان يمنع اختطاف الثقافة لصالح جهة ما أو تجييرها لجهة أخرى. رغم كل هذه التحفظات بقيت الأندي
وعلى خلاف الأندية الأدبية بقيت الملتقيات الأهلية تعمل بصورة احترافية لتختطف الكعكة من المؤسسات الرسمية التي بدا يكفر بها الجمهور إلا فيما ندر.
إقرأ أيضا: